ما هى الأسباب التى تستند إلها الحكومة المصرية عندما تسمح لجماعة «الإخوان المسلمين» التى تعتبرها محظورة بتنظيم حفل إفطار سنوى فى شهر رمضان المبارك يشارك فيه مئات من «الاخوان» وضيوف على الجماعة من الشخصيات العامة ورموز الاحزاب السياسية وبينهم من ينتمى الى الحزب الوطنى الحاكم نفسه؟ عادة يكون حفل الإفطار فى قاعة ضخمة فى فندق كبير وبعدما يتناول الحضور الطعام تبدأ الكلمات التى يستهلها مرشد الجماعة بتوجيه الشكر للحضور ثم الحديث عما تتعرض له الجماعة من ملاحقات ومضايقات ثم يوجه الانتقادات للحكومة وسياساتها، وبعدها يلقى بعض الحضور كلمات أيضاً تحمل كثيراً من التقدير ل «الإخوان» والانتقاد للحكومة وينتهى الامر بتوزيع حقائب ورقية تحوى بعض كتب «الإخوان» أو الإصدارات التى تعكس مبادئها أو آراءها فى بعض قضايا الشأن العام، وينتهى الإفطار من دون حدوث مكروه وكثيراً ما يشاهد ضباط الشرطة حول الفندق وداخله وعلى مقربة من القاعة التى يحتفى فيها «الإخوان» بأنفسهم وبضيوفهم فى رمضان من دون احتكاك أو شجار، بل فى الغالب يكون هناك بعض من تحيات وسلامات متبادلة بين الضباط وبعض الشخصيات المعروفة من «الإخوان»، لكن الحكومة المصرية للسنة الثانية هذا العام اعترضت على حفل افطار «الإخوان» السنوى ورفضت إقامته رغم وعود الجماعة بتقليل الأعداد أو التعهد بعدم إلقاء الكلمات والخطب بعد الإفطار من دون جدوى. ويعود السؤال متى تسمح الحكومة ل «الإخوان» بتنظيم حفل الإفطار الرمضانى ومتى تعترض؟ هل للأمر علاقة بأوضاع وظروف قانونية أم ملاءمات سياسية؟ إذا كان الأمر يتعلق بالقانون الذى تؤكد الحكومة انه لا يعترف ب «الإخوان» كجماعة أو تنظيم بل يحظر التعاطى مع اعضائها فإن السماح بأنشطة كثيرة يمارسها «الإخوان» بينها حفل الإفطار بكل ما يحدث فيه يعد خرقاً للقانون من جانب الحكومة نفسها التى تحرس الحفل وتوفر الأمن للحضور من اعضاء التنظيم وضيوفهم وتضمن سلامة الذين يلقون الكلمات داخل القاعة الفسيحة ومن يستمعون إليهم، أما إذا كان الامر يتعلق بالملاءمات السياسية فإن من الواضح أن العلاقة بين الطرفين (الحكومة و «الإخوان») ليست على ما يرام على الإطلاق خلال الشهور الأخيرة، وإن ما كان مسموحاً به فى فترة سابقة لم يعد ممكناً. قد يرى البعض أن القبض على عدد غير قليل من رموز «الإخوان» بينهم نائب المرشد محمد خيرت الشاطر ومن بعده القيادى البارز الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يعكس تعاطياً جديداً للحكومة مع «الإخوان» لكن المتابعين للعلاقة بين الطرفين منذ سنوات يدركون أنه حتى فى الوقت الذى كانت تُجرى فيه محاكمات عسكرية ل «الإخوان المسلمين» كانت الحكومة تسمح بحضور الإفطار الرمضانى وكان بعض المسؤولين يرى أنه يجب ترك منافذ ل «الإخوان» يتنفسون منها حتى لا ينفجروا اذا أُحكم الحصار حولهم. ويبدو أن هذه القناعات تغيرت وأن الأمر يتخطى مسألة حفل إفطار ووصل الى تغييرات جوهرية فى الأسلوب الذى ستعتمده الدولة المصرية فى التعامل مع جماعة «الإخوان» فى السنوات المقبلة والتى يعتقد انها ستكون مهمة فى تاريخ مصر وستشكل مستقبل هذا البلد العربى المهم أو الأهم. قد يرى البعض أن العودة الى أجواء الخمسينات والستينات من القرن الماضى أمر مستبعد وهذا صحيح لأن المعطيات والظروف الداخلية والاقليمية والدولية تغيرت كما أن نظام اليوم فى مصر غير نظام عبد الناصر اضافة الى أن «إخوان» اليوم غير إخوان سيد قطب، لكن الصحيح أن مصر التى ستتأهب خلال السنتين المقبلتين لاستقبال رئيس جديد أو للتمديد للرئيس حسنى مبارك تدرك أن «الإخوان» يصرون على ان يكونوا طرفاً فى معادلة الحكم فى المستقبل وأنهم يسعون الى ذلك ويحاولون الاستفادة من كل الظروف المحيطة حتى لو كانت «بلاوي» تلحق بهم، ويبدو أن الصراع بين الطرفين خلال السنتين المقبلتين فى طريقه الى التصعيد وبأشكال مختلفة وأن كل طرف سيستخدم كل الوسائل المتاحة لديه ليكون فاعلاً ويبطل فى الوقت نفسه فاعلية الطرف الآخر. فالأمر يتجاوز مسألة حفل إفطار فى رمضان الى مستقبل مصر.. فى كل الشهور والسنوات.