قطر تلك الإمارة الصغيرة الواقعة علي الخليج العربي،ذات التأثير الكبير علي كل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، قطر الإمارة التي أصبحت هي الأغنى في العالم استطاعت استخدام سلاح المال لتصنع لنفسها دورا ربما يكون أكبر من حجمها الطبيعي، وبعد أن أصبح لتلك الإمارة دور في كل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط أصبح بالطبع كل ما يدور بقطر يشغل بال العالم كله، صحف العالم تتكلم عن نقل السلطة للأمير تميم، لوبان الفرنسية وديلي جراف وإيكونوميست البريطانيتين، ناهيك عن تقارير السي أن أن العربية وبي بي سي العربية أيضا. بينما تصمت قناة الجزيرة التي تنقل دبة النملة في الشرق الأوسط والعالم، ولصمت الجزيرة معني واحد وحيد وهو أن ما تقوله هذه الصحف هو حقيقة. يبدو أن الأمير “تميم” أصبح هو الحاكم الفعلي لإمارة قطر ولم يتبقي سوي الإعلان الرسمي عن ذلك، انتشرت الشائعات بشأن ذلك على مدار عدة شهور. إلا أنه وخلال الأسابيع القليلة الماضية، جرى الاتصال بشكل سري مع عدد من الدبلوماسيين ورجال الأعمال لتنبيههم إلى أن البلاد على مشارف مرحلة من التغيير في قيادتها. بيد أنه ما من أحد يعلم متى وكيف سيحدث ذلك التغيير. أما الذين حددوا له ميعادا تقريبيا، فلم يكن ذلك إلا تكهنا منهم. ومع انتشار الشائعات في العاصمة القطرية الدوحة، تفترض النخبة الحاكمة في قطر أن يشهد الشارع القطري صمتا مدروسا ولكن كان لرجال الإعلام والصحافة القدرة علي اختراق أسوار القصر الاميري المحصنة وحصلوا علي معلومات غاية في الأهمية. لن يكون من العدل أن يُنظر إلى تميم على أنه حديث عهد بالشؤون الدولية، حيث إن أمامه بعض القضايا المعقدة التي عليه أن يواجهها دون أن يلقى دعما من والده، أو أن تسانده جهود خالد العطية، وزير الدولة النشيط لشؤون قطر الخارجية، ولكن الأمير الجديد ينوي علي التخلص من الحرس القطري القديم وعلي رأسهم رئيس الوزراء حمد بن جاسم أل ثان، ويقال أن رئيس الوزراء ينوي تقديم استقالته قبل الإعلان الرسمي عن تولي الأمير تميم أي قبل تنحي الأمير الأب ، لتنتهي حقبه سياسية قطرية صنعت فيها السياسة الخارجية لقطر أعداء لها وأصبحت قطر الدولة الأكثر كراهية في ليبيا وتونس ومصر، حتي أن بعض المراقبون يقولون أن كراهية شعوب البلاد الثلاث لقطر فاقت كراهيتهم للدولة العبرية. ففي ميدان التحرير، أحرق المصريون العلم القطري، بينما قام الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف بالإشارة في عروضه عدة مرات إلى التدخل القطري في شؤون مصر السياسية والمالية. كما تعاني قناة الجزيرة القطرية من ذلك أيضا، حيث خسرت ما يقرب من خمسة ملايين من مشاهديها، حيث يوجه إليها الانتقاد بالتحيز والافتقار إلى الحياد التحريري، كما تواجه انتقادات بأنها أصبحت صوتا للحكومة القطرية بدلا من كونها منظمة إخبارية مستقلة. إلا أن سوريا تعد التحدي الأكبر أمام القطريين، أذ كانوا يعتقدون أن نظام بشار الأسد في سوريا سينهار أمام الضغط الدولي وإمداد قوات المعارضة بالسلاح، الا أن الحرب الآن بدت تتحرك في صالح نظام الأسد. فإذا ما كان النصر حليفا لقوات الأسد، فإن التبعات على قطر ستكون مدمرة، وخاصة أن هذه الأخيرة قدمت دعمها للمعارضة على مدار عامين كاملين، وأنفقت ثلاثة مليارات دولار على الأسلحة والدعم الإنساني. كما أن وضع قطر وتأثيرها في المنطقة سينحسر بقوة إذا ما منيت المعارضة السورية التي كانت تدعمها علانية بالهزيمة. القلاقل التي سببتها سياسة الأمير الأب ورئيس وزراءة ووزير خارجتية حمد بن جاسم لم تسبب فقط كراهية الشعوب لقطر في شمال أفريقيا، بل تنظر المنطقة -التي كانت يوما ما منفتحة على قطر- إلى نواياها اليوم بعين التشكك والتخوف وحتى بكراهية. ففي منطقة الخليج، أصبحت البحرين والإمارات أكثر ارتيابا حيال قطر وحلفائها ومبادراتها في السياسة الخارجية.. إذ بدت علامات الاستياء على الإمارات وتحديدا بعد تنامي العلاقة بين قطر والإخوان المسلمين، وهو ما دفعها للعمل على إضعاف تأثير قطر في كل خطوة تتخذها. وفي الوقت نفسه، لا تزال علاقات قطر بالغرب تحمل مزيجا من التفاعل والاضطراب. حيث إن قطر في حاجة إلى الدعم العسكري والتعاون الاستخباري الغربي، وخاصة فيما يتