د. الميساوي : الأشعري أول من أسس أدب الحوار مع الآخر أكد المشاركون في الملتقي الخامس للرابطة العالمية لخريجي الأزهر أن الإمام الأشعري جاء بمنهج معتدل بين المنهجين، معلناً أن المصدر الرئيسي للعقائد هو الكتاب و السنة، و في الوقت نفسه خالف أهل الحديث بذكاء خاص عن طريق استقلال البراهين و العقلية و الكلامية علي ما جاء في الكتاب و السنة . جاء ذلك خلال جلسات اليوم الرابع للملتقي الخامس للرابطة العالمية لخريجي الأزهر، حيث أكد عمر عبد الله كامل الكاتب و المفكر الإسلامي أن أهل الحديث يتحرون الخوض في الكلام، و إقامة الدلائل الفعلية علي العقائد الإسلامية، و يكتفون بظواهر النصوص و الأحاديث، و لكن الأشعري بعد براءته من الاعتزال و جنوحه إلي منهج أهل الحديث كتب رسالة خاصة في استحسان الخوض في الكلام، و جعل نفسه هدفاً لعتاب الحنابلة الملتزمين الذين كانوا يرون الخوض في هذه المباحث نوعاً من الزيغ بضلال. وأضاف أن الإمام أبو الحسن الأشعري ظهر في فترة كانت الأمة تعج فيها بالخلافات والإسرائيليات و الصراعات الدينية و المذهبية ، فالمختزلة شبهوا أفعال العباد بفعل الله فمنهم من شبهه في الأفعال، و المجسمة شبهوا الله تعالي من حيث الذات بالمخلوقات. و أوضح كامل أن مذهب الإمام الأشعري تركز في أمرين رئيسيين هما ميزان ذلك المذهب عما تقدمه من مذهب المحدثين، و هي النصوص القرآنية عندما يجيدونها مخالفة لآرائهم، حيث كانت المعتزلة تعتمد علي العقل في المسائل الكلامية. وأضاف د. محمد الطاهر الميساوي الأستاذ بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا أن خريطة الفكر الإسلامي من عبر التاريخ في مختلف مجالاتها زاخرة بأسماء و علماء و مفكرين أعلام كان لجهودهم أثر بعيد في صياغة مناهجه وقضاياه و إسهام كثير في بلورة مفاهيمه وآرائه، فكان لهم بذلك نصيب غير قليل في تحديد وجهته الكلية و تغيير مساره العام علي نحو لا يكاد يختلف حوله مخالفوهم ومناوئوهم بل موافقوهم و مؤيدوهم. و أعرب د. الطاهر من خلال بحثه الذي ناقشه أثناء الجلسة ، والذي جاء فيه" أن لجهود الإمام الأشعري في تأسيس الحوار مع الآخر تأصيل مناهج النقد و التقويم عن رغبته في تصويب النظر إلي ما وصل إلينا من أعمال الشيخ الأشعري لاستجلاء إسهامه في مجال تأسيس قواعد الحوار مع المخالف وإرساء منهج المراجعة و النقد و التقويم بحثاً عن أرض مشتركة من التفاهم يمكن غيرها تجاوز حالات التوتر الحاد و الاستقطاب المتنافي إلي حالة من التفارق و التسالم الإيجابي. و من جانبه أكد د. عبد الرحمن محمد المراكبي أن بحثه المعنون ب ( التوازن الفكري عند الإمام الأشعري ) توصل إلي أن الإمام الأشعري كان يجادل و يناظر و يدافع عن المذهب بالحجة و المنطق ، حيث اعترته أزمة نفسية ألمت بعقله و فكره و وجدانه، و جعلته يعتكف في بيته و يقف وقفة متأنية مع ذاته و نفسه يراجع ما هو عليه و ما عليه المسلمون من حوله و هم يتصارعون بل و يتصادمون فيكفر بعضهم بعضاً و يستحل بضهم دماء بعض، و جاء الإسلام ليؤلف بينهم ويوثق أخوتهم و روابطهم، و يربأ بهم عن الخلاف و الجدل. و أضاف د. المراكبي أن مراحل نشأة الإمام الأشعري و حياته الفكرية، تبدأ من أسرته السنية التي لها في الإسلام سبق و قدم و في المسلمين قرر و مكانه، فجده الأعلى الصحابي الجليل أبو موسي الأشعري و والده إسماعيل ابن إسحاق شيخاً جليلاً محدثاً علي مذهب أهل السنة والجماعة. وتربي الأشعري في أحضان المعتزلة و الحنابلة و أخذ من فكرهم و علومهم، و هيئ فكره وعقله إلي أن يكون مناظراً و مجادلاً و مؤلفاً في فكر المعتزلة و مدافعاً عنه بالحجة و المنطق. و أشار إلي أن القرنين الثالث و الرابع الهجري كان أزهي عصور الأمة فكراً و علماً و كانا يموجان بالعلماء و المفكرين في كل علم و فن، إلا أنهما كان كثيرا الخلافات و الصراعات التي كانت تثور الصوفية و المعتزلة و بين المعتزلة و الجبرية، و بين الشيعة و السنة، و بين السنة و المرجئة و بين المرجئة و الخوارج و بين الخوارج و غيرهم من المسلمين و أنهم حلال الدم و المال، و الإمام الأشعري رأي أن الأمر لم يقف عند حد الاختلاف بل تطور إلي صراع و صدام. وفي مداخلته أكد الدكتور عبد الفتاح الشيخ عضو مجمع البحوث الإسلامية أنه لا ينبغي أن نرمي بعضنا البعض بالكفر لخلاف في منهج النصوص، أو في الرأي و التوجه، إن التفرقة بين السنة و الشيعة أو بين المعتزلة و الأشاعرة مقصود منها قتال بعضنا بعضاً، و أن نعقل عما يحدث ضد الإسلام في كل مكان، و لذلك علينا أن نقلل من حدة الخلاف المذهبي بيننا و من جانبه شدد الدكتور محمد سليم العوا المفكر الإسلامي و الأمين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي ضرورة عدم تكفير أحد من أهل القبلة باختلاف، أو بأننا نراه أنه مخطئ وأننا علي صواب . و أشار العوا إلي أن التعصب ليس من الفضيلة و المتعصب لا يكون وسطياً ولا منصفاً .. مطالباً شيخ الأزهر د. أحمد الطيب و مسئولي الأزهر بالعمل علي إعادة الأزهر إلي سابق عهده العالمي .. لافتاً إلي أن ذلك يتطلب الإخلاص في العمل والصدق في النية.