أصدر مركز الأرض لدراسات حقوق الإنسان اليوم تقريرا حول "مستقبل الحركة العمالية والاحتجاجية "ضمن سلسلة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية العدد رقم (78 )، ويهدف التقرير إلى التعرف على كيفية صعود الحركة، وعلاقاتها بالأحداث وحركات التغيير التى ظهرت فى مصر خلال الفترة الماضية . ويدور التقرير في محاور أربعة ويتناول المحور الأول "صعود الحركة الاحتجاجية الاجتماعية منذ عام 2000" حتى عام 2005ذلك الصعود المرتبط بالأزمة الطاحنة التي دخل فيها النظام الرأسمالي في مصر وما تلاها من أزمات متعاقبة نتج عنها تردي الأوضاع المعيشية لقطاع عريض من الشعب المصري إلي جانب أزمة ارتفاع الأسعار وتراجع معدلات النمو من 5.1% عام 2000 إلي 2% عام 2002 وتفاقم مشكلات تراجع النشاط الاقتصادي وانخفاض المبيعات وتراجع معدلات الاستثمار والتخلي عن نظام ربط الجنيه بالدولار مما نتج عنة هبوطا مستمرا في قيمة الجنيه واستنزاف احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية من 20.4 مليار دولار نهاية عام 1997 إلي 14.54 مليار دولار في سبتمبر 2000 ،هذا الوضع الذي نتج عنة تجاوز عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر العالمي 48% من المصريين بعد أن كانوا 35% مع بداية تطبيق برامج التكييف الهيكلي الذي بعد هو السبب الرئيسي في تلك الأزمات. ويشير التقرير إلي تفاقم أزمة النظام المصري بعد فشل مفاوضات السلام بين باراك وعرفات واندلاع الانتفاضة الفلسطينية وحركة التضامن مع الانتفاضة في مصر وتزايد الغضب الجماهيري بإعلان الولاياتالمتحدة الحرب علي العراق والتضامن مع الشعب العراقى . تلك الأسباب التي أدت إلى اندلاع الغضب الجماهيري منذ عام 2000 أثرت بلا شك على تصاعد الحركة الاحتجاجية والعمالية فى مصر خلال هذه الفترة . أما القسم الثانى فيدور حول "صعود حركة التغيير الديمقراطي في مصر2005 "حتى عام 2007 والتي تواكبت مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية وظهور العديد من الحركات مثل حركة القضاة وحركة صحفيين من اجل التغيير ومهندسين ضد الحراسة ،والحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) وتدشين التحالف الوطني من اجل التغير . ويشير التقرير إلي أنه رغم اتساع الحركة الاحتجاجية الا أن الحلقية الشديدة وسط النخب السياسية في مصر والبعد عن المطالب الاجتماعية للشعب المصري والاهتمام بطرح القضايا السياسية دون ربطها بالقضايا الاجتماعية للالتحام بالجماهير أدى لعدم نجاح الحركة الاحتجاجية فى إحداث التغيير. ويؤكد التقرير علي مواءمة سياسات الدولة لتلك التغيرات وأكد ذلك سماح الدولة للتحركات المدنية بنسبة تزيد عن التحركات الاجتماعية لمعرفتها أسباب عدم نجاح الحركة فى إحداث التغيير وتحقيق مطالب الشعب المصري. بعدها يعرض التقرير فى محوره الثالث "صعود الحركة العمالية منذ عام 2007 "حتى عام 2009 فمن خلال رصد مركز الأرض للاحتجاجات العمالية والتي كانت في ازدياد منذ عام 2000 فبلغت 164 احتجاجاً وتصاعدت بعد ذلك لتصل 222 احتجاجاً عام 2006 ثم قفزت بعد إضراب المحلة إلي 756 احتجاجاً مع نهاية عام 2007 وزادت عن 700 احتجاج عام 2009 . ويؤكد التقرير علي الأسباب التي أدت إلي احتجاجات العمال ومنها المطالبة بمستحقات سابقة للعمال من بدلات وحوافز وعلاوات التي لم تقم الجهة الإدارية بصرفها أصلا والتي كانت اعلي نسبة احتجاج فقد وصلت إلي 13.9% من إجمالي الاحتجاجات . ويشير التقرير إلى التعسف الذي تعرض له العمال من جانب الإدارات خلال عام 2007 من فصل وتشريد يبلغ إجمالي من تم فصلة قطاع الأعمال 87367 عامل وفي القطاع الخاص 15525 عامل وفي القطاع الحكومي 12653 عامل فيبلغ إجمالي من تم فصلهم 115545 عاملاً . ويعرض التقرير جوانب إضراب 6 ابريل 2008 وما نتج عنه من إجهاض لإضراب عمال المحلة والتعامل الوحشي من قبل الدولة مع مواطنى وأهالي عمال المحلة باعتباره مفصلاً هاماً فى تطور الحركة الاحتجاجية والعمالية فى مصر . أما القسم الرابع من التقرير فيدور حول "تحديات الحركة العمالية في مصر"، وكان بعض جوانبها الايجابية ابتداع إشكال تنظيمية مختلفة وجديدة أدت لنتائج ايجابية على مستوى المطالب المصنعية والاقتصادية. كما أظهر التقرير بعض المعوقات