لن أناقش قيمة وجدوي ما أطلق عليه الاعلان الدستوري الذي بدا وكأنه إعلان بالحرب أومحاولة جادة للإنتحار,فلقد خضع ذلك الإعلان للشد والجذب وتقطيع الهدوم وقلة القيمة التي تكفي لإشباع فضول كل مهتم وغير مهتم.. إن المتأمل في المشهد الحالي, علي الأقل حتي كتابة هذه السطور, يبدوفي جزء منه وكأنه مباراة في الخطابة بين مرسي والزند.. أما الباقون فهم بين مصفق ومهلل ومزغرد.. وكأن مصر تبدع كعادتها وتخترع نظرية جديدة في علاقة السياسة بالبلاغة.. والفوز لمن كان لسانه أشد سلاطة.. بادئ ذي بدء هناك مجموعة من المسلمات التي لا يجوز ان نتغافل عنها وهي: .1 أن الرئيس محمد مرسي هو رئيس منتخب بأغلبية من أصوات الشعب المصري مهما كان رأينا في هذه الأغلبية أو كيفية حصوله عليها, إلا أن مقتضي شرعيته مرتبط بمدي إلتزامه بواجباته التي تنص عليها الوثيقة المنشئة لسلطته وهي تلك التي أقسم علي احترامها. .2 أن مقام الرئاسة- بغض النظر عن شاغله- يجب أن نعامله بالتوقير والاحترام اللازم, لأنه الموقع الذي سيشغله دائما من ترضاه أغلبية المصريين كي يقود سفينة الوطن, وأي تجريح أو تشويه لهذا المقام يرتد علينا جميعا.. ركاب هذه السفينة. .3 أن الإخوان المسلمين فصيل سياسي وطني أصيل مهما غلف خطابه بشعارات دينية, ناضل لسنوات طويلة وبتضحيات جسام من أجل الوصول للسلطة كي يحقق أهدافا يسعي اليها, إلا أن مقتضي شرعية هذا الفصيل يرتبط ارتباطا لا انفصام فيه بمدي إلتزامه بقواعد اللعبة السياسية وقبوله بحقيقة أنه لا يحتكر الفضاء السياسي وحده. .4 أن منازعة الحكم الشرعي لا ينبغي أن تتجاوز ميدان المبارزة السلمية بالحجج والآراء سعيا لإكتساب التأييد الشعبي في صناديق الانتخاب, ولا يجوز ممارسة الضغط بوسائل قانونية أو شعبوية لمجرد ابتزاز سلطة الحكم أو محاولة اغتصاب القرار. ومن ناحية أخري, هناك مجموعة أخري من الحقائق التي لا يمكن إنكارها وهي: .1 أنه في شتاء1933 نجح حزب ناشئ في المانيا في أن يصل إلي سدة الحكم بأغلبية بسيطة تحت قيادة هتلر.. وفي منتصف نفس العام تم حظر العديد من الصحف والأحزاب, وتم اطلاق الجستابو ومليشيات تنكل بالمعارضين.. وكان الشعب يهتف بإنفعال واعجاب بجرأة الفوهرر وقراراته الثورية.. ولم تمض بضعة أعوام حتي دمر هتلر أجزاء واسعة من العالم, وأصبحت المانيا كومة من تراب مقسمة بين المنتصرين... قراءة التاريخ موحية, ومن لا يتعلم من دروسه فهو ملعون بتكرار نفس الأخطاء... .2 أن القدرة علي الحشد والتعبئة حتي للصبية والبلطجية أصبحت معيارا للنجاح والتأييد.. وأن هناك توجها خطيرا لدفع الناس للإقتتال, ودفع لمليشيات وقيادات ميدانية لحرب الشوارع يبدو أنه كان يتم إعدادها منذ سنوات.. مع حملة تشويه لأسماء ورموز بما يجعلها عرضة لمخاطر عديدة.. حتي أولئك الذين ظننا فيهم العقل والحكمة نزعوا اقنعتهم وابرزوا أنيابهم.. بل إن بعض غلاة المتشيعين للإخوان, أصبحوا مثل الدراويش في حلقات الذكر, يرددون كلمات بلا فهم, الي درجة التشنج والصراخ, وهم يتبعون الولي أو شيخ الطريقة. 3. إذا كان مبارك قد ظن بإمكانية أن يورث الحكم لإبنه, فأن بعض الاخوان يظنون انهم ورثوا مصر وشعبها, ويظن بعضهم الآخر أن الديمقراطية وكل أدواتها بما في ذلك الدستور ليس إلا سيارة مضطرين لركوبها بعض الطريق حتي تحين فرصة التخلص منها في أقرب فرصة, بينما لا يزال يعيش جزء منهم في وهم أنهم منحة إلهية لشعب مصر, وأن لديهم تفويض إلهي بالحكم.. ويبدو أن بعض مستشاري الرئيس من عشيرته الأقربين ينتمون الي هذا الجزء الاخير... .4 أن المشكلة ليست في الديموقراطية, كما يظن البعض أو من يحاول التعمية علي الحقائق.. فيمكن ان تكون لديك أفضل سيارة وأحدث موديل ولكن يتولي قيادتها سائق جاهل أو أرعن, يلبس في الحيط.. المشكلة ليست في السيارة.. وإنما في السائق وربما بعض الركاب... كوميديا سوداء من الأخطاء تتوالي فصولها بغير رحمة, ويكفي النظر الي ثلاثة مبان متلاصقة في وسط البلد شهدت مشاهد مضحكة مبكية, وأعني مبني نادي القضاة الملاصق لمبني نقابة الصحفيين الملاصق بدوره لمبني نقابة المحامين, حيث تصاعدت الهتافات والانفعالات ووصل الامر في بعضها الي حد التشابك بالأيدي, وفي المساء يتابع شعب مصر الصبور صراع ديكة السياسة والقانون علي مساحة واسعة من حفنة فضائيات تضيف للمشهد المزيد من الإثارة والحيرة. وبدلا من ان يبذل الربان جهده للملاحة الماهرة بسفينة الوطن كي يمخر بسلام عباب الأمواج المتلاطمة, فانه يندفع بها في اتجاه صخرة قد تحطمها, وبدلا من أن تمارس السياسة علي الارض بين الجماهير ومن خلال وسائل سلمية تسعي إلي الوفاق واستطلاع أرضية مشتركة, اصبح الحشد والجعجعة والطنطنة ادوات الديموقراطية المصرية الوليد, واخشي ان السحر قد ينقلب علي السحرة, حين يفيض بالناس فيهدمون المعبد عليهم وعلي انفسهم, وحينها قد يندم كبيرهم الذي علمهم السحر.. المزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق