لم أجرب للحظة أن أكتب مقالاً أو سطراً بطريقة عفوية غير قصدية لا أخضع عقلي فيه لعمليات التأويل والتصنيف والتحليل لا سيما حينما أتيقن من أن القارئ سيقرأه ولو قراءة عابرة خاطفة دونما تركيز أو استقراء لكنه الكلمات والعبارات الواردة به ، لكن هذه الساعات المدهشة والفريدة التي تطل على البلاد والعباد تجبرني أن أكتب بغير تفكير وأن أسطر حروفاً بغير تركيز ، وأقسم ثم أقسم ثم أقسم بالله الواحد القهار ذي العزة الجبار أنني أكتب مقترناً بلحظة البكاء ليس حزناً فقط على صلف جماعة تجر البلاد إلى هاوية ولكن بكاء مصحوباً بالفرحة أيضاً على شعب كنت أظنه أنه استأنس جماعة تحكم بلاده وتستبيح تاريخه بغير عناء أو وجه حق . الأول من يوليو هو يوم الشعب ، هذا الشعب العظيم الذي قال عنه كاتب مصر العظيم توفيق الحكيم مقولته الشهيرة " أمة أتت في فجر الإنسانية بمعجزة الأهرام لن تعجز عن الإتيان بمعجزة أخرى أو معجزات ، لقد صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش إلى الأبد ". هذا الوطن الفريد والعجيب والمثير بتاريخه وحضارته وشعبه وقيمه يصعب مراسه وتطويعه ولي ذراعه بتيارات وأفكار تسعى إلى إجهاض تنويره واستنارته . كيف يظهر المؤيدون لرئيس الصناديق الانتخابية الفائز وهم يعلنون نصرة الشريعة والجهاد ضد الليبراليين الكفرة والمدنيين الفجرة والعلمانيين السحرة رغم أنهم في زمرة وحضن وحرمة الإسلام الحنيف الجميل الرقيق وفي الوقت نفسه يظهر الرجل الذي يؤيدونه معلناً ضرورة الحوار والتوافق والمشاركة مع أولئك السحرة الكفرة الفجرة؟ أي فصام في الفكر والتصرف ذلك تعاني منه فصائل الإسلام السياسي التي فشلت سياسياً وسقطت دينياً بفضل تصرفاتها منذ الثلاثين من يونيو. خرجت مع الثائرين والغاضبين من أهل بلدتي المنيا تحديداً في ميدان بالاس المطل على كورنيش النيل العظيم الذي ربما ستضيع مياهه بسبب قصور تفكير القائمين على إدارة ملف النيل في حكومة الدكتور هشام قنديل الغائبة الحاضرة في كل مشاهد مصر الداخلية والخارجية . خرجت وأنا أعلم أن مصر ليست عزبة ولن تصير وليست وسية لجماعة أو جمعية أو فرقة أو تنظيم سري لا يجيد العمل إلا تحت الأرض ، هكذا كان خروج المصريين العظيم وهم يعلنون أن تظاهراتهم سلمية لكني فوجئت بأسلحة بيضاء وبخرطوش وببنادق آلية وكأن أولئك الخائفين لأنهم يحملون السلاح يحاربون عدواً خارجياً.. عاشت مصر التي تلفظ كل خبيث ، عاشت مصر التي تأبى أن يُذبح تاريخها ومستقبلها ، عاشت مصر الجميلة التي ترفض الاتقطاب والاستبعاد والمغالبة ، مصر التي باستطاعتها أن تأكل وتبلع وتهضم كل شئ إلا ( الأونطة ) ، فكيف يستطيع فصيل أن يتاجر بالدين ويستبيح الدم والعرض والنفس .. ظل الرئيس ، غادر الرئيس ، أمر لا يعني للوطن شيئاً ، إنما الوطن باقٍ .. انتهى الدرس.. الدكتور بليغ حمدي إسماعيل