القرار الذى اتخذته المحكمة الدستورية العليا بشأن تعيين المرأة فى مناصب القضاء بمجلس الدولة، لم يضف جديدا إلى الوضع الذى كان قائما قبل أن تبادر الدولة بالطلب الذى تقدم به الدكتور نظيف رئيس الوزراء للفصل فيما توهمته الحكومة من التباس فى تفسير بعض مواد القانون المتعلقة باختصاصات المجلس. عادت المشكلة إلى نقطة الصفر فيما يتعلق باختصاصات التعيين بصفة عامة وتعيين المرأة بصفة خاصة. وبدا وكأن الحكومة أرادت أن تبرهن على انتصارها فى معركة محسومة سلفا على ما سماه البعض الاتجاهات الذكورية فى مؤسسة قضائية مهمة مثل مجلس الدولة.. باعتباره آخر المعاقل التى تقتحمها المرأة فى مسيرتها نحو مناصب الدولة العليا. وطبقا للقرار الذى أصدرته المحكمة الدستورية، فلم يكن هناك فى الأصل خلاف على أن كلمة «مصرى» فى القانون تعنى الرجل والمرأة على حد سواء. كما أنه لا خلاف على أن المجلس الخاص بمجلس الدولة هو المنوط به تعيين الأعضاء الجدد. واتضح أنه لم يكن هناك خلاف بين المجلس الخاص والجمعية العمومية على إرجاء إجراءات تعيين المرأة إلى حين تهيئة الأجواء المناسبة ولمزيد من البحث والدراسة. وبعبارة أخرى فإن كل ما أكده قرار المحكمة الدستورية هو أن الجمعية العمومية ليست هى جهة الاختصاص. وفى الوقت نفسه فقد ترك للمجلس الخاص حقه فى اتخاذ ما يراه من قرار فى هذا الشأن. الموضوع كله إذن كان زوبعة فى فنجان. ولن تجدى فى تمكين المرأة من حقوقها ضغوط مصطنعة، وافتعال معارك ليس لها ما يبررها. وقد بدت الحكومة فى هذه المسألة مدفوعة لافتعال صدام بين مؤسستين قضائيتين دون مبرر. والواقع أن المسألة لم تعد فى حصول المرأة على مزيد من الحقوق والامتيازات، بل فى قدرتها على إثبات وجودها والدفاع بنفسها عن هذه الحقوق، دون حاجة إلى الاختفاء وراء سلطة عليا فى النظام أو الاحتماء بنفوذها. لقد قطعت الدولة شوطا بعيدا فى تعديل القوانين والتشريعات التى تضمن للمرأة كثيرا من حقوقها التى حرمت منها. ولكن يبقى أن تناضل المرأة بنفسها وبما تملكه من ذكاء وطموح وقدرة على المنافسة لبلوغ ما عجزت عن بلوغه حتى الآن. وقد كنت ومازلت شخصيا من المعارضين لتخصيص «كوتة» للمرأة فى البرلمان، تحصل عليها دون أدنى جهد، إلا بقدر قربها وانصياعها لأصحاب النفوذ فى الحزب الحاكم، أو فى غيره، وليس عن طريق أصوات الناخبين. وكان الأجدر أن يكون «التمييز» لها عن طريق نظام القائمة النسبية الذى يحدد لها مكانا على قائمة المنافسة بين المرشحين. ويتحتم عليها فى هذه الحالة أن تخوض المعارك الانتخابية وسط الجماهير وتثبت قدرتها على الدفاع عن مصالحها. إن نظام «الكوتة» فى مجلس الشعب يقدم لها مكانا على طبق من فضة، أى بدون جهد أو كفاح أو خوض لمعارك انتخابية كالتى يخوضها الرجل. وصاحب الكلمة الأخيرة فى هذا هو حزب الأغلبية الذى يتحكم فى كل شىء!! من الواضح أن المرأة فى مصر بحاجة إلى من يقف بجانبها. وليس من يقف وراءها أو أمامها. فهؤلاء هم المنتفعون بها ومنها!.