■ فى رحلة لم تستغرق أكثر من أربعة أيام إلى السودان ، اكتشفت خلالها أن قرار الرئيس السابق جمال عبد الناصر بفصل مصر عن السودان بعد أن استمر هذا الاندماج لسنوات عديدة وبعد أن كان يحكمها من قبل محمد على باشا ومن جاءوا بعده من ملوك مصر ، كان قرار غير صائب وغير مدروس ، ليس فقط لإكتشاف البترول فى الجنوب والشمال السودانى خلال الأربع سنوات السابقة ، إضافة إلى الغاز الطبيعى فى الأونة الاخيرة ، ولكن لتلك المساحات الشاسعة والتى تمتد لاَلاف الكيلو مترات من الأراضى الزراعية شديدة الخصوبة والمراعى الممتدة على جانبى النيل العظيم ( نهر النيل ) والذى يعتبر شريان الحياة الرئيسى على طول الوادى شمالاً وجنوباً وما يتبع ذلك من إنتشار للثروة الحيوانية والمزارع وإمكانية إقامة المشروعات والمصانع التى تعتمد على الزراعة بشكل لا يكفى فقط لتغطية الاحتياجات الغذائية لمصر والسودان ، ولكن قد يكفى لأكثر من ثلث سكان العالم كله ، وعلى الرغم من كل هذه الإمكانات الطبيعية الهائلة والكثافة السكانية لدولة السودان والتى تصل إلى حوالى 40 مليون نسمة ، يعمل منهم أكثر من 10 ملايين نسمة خارج دولة السودان ، معظمهم فى دول الخليج ومصر بخلاف المنتشرين فى دول العالم الأخرى وخاصة أمريكا وكندا ، وإذا كانت دولة السودان تمر بمراحل متوالية من المشاكل بين الجنوب والشمال والتلويح الدائم فى الإعلام الأمريكى المأجور بعدم الأمان ، والحرب الاهلية الدائرة هناك ، إلا أننا لم نلاحظ أى شئ وإن اتفاق السلام الذى توصل إليه اطراف الشمال والجنوب منذ 5 سنوات قد مضى بالفعل على أكثر من 90% فى حدة التوتر ، واصبح البلد بالكامل ينعم بالهدوء ، وهذا الاتفاق يعكس فطنة هذا الشعب الذى توصل لحل سلمى يضمن للجميع حياة كريمة مستقرة من الاَن بعد أن اكتشفت أمريكا البترول فى الأراضى السودانية ، وعدم الإقدام على إستخراجه ، منذ الإكتشاف كان للسودان رأى أخر ولجأت للصين لمساعدتها على إستخراج البترول لرفع المعاناة عن شعبها بدلاًَ من التحكم الأمريكى ، إلا أن الأمريكان لم يتوقعوا ردة الفعل هذه وكان السيناريو المتوقع لديهم هو انتظارهم حتى لو طال الإنتظار ، ووقتها ايقن الأمريكان الخطر من التواجد الصينى وبدأوا كالعادة فى إثارة الشكوك حول الأمان فى السودان وإشعال نار الفتنة فى محاولة منهم لقيام حرب أهلية ، ليظهر دورهم فى السيناريو ودخول القوات الأمريكية تحت مظلة مجلس الأمن لتضع يدها على الجنوب السودانى ومصدر الطاقة ، ولكن هذا لم يتحقق حتى الأن وإن شاء الله لن يتحقق ونرجع إلى السودان الدولة والتحديات التى تقوم بها حاليا والبنية التحتية التى تسعى إلى تحقيقها والسعى على قدم وساق حاليا للارتقاء ورفع المعاناة عن أهلها ورؤوس الأموال الطائلة التى تتدفق على السودان من جميع دول العالم ، بالتأكيد فيما عدا أمريكا وحلفاءها الذين يلعبون الدور بجدارة لمساندة الجانب الأمريكى ، فى تعطيل تلك الطفرة ولكن الحكومة والشعب فى السودان لديهم إصرار على عبور تلك الأزمة والجميع يسعى لبناء بلد بمعنى الكلمة ونجد أنفسنا أمام بلد جديد (سودان جديد) يمر بنفس المراحل التى مرت بها دول الخليج فى بداية الثمانينات ولكن بدون الدعم الامريكى .. وإذا كانت السودان فى الماضى تابعة للدولة المصرية بإعتبارها امتداداً طبيعياً لها ، فهى الأن مفتوحة أمام المصريين ومازالت لديها الولاء لمصر والمصريين بدليل التسهيلات الممنوحة للمصريين هناك ، فالمصرى له 4 مزايا تقول الحكومة السودانية بالنص على لسان وزير الاستثمار ورئيس الحكومة فلا توجد تأشيرة دخول ، لا توجد فترة محددة للإقامة ولا توجد قيود على إنشاء الشركات والمشروعات بمفردة بدون الإلتزام بشريك سودانى ، حرية التملك 100% لأى مشروعات أو أراض ، هذا بخلاف معاملة المصريين فى السودان نفس معاملة أهل البلد حتى فى رأسمال الشركات التى يتم تأسيسها وبالإضافة أيضا لعامل اللغة الواحدة والدور الاَن ليس فقط للحكومة ولكن للشعب للبحث عن فرص استثمارية فى بلد هى امتداد لبلده ، وأصبح الاَن لديه الموارد التى تضمن له مستقبلاً أفضل والسودان بخلاف مساحتها ومواردها إلى جانب أنها تعتبر البوابة الرئيسية لخمس دول أفريقية أخرى فى الجنوب ليس لديهم ميناء أو منفذ إلا فى البوابة السودانية فالمجال مفتوح فى دول تحتاج إلى كل شئ من البداية ، وقد يكون هذا التكامل بمثابة طوق النجاة للسودان للخروج من العزلة والحذر المفروض عليها من أمريكا وفى نفس الوقت قد يكون المخرج لنا من البطء الذى نمر به خلال المرحلة الحالية ويضمن لنا مستقبلاً أفضل لأبناء وادى النيل شمال وجنوب الوادى .