رئيس مجلس الدولة يعتمد الحركة القضائية للقضاء الإداري    جامعة الجلالة تحصل على الاعتماد الدولي IERS لبرنامج تكنولوجيا العلاج التنفسي    رسميًا .. رئيس مجلس الدولة يعتمد الحركة القضائية لمحكمة القضاء الإداري    "مصر للتأمين": تعويضات تصل إلى 30 جنيهًا لكل ألف كتكوت نافق -تفاصيل    خبير آثار يشيد برؤية الحكومة فى مساهمة السفارات للترويج السياحي    قطع المياه عن مركزي مغاغة والعدوة 12 ساعة مساء الثلاثاء للصيانة    مساعد وزيرة التخطيط: الزراعة أولوية قصوى بجميع خطط الدولة بدءًا من التنمية المستدامة ورؤية 2030    وزير الاتصالات يشارك في جلسة حول الذكاء الاصطناعي بنيويورك    وزيرة التنمية المحلية تلتقي بنقيب أطباء أسنان القاهرة    رئيس «اقتصادية قناة السويس» يلتقي وفدا من الشركات التركية    خارجية لبنان تنفي إخلاء مقرها بسبب العدوان الإسرائيلي    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة    خوفًا من الاختراق.. إيران تحظر أجهزة اتصال بعد تفجيرات لبنان    جهاز الزمالك يفكر في إجراء تعديلًا على دفاع الفريق بالسوبر الأفريقي    برشلونة يشخص إصابة تير شتيجن    العين الإماراتي: الأهلي صاحب تاريخ عريق لكن لا يوجد مستحيل    مصرع طفلة وشاب داخل مصنع ومسكن بالشرقية    بعد التصالح.. تنازل أسرتي ضحايا حادث دهس الفنان عباس أبو الحسن عن القضية    السجن 15 عامًا لعاطل قتل أجنبي في الإسكندرية    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب داخل شقة سكنية في الوراق    مهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما يكرم الفنان التونسي "منير العرقي"    "سيني جونة لدعم إنتاج الأفلام" يعلن عن المشروعات المشاركة في الدورة السابعة لمهرجان الجونة    رانيا فريد شوقي: "لا أنوي الاعتزال.. وقلقانة على الفنانين الشباب".. فيديو    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    تطعيم طلاب مدارس الشرقية ضد مرض الإلتهاب السحائي والثنائي    وزير الصحة: النزلات المعوية بأسوان سببها عدوى بكتيرية إشريكية قولونية    وزير الأوقاف: أسعى جدياً لإعادة قانون تجريم تصدر غير المختصين للفتوى    هالاند يفلت من العقوبة بعد قمة أرسنال    رحلة منتدى شباب العالم.. من شرم الشيخ إلى منابر الأمم المتحدة|صور    محمد صلاح يتواجد في التشكيل المثالي للجولة الخامسة في الدوري الإنجليزي    في يومها العالمي.. لغة الإشارة ليست مجرد ترجمة للحديث المنطوق    وزير المالية: فخورون بما حققناه جميعًا.. حتى أصبح البنك الآسيوي أسرع نموًا    «أبو الغيط» يلتقي وزير العلاقات الخارجية في بنما    قطع أثرية مقلدة.. رحلة مباحث القاهرة للإيقاع بعصابة المشاغبين الستة    حبس سيدة بتهمة سرقة رواد البنوك بزعم مساعدتهم    استقالة موظفى حملة المرشح الجمهورى لمنصب حاكم نورث كارولينا    حكومة غزة: جيش الاحتلال ارتكب مجزرتين في مدرستين بمخيمي النصيرات والشاطئ    بيراميدز يكشف حجم إصابة محمد حمدي ومدة غيابه    تعيين وكلاء ورؤساء أقسام جدد بكليات جامعة بنها    إعلام إسرائيلي: حزب الله قد يضرب أهدافنا في تل أبيب.. ومستعدون للرد    شيماء منصور تقدم المؤتمر الصحفى لمهرجان القاهرة الدولى