محمود معاذ عجور مترجم وباحث في الشئون الإسرائيلية إسرائيل مسئولين ومواطنين ومثقفين تؤيد هجمة الجيش الإسرائيلي على أسطول كسر الحصار على غزة، هذه هي الحقيقة التي تنقل خطأ عن مسئولينا وسياسيينا إلى الرأي العام في الشارع المصري والعربي، فلماذا ينكرها السياسيون في حلقاتهم على تليفزيون الحكومة، فأنا الآن على يقين من أن عدم قدرتنا على التواصل مع الغرب جاء من تلك النقطة، لأننا ننفخ في النار في الداخل، أما في الخارج فنحن ننقل خطأ ونؤول الأحداث بطريقة خاطئة، وفي النهاية نعود بلا شيء ونقعد بحسرتنا.
فمع الأسف الشديد أشار السفير حمدي صالح، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أمس خلال حوار له مع قناة المشهد حين تعرض للهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية إلى أن "الرأي السياسي الداخلي في إسرائيل منقلب ضد وزير الدفاع إيهود باراك ومطالبة البعض بإقالته لقراره بضرب الأسطول البحري، كما أن الصحف الإسرائيلية تطالب بإجراء التحقيقات في القضية".
إلا أن حديث السيد السفير يشوبه خطأ فظيع، فالمطالبة بإقالة باراك لم ترق لمستوى "رأي سياسي داخلي" فهو مجرد خبر نقل عن وزراء بالحكومة "دون ذكر أسمائهم" بأن باراك يجب أن يستقيل، ولكن ليس هذا لدفعه الجيش لارتكاب هذه الفعلة التي قاموا بها، ولكن لأنه انفرد باتخاذ قرار السيطرة على أسطول الحرية بتصديق من نتنياهو دون الرجوع إلى أعضاء الهيئة السياسية الأمنية الإسرائيلية "الكابينيت" والتي تجتمع لبحث الأمور الطارئة للدولة مثل الأزمات واحتمالات الحروب، كما هاجم الوزراء باراك لطريقة الهجمة العسكرية على الأسطول، إلا أن الاتجاه العام للسياسيين والعسكريين في إسرائيل هو دعم قرار الجيش والحكومة بالهجوم على الأسطول، ولعل أبلغ دليل على ذلك جلسة الكنيست التي أجريت بتاريخ 2 يونيه، والتي أكد جميع أعضاء الكنيست اليهود خلالها تأييدهم للهجوم ومواصلة كسر الحصار على غزة، ولعل ما لاقته عضو الكنيست العربية حنين زغبيى والتي كانت متواجدة على الأسطول التركي خلال تلك الجلسة أكبر دليل على التأييد السياسي الإسرائيلي للعملية، باستثناء داف حانين عضو الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة "حزب عربي به أعضاء يهود".
وقد استطاع أعضاء بالكنيست إنزال زغبي من فوق المنصة بالقوة حين كانت تستعد لإلقاء الخطاب الخاص بها حول الموضوع المثار، كما أطلق أعضاء الكنيست اليهود وابلا من السباب على عضو الكنيست العربية، ودعت عضو الكنيست عن حزب الليكود ميري ريجيف لضرورة نزع حصانة حنين زغبي ومحاكمتها كمواطنة خائنة للدولة، وقدمت ميري طبقا لما ورد في القناة السابعة مشروعا للكنيست حول تعامل زغبي مع قضية الأسطول، مشددة خلال تقديمها المشروع إن عضو الكنيست العربية تمثل جزءا من العناصر التي تدعو لتصفية دولة إسرائيل، لذا لا يصلح أن تكون ممثلة في الكنيست الإسرائيلي.
كما أعلنت الهيئة السياسية الأمنية المصغرة التي اجتمعت بعد وقوع العملية ، أن إحباط هدف السفن يمثّل دفاعًا إسرائيليًّا عن النفس ضد حركة حماس التي تواصل أعمالها العدوانية على المناطق الإسرائيلية القريبة من القطاع، وأضافت أن هجوم الكوماندو البحري يمثّل رفضا للاستفزاز العنيف الذي مورس ضد الجنود في قلب البحر.
كما أكد الوزير سيلفان شالوم القائم بأعمال رئيس الحكومة في حوار مع إذاعة الجيش الإسرائيلي عدم تأثره بالنقد الذي تواجهه إسرائيل في دول العالم ومن الدعوات المطالبة باستقالة إيهود باراك، مشيرًا إلى أن دولته لها الحق في منع هذه السفن التي كانت تحمل صواريخ وقنابل وكذلك تحمل إيرانيين لتدريب وتسليح سكان غزة، وذلك مع إيضاحه خطأ باراك ونتنياهو بعدم العودة لاستشارة المجلس الوزاري المصغر "الكابينت".
وكل هذه تعد أدلة واضحة على دعم وتأييد الرأي العام السياسي في إسرائيل لقرار مهاجمة الأسطول.
أما عن الصحف الإسرائيلية ووسائل الإعلام هناك بشكل عام، فقد طالبت بالفعل بإجراء تحقيقات ولكن ليس لقيام سلاح البحرية بمهاجمة الأسطول، ولكن لعدم الاستعداد الحكومي الإعلامي لمواجهة سفن كسر الحصار على غزة، وتسببت طبقا لرأيهم في زيادة الضغط الدولي على إسرائيل وارتفاع حدة الانتقادات للدولة، كما ظهرت بعض الانتقادات القليلة للطريقة التي اتبعها الجنود للسيطرة على السفينة وسحبها حتى ميناء إسدود.
فعلى سبيل المثال قال المحلل أوري هايتنر بصحيفة إسرائيل اليوم إن إسرائيل لم تنجح في التعامل مع أزمة أسطول الحرية إعلاميًّا ولم تقم بما عليها حيالها، ففي الساعات التي تلت الأزمة غابت إسرائيل وسمحت ل"العدو" أن يغزو وسائل الإعلام بوجهة نظره دون أن تنبث ببنت شفة.
وأبدى الكاتب بصحيفة هاأرتس يهودا بن مائير دعمه لقرار الحكومة "العادل" بالسيطرة على السفن، لأن السماح لها بالمرور يسمح على المدى البعيد بتكوين تهديد خطير على أمن الدولة ومواطنيها، وبرر الكاتب راؤبين مرحاف في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت تحت عنوان " ليس هناك دولة مثل إسرائيل " عملية قتل النود لنشطاء السلام، حين شدد على أن جميع دول العالم كانت سترد بشكل أعنف لو حلت محل إسرائيل في أزمة أسطول الحرية.
ولاقت تركيا هجوما عنيفا من إسرائيل "مسئولين، مواطنين وإعلاميين، لهجوم الأولى العنيف على تل أبيب في جميع المحافل التركية المحلية والمحافل الدولية، حيث نظمت مظاهرات أمام السفارة التركية في تل أبييب ساوى خلالها المتظاهرون بين رجب طيب أردوغان وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
وقال القائم بأعمال رئيس الحكومة الإسرائيلية سيلفان شالوم خلال حوار مع إذاعة الجيش الإسرائيلي إنه على رئيس الحكومة التركية أردوغان أن ينظر جيدًا إلى ما يقوم الأتراك بفعله مع الأكراد ومع كل من يعمل ضد السيادة التركية.
وعلى طريقة المسئول الحكومي، أيقظ العديد من الكتاب والمحللين الإسرائيليين مسألة التعامل التركي مع الأكراد، فوصف الكاتب بصحيفة إسرائيل اليوم رون تيرا التنديد التركي بإسرائيل ب"القبيح" متساءلا عن الطريقة التي كانت ستستخدمها تركيا مع أية منظمات أجنبية تحاول نقل دعم للمنظمة الكردية "PKK" أو تحاول حتى مساعدتها على العمل في كردستان.
وتناول المحلل ومتخصص الشئون العربية والإسلامية بصحيفة يديعوت أحرونوت روعي نحمياس الهجوم التركي ذاته مشيرا إلى أن بداية التوتر في العلاقات التركية الإسرائيلية يعود إلىتاريخ اعتلاء حزب العدالة والتنمية الإسلامي السلطة في أنقرة، مشيرا إلى أن القادة الأتراك مؤمنون ب"الإسلام السياسي" مما يجعلهم أكثر قربا من الناحية الأيدلوجية للإخوان المسلمين بشكل عام وحماس بشكل خاص.
ولعل هذا العرض يوضح أن مسئولي إسرائيل وقادة جيشها ومواطنيها ومفكريها جميعهم منصب ومجتمع حول دعم قرار الحكومة بالسيطرة على السفينة وسلاح البحرية الذي نفذ العملية، وليس كما ينقل السياسيون أو كما يحلو لنا أن ننقل الأخبار حسب أهوائنا، ونفسرها حسب أمزجتنا. * مترجم وباحث في الشئون الإسرائيلية