الكثيرة التي تواجه الحركة والتي كان أهمها: إشكاليات ذاتية تتمثل في ضعف التنظيم والقيادة والترابط فى الكثير من الاحتجاجات ،إلى جانب آخر يتمثل فى المناخ العام والظروف الخارجية مثل تعسف الدولة والنقابات الرسمية ضد حقوق العمال . وينتهى التقرير بالعديد من التوصيات فى قسمه الأخير كمحاولة لتجاوز الحركة الاحتجاجية لمعوقاتها الداخلية والخارجية وكان أهمها : - ضرورة تغيير الحكومة المصرية بحكومة ائتلاف وطنى منحازة للعمال وذوى الدخول المحدودة وذلك لتطبيق استراتيجيات وسياسات بديلة تعالج التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية خاصة للعاملين بأجر لتحسين أجورهم ،ولوقف تشريدهم وانتهاك حقوقهم ولتطبيق برامج اجتماعية أكثر عدالة لمعالجة الآثار السلبية للازمة على حقوق العاملين بأجر لضمان وصول دعم موازٍ لهم يتناسب مع ما تقدمه الحكومة الحالية لرجال الأعمال وأصحاب الشركات . - تعديل قانون النقابات رقم 35 ل 76 بحيث يسمح بالتعدد النقابى وحق الانضمام والانسحاب إلى المنظمات النقابية ويمنع وصاية الأجهزة الحكومية على التنظيمات النقابية ويسمح للجمعية العمومية للنقابة بسلطة اتخاذ جميع القرارات باعتبارها أعلى سلطة فى المنظمة النقابية . - تعديل القوانين المصرية كى تسمح بحق الإضراب والتظاهر والاعتصام والاحتجاج السلمى لإحداث التوازن بين حقوق العمال والحريات الممنوحة لرجال وأصحاب الأعمال والإدارات والجهات الحكومية وغير الحكومية ،الأمر الذى يؤدى لوقف استبداد الإدارات والسلطات المختلفة تجاه العمال المضربين أو الفئات المحتجة ،ولضمان عملية التحول السياسى والاقتصادى والاجتماعى والديمقراطى لصالح كل فئات المجتمع المصرى . - تحسين المناخ الديمقراطى وأوضاع الحقوق المدنية وذلك بتعديل قوانين الأحزاب والجمعيات وقوانين مباشرة الحقوق السياسية للسماح للمواطنين بممارسة حقوقهم فى المشاركة والتنظيم والتجمع دون وصاية حكومية ولضمان تمثيل جميع فئات الشعب وطبقاته فى تشكيل وإدارة السياسات والبرامج والرقابة على تطبيق تلك السياسات ولوقف الفساد المستشرى فى مؤسسات الدولة ووقف الإهدار فى إدارة مواردنا . - كفالة الحق فى التداول السلمى للسلطة بالانتخاب الحر فى جميع مؤسسات الدولة وإلغاء تطبيق قانون الطوارئ والإفراج عن جميع المعتقلين وكفالة جميع الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين فى مصر . - تطبيق نظم تأمينية وصحية تكفل الرعاية والحياة الكريمة للمسنين وتضمن لهم دخلاً شهرياً لا يقل عن ألف ومائتى جنيه كما يجب تعديل قانون العمل رقم 12 ل 2003 لتسهيل إجراءات الحصول على بدل البطالة والذى يجب ألا يقل عن 600 جنيه شهريا كى يوفر حداً أدنى كريماً لمعيشة المواطنين فى مصر . - صرف المستحقات المالية المتأخرة للعمال ووقف تعسف الإدارات ووقف إهمال وتجاهل المسئولين لمطالب المحتجين ومنع سياسات الفصل التعسفى وتثبيت العمالة المؤقتة وتحسين الأجور وتطبيق معايير العمل الدولية وكفالة الحد الأدنى للمعيشة بحيث لا يقل عن 1200 جنيه شهريا وتحقيق مطالب المضربين فى قطاعات العمل المختلفة . - تعديل برنامج إدارة أصول الدولة الذى طرحه الحزب الوطنى بحيث يسمح التعديل بتقييم حصيلة برامج الخصخصة والطرق التى تم بها صرف هذه الحصيلة ومحاسبة من تورط فى عمليات فساد صاحبت أية عمليات سابقة بالإضافة إلى ضرورة ضمان وجود إدارة ديمقراطية تشاركية فى المستقبل تتحمل فيه الدولة مسئوليتها بإدارة هذا القطاع لمعالجة الفساد والخلل فى هذا القطاع ولتحسين أوضاعه وإنتاجيته، وتسمح هذه الإدارة الجديدة بمراقبة مؤسسات المجتمع المدنى لأعمالها ، وتضمن صرف عوائد الأرباح على تحسين الخدمات العامة وأوضاع البنية الاقتصادية والاجتماعية وكفالة الرعاية الصحية والتعليمية للعمال وذوى الدخول المحدودة والنهوض بمجتمعنا ومعالجة الآثار السلبية لسياسات التحرير الاقتصادى . ويؤكد مركز الأرض على أن إضرابات العمال والفئات الاجتماعية الأخرى خلال الفترة الماضية أسهمت فى تمكين آلاف العمال من تحسين أوضاعهم وانتزع بعض حقوقهم ولعل اضراب الضرائب العقارية وعمال النسيج والعشرات من الإضرابات الأخرى والتي قدمت نموذجاً للنضال والكفاح لكفالة حقوق المواطنين فى العيش بحرية وأمان وكرامة ودون تمييز.