للمونودراما ال 7    الجيش الإسرائيلي: ضرب أكثر من 300 هدف لحزب الله في لبنان حتى الآن    الرئيس السيسي يهنىء قادة السعودية بذكرى اليوم الوطني    رابط نتيجة تقليل الاغتراب للمرحلة الثالثة 2024 والدبلومات الفنية فور إعلانها على الموقع الرسمي    محافظ المنوفية: مبنى التأمين الصحي الجديد أسهم في تخفيف الزحام والتكدس وصرف الأدوية    جامعة القاهرة تعلن برنامج ال100 يوم للقوافل التنموية التي تشارك بها في مبادرة «بداية»    منظمة خريجي الأزهر تناقش مكانة المرأة في الإسلام بورشة عمل للطلاب الوافدين    طلائع كفر الشيخ ضمن معسكر «حياة كريمة» بمركز التعليم المدني في دمياط الجديدة    ضبط تشكيل عصابي نصب على المواطنين في القاهرة    مواعيد وقنوات عرض مسلسل تيتا زوزو الحلقة 3.. خلال ساعات    تشييع جنازة اللواء رؤوف السيد بمسجد الثورة بعد صلاة العصر    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    شعبة الأدوية توضح كيفية تحصل الأدوية الناقصة في السوق    ماذا قال محمد صلاح لأحمد فتحي بعد اعتزاله كرة القدم ؟    إصابة فى مقتل    تفاصيل عزاء نجل إسماعيل الليثي.. نجوم الفن الشعبي في مقدمة الحضور (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-9-2024    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يقبض على السفير الإسرائيلي ..؟!- علاء الأسواني – صحيفة الشروق
نشر في مصر الجديدة يوم 02 - 02 - 2010

حدث ذلك في الساعات الأولى من صباح يوم 17 نوفمبر عام 2004 .. كان العسكري المجند عامر أبو بكر عامر واقفا في نوبة حراسته الليلية في مدينة رفح المصرية . ومعه زميلان مجندان هما على صبحي النجار ومحمد عبد الفتاح ..كان البرد شديدا والوقت يمر ببطء .. في أي موضوع كان المجندون الثلاثة يتحدثون ..؟! هل كانوا متعبين وجائعين يتوقون الى نهاية نوبة الحراسة ليتناولوا طعاما ساخنا ويخلدوا الى نوم عميق ؟!..لقد كانوا في بداية العشرينيات من أعمارهم فهل كانوا يحلمون بنهاية فترة التجنيد ليبدءوا حياتهم فيلتحقون بعمل ويتزوجون ويكونون أسرهم ؟!..هل كان أحدهم يحكي بحماس لزميليه عن خطيبته التى يحبها ؟!. كل ذلك لا نعرفه لكن الذي نعرفه أنهم في حوالي الساعة الثالثة صباحا لمحوا دبابة إسرائيلية من نوع " ميركافا" قادمة نحوهم ، ظلت الدبابة الإسرائيلية تقترب حتى أصبحت على بعد عشرين مترا من الجنود المصريين ثم أطلقت فجأة دانة مدفع أتبعتها بنيران كثيفة مزقت جسد على صبحي النجار وجسد محمد عبد الفتاح فماتا على الفور ، أما عامر أبو بكر فقد أصيب بجراح بالغة أدت بعد ذلك الى وفاته في المستشفى . .
وهكذا استشهد ثلاثة شبان مصريون يؤدون الخدمة العسكرية ، لم يرتكبوا جرما ولا مخالفة ولم يؤذوا أحدا ولم يضايقوا الإسرائيليين في أي شيء . لكن الجيش الإسرائيلي قتلهم بدم بارد وبطريقة وحشية جعلت من الصعوبة التعرف على ملامح وجوههم أثناء دفنهم ... ماذا فعلت الحكومة المصرية عندما علمت بالمذبحة ..؟ . قدمت احتجاجا شديدا لإسرائيل واعتبرت مقتلهم تصرفا غير مسئول ( لاحظ رقة التعبير ) ..وسارع أرييل شارون ، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ، بالاتصال بالرئيس مبارك وأبلغه اعتذاره عن الحادث.
كم تبدو كلمة الاعتذار هنا شاذة وضئيلة. الانسان يعتذر عادة اذا وصل متأخرا عن الموعد أو دهس قدم جاره بدون قصد في زحام المترو ، أما أن يقتل ثلاثة من البشر الأبرياء بهذه الطريقة البشعة ، فان الاكتفاء بالاعتذار يعد في حد ذاته إهانة ويعكس استهانة بالغة بكرامة الضحايا وقيمة الحياة الإنسانية . .. لقد وعدت السلطات الإسرائيلية بإجراء تحقيق عاجل في الجريمة وبعد مرور ستة أعوام كاملة لم تعلن إسرائيل نتيجة التحقيق ولعلها لم تقم بإجرائه أساسا . .. وللأسف فقد نست الحكومة المصرية الشهداء الثلاثة تماما وحدثت بعد ذلك عشرات اللقاءات بين المسئولين المصريين والإسرائيليين فلم يسأل مسئول مصري واحد عن نتيجة التحقيق مع قتلة الجنود المصريين .. على أن أهل الشهيد عامر أبو بكر عامر أقاموا دعوى قضائية ضد سفير إسرائيل في القاهرة باعتباره ممثلا لحكومة إسرائيل .. وظلت القضية متداولة في المحاكم المصرية حتى صدر مؤخرا الحكم النهائي في القضية . ..حيثيات الحكم قطعة من الأدب القانوني الرفيع ، تتضح من خلالها كافة الأبعاد القانونية والدولية للجريمة وفي النهاية يقضى الحكم بتعويض أسرة الشهيد عامر أبو بكر عامر بمبلغ 10 ملايين دولار تكون الحكومة الإسرائيلية ملزمة بدفعه عن طريق سفيرها في القاهرة .
هذا الحكم التاريخي يؤكد بضع حقائق مهمة :
أولا : قدمت المحكمة الأدلة القاطعة على أن قتل الجنود المصريين بهذه الطريقة البشعة لم يكن من قبيل الخطأ أو الصدفة ، وانما هو جريمة قتل عمد مكتملة الأركان ، واستندت المحكمة الى تقارير المراقبة الدولية المحايدة لتثبت أن الجنود الإسرائيليين القتلة كانوا واقعين تحت تأثير هوس ديني يدفعهم الى كراهية المصريين والسعى الى قتلهم بدون تمييز .
ثانيا : أكدت المحكمة أن أموال إسرائيل كلها لن تعوض والد الشهيد عامر ووالدته عن ابنهما الذي فقداه ، لكنها حددت التعويض بمبلغ 10 ملايين دولار لأنه ذات المبلغ الذي قضت به المحاكم الأوروبية كتعويض لضحايا لوكربي الذين سقطت بهم الطائرة في اسكتلندا وقد تم إجبار الحكومة الليبية على دفع هذا المبلغ لأسرة كل ضحية في لوكيربي ..إن إصرار القاضي المصري على أن يحصل أهل الشهيد المصري على نفس تعويض لوكيربي ، يؤسس لمبدأ إنساني راق ونبيل ،فالعدالة لا تتحقق إلا بالمساواة في الحقوق كما أن قيمة النفس الإنسانية يجب أن تكون واحدة دائما . فالأم المصرية التى فقدت ابنها المجند تحس بذات الألم الذي تشعر به الأم الغربية التى فقدت ابنها في لوكيربي .وبالتالي فهي تستحق ذات التعويض ...
ثالثا : الحكم نهائي وواجب النفاذ وقد مضت على صدوره أربعة شهور و لا يمكن للسفير الإسرائيلي أن يحتمي بحصانته الدبلوماسية في هذه القضية .. فقد أثبتت المحكمة في بحثها القانوني أن الحصانة القضائية التى يتمتع بها السفير الإسرائيلي لا تشمل هذه القضية .. إذ تستثنى من الحصانة كل القضايا التى لا تتعارض مع وظيفته الدبلوماسية ولا تعوقه عن أداء عمله .. السفير الإسرائيلي ، طبقا للقوانين المصرية و الدولية ، ملزم بتنفيذ الحكم واذا امتنع عن التنفيذ فانه يواجه عقوبات قانونية رادعة يجب تطبيقها عليه فورا .. ..
