لماذا يا رمضان تظهر لى بوجه عابس مختلف؟. سأصارحك بكل شىء، ولتكن أنت حكما بينى وبينك.. أمى مريضة مرض الموت، وأخى مات، ثمة غصة فى القلب وصرح هائل على وشك الانهيار، تصور أنك مثلى تؤدى عملك فى المستشفى حينما تتلقى اتصالاً هاتفياً بأن أخاك سقط فى غيبوبة مفاجئة. أخلع البالطو الأبيض فى عجل وأهبط الدرج فى ثانية لأجرى فى الطريق كالمجنون، مقتحماً السيارات المسرعة وفى داخلى شىء يعلم أنها النهاية. تصور يا رمضان، كمّ الذكريات المحزنة، وأنا أنحنى على أخى وأحمله حملاً إلى المستشفى أمام عيون أمه الملتاعة، صرخت: يا ولدى، ثم تهدلت كزهرة خريفية، بعد سبعة أيام، تصعد روحه إلى بارئها وأهبط أنا فى عتمة القبر درجة ثم لا أعود بعدها أبداً. أُلقى السلام على أبى المسجى فى سلام عميق متصل، منتظراً أن ينادينى بالكلمة الحلوة لكنه– لا أدرى لِمَ؟- لا يفعل. يعود جسدى إلى العالم الصاخب من أجل أمى التى فقدت ابنها المحبوب على حين غرة، أواسيها بالقبلات تارة وبالبكاء تارة، وهى فى صمتها الذاهل عن القبلات والبكاء. بعدها، ماتت أمى وفى قلبها لوعة على ابنها الحبيب، فيما بعد سيحدث شىء لا يصدق.. ليلة وفاتها، سأستيقظ فى الصباح لأجد المسجد المقابل لبيتها قد تمت إزالته تماما أثناء الليل، ذهب مسجد طفولتى وذهبت أمى فى ليلة واحدة. لهذا ترانى عاتباً عليك، متسائلاً عن معنى العيد!. هل مطلوب منى أن أفرح به يا رمضان؟ ....................... تأتى هذا العام وأنا فى حال يرثى لها بصراحة. ملابسى ممزقة، حذائى ضائع، دموعى حاضرة، قلبى مثقوب برصاص الذكريات، تكدست النصال على النصال يا رمضان. الشعر الأبيض ينتشر بسرعة مخيفة، أصدقائى كل منهم فى وادٍ، لكننى واثق أنهم سيمشون فى جنازتى. ليس لرمضان القديم أثر فى وجدانى سوى صوت عبدالمطلب يصافحنى: «رمضان جانا». أعرف أن رمضان جانا، ولكن بوجه غير الوجه القديم، لذلك لم أرد على رسائل التهنئة التى وصلتنى.. كرهت الرسائل وكرهت التهنئة وكرهت نفسى. والحل يا رمضان؟. سأقضى وقتا أطول فى الحدائق دون أن تكتسى روحى بسلام اللون الأخضر. سأراقب العصافير دون أن تحلق روحى معها. سألتهم الكنافة دون أن أتذوق حلاوتها. سأحاول أن أجد سلام نفسى الضائع. رمضان، مشهور أنت بالكرم، فاغمرنى بكرمك فى زمن أحتاجه أكثر من أى وقت مضى. ........................ مازال عبدالمطلب ينشد بصوته الرخيم الخشن: رمضان جانا وفرحنا معاه. حقا، جئت يا رمضان ولكن!! أين الفرحة !؟.