أرجو أن ننتبه، إلى أن هناك وجه شبه كبير، بين أسباب غضب أبناء القاهرة، من شلل المرور فيها، وبين أسباب غضب آخرين، من الأخبار التى تتناثر، حول قطعة من أرض الدولة هنا، أو هناك، وطريقة استغلالها فى الحالتين! فالمشكلة فى العاصمة، لم تكن أبداً، فى أن ملايين يقيمون فيها، ويتزايدون يوماً بعد يوم، فكل عواصم العالم فيها ملايين مماثلة، وربما أكثر، وإنما المشكلة الحقيقية كانت ولاتزال، فى أن عدداً كبيراً من مبانى القاهرة يجرى استخدامه لغير الغرض الذى أنشئ من أجله.. فالشقة التى أقيمت - مثلاً - لتقيم فيها أسرة تمتلك سيارة أو سيارتين فى أقصى الأحوال، تحولت، تحت غفلة القانون، إلى مقر لشركة، يتردد عليها عشرون موظفاً، بعشرين سيارة.. وهكذا.. وهكذا.. فى سائر الأحوال التى تنقلب فيها الشقق السكنية إلى مخازن، وورش ومكاتب تجارية.. وغيرها! والمسألة فى حالة أرض الدولة، هى نفسها، لأن المشكلة مع أرض «مدينتى» - على سبيل المثال - ليست فى أن صاحبها حصل عليها مجاناً، وإنما السؤال الذى يتعين أن نسأله لأنفسنا دوماً، هو: هل جرى استغلال هذه الأرض وغيرها طبعاً، للهدف الذى تم تخصيصها من أجله، أم لا؟!.. هل كانت أرضاً زراعية - مثلاً - وتحولت إلى أرض عقارية، أو كانت عقارية وتحولت إلى صناعية، أو.. أو.. إلى آخره؟! هذه دائماً، هى أصول الموضوع، الذى يجب أن ننشغل به، طول الوقت، ولا ننشغل عنه بغيره، لأن مشكلة الأمير الوليد - على سبيل المثال أيضاً - ليست فى أنه حصل على الفدان فى توشكى بخمسين جنيهاً، أو حتى بالمجان، لا لشىء، إلا لأن السؤال هنا يظل على النحو الآتى: هل زرع المساحة الشاسعة التى حصل عليها، فأتاح فى كل فدان مزروع، فرصتين من فرص العمل، لاثنين من العاطلين، أم لا؟!.. هذا هو الجوهر فى الأمر كله، ولا جوهر سواه.. وإلا.. فما الذى كان سوف يفيدنا، كبلد، لو أن هشام طلعت حصل على المتر بخمسة آلاف سددها كاملة، ثم ترك المساحة صحراء؟! منذ فترة، كان اللواء أبوبكر الجندى، رئيس جهاز الإحصاء، قد قال عبارة، هى بمثابة الحكمة، عندما صرح بأن مصر كلها تعيش فى «أوضة» أو غرفة واحدة، من بين بيت واسع ممتد، وممتلئ بالغرف.. وكان المعنى، ولايزال، أن ال80 مليوناً فى البلد، يعيشون على 4٪ فقط من مساحته، بالضبط كما يكون لديك بيت من 20 غرفة فتغلق 19، وتعيش مخنوقاً فى واحدة! الحل كان ولايزال فى القاهرة، بأن يجرى استغلال مبانيها، للغرض الذى أنشئت من أجله فقط، وأن تكون أرض الدولة، تمليكاً، لا انتفاعاً، لمَنْ يستثمرها بجدية فى الغرض الذى جرى تخصيصها له من أجله وفقط أيضاً، فلا تكون فدادين زراعية، فتتحول أمام أعيننا إلى فدادين عقارية، ثم نظل نتكلم فى التفاصيل لا المضمون!.. فوقتها سوف يمكننا الخروج من هذه الغرفة الوحيدة الخانقة!