رابعا : إن تجاهل هذا الحكم في وسائل الإعلام والدوائر الحكومية الغربية يبين مرة أخرى مدى ازداوجية المعايير والنفاق في السياسة الغربية تجاه إسرائيل ... لقد اتخذت الدول الغربية كلها موقفا قويا موحدا في قضية لوكيربي وضغطت بشدة على ليبيا حتى أجبرتها على دفع تعويضات للضحايا و قال المسئولون الغربيون آنذاك كلاما كبيرا وجميلا عن الشرعية الدولية وسيادة القانون وحقوق الانسان .. لكن ضحايا لوكيربي كانوا غربيين أما الضحايا هذه المجزرة فهم مصريون والذي نفذ المذبحة جنود من الجيش الإسرائيلي .. من هنا لاذ المسئولون الغربيون بالصمت التام .
خامسا: يكشف هذا الحكم المواقف المتناقضة المتهافتة للنظام المصري . ففي الصراعات الصغيرة ( ضد قطر أو قناة الجزيرة ) وفي الصراعات التى توافق الهوى الأمريكي ( ضد إيران وحزب الله وحماس ) .. يرتدى وزير الخارجية أبو الغيط ثوب الأسد الهصور ويهاجم الجميع ويهدد بكسر الأقدام والأعناق ويجلجل صوته متحدثا عن السيادة الوطنية والقانون الدولي .. هذه المرة فلم نسمع صوت أبي الغيط ولا حتى همساته ، لأن الحكم صدر ضد إسرائيل التى يفعل النظام المصري كل ما يستطيع لارضائها : بدءا من صفقات الغاز والأسمنت الى إطلاق الجاسوس عزام وحتى إغلاق معبر رفح لتجويع مليون ونصف مليون فلسطيني .. والغرض من إرضاء إسرائيل أن يتحرك اللوبي الصهيوني فيضغط على الإدارة الأمريكية من أجل قبول توريث الحكم من الرئيس مبارك الى ابنه السيد جمال ( الذي ينتظر دوره الآن في حكم مصر وكأنها مزرعة دواجن أو عزبة سيرثها عن أبيه ).
خامسا : يبدأ هذا الحكم صفحة جديدة من الصراع العربي الإسرائيلي إذ يؤسس لمعركة قضائية ممكنة ومشروعة ضد جرائم إسرائيل .استنادا لهذا الحكم سيكون بمقدور أهالي الشهيدين الآخرين الحصول على ذات التعويض وكذلك أهالي كل المصريين الذين قتلتهم إسرائيل على الحدود. .أما أهالي الضحايا الذين سقطوا في المذابح الإسرائيلية الكثيرة بدءا من بحر البقر وحتى قانا وغزة ، فسيكون بإمكانهم ملاحقة إسرائيل في المحافل القانونية الدولية .. إن واجبنا جميعا أن نضغط من أجل تنفيذ هذا الحكم ضد السفير الإسرائيلي وإلا فان عليه تحمل التبعات القانونية لامتناعه عن التنفيذ .
أخيرا ... لا يجوز أبدا أن نشكر القاضي على حكم أصدره ، لأن من يملك الشكر يملك اللوم واستقلال القاضي يربأ به عن المدح والذم معا ، لا سلطان على القاضي إلا من القانون وضميره . هذه التقاليد القضائية العريقة ترسخت دائما في أذهان المصريين حتى أنهم اذا صدر الحكم لصالحهم لا يشكرون القاضي أبدا وانما يرددون الهتاف الشهير "يحيا العدل". نحن ، اذن ، لا نشكر القضاة الذين أصدروا هذا الحكم وانما نجد من واجبنا أن نذكر أسماءهم التى ستظل مصر كلها ترددها الى الأبد ، جيلا بعد جيل ، لأنهم سجلوا صفحة ناصعة في تاريخ القانون والإنسانية ..
.. صدر هذا الحكم في الدائرة 4 تعويضات من محكمة استئناف القاهرة .الدائرة برئاسة المستشار أحمد البرديسي وعضوية المستشارين حمدي غانم وأحمد سليمان وحضور أمين السر سعيد زهير .
أيها القضاة الشرفاء العظام .. يحيا العدل ...الديمقراطية هي الحل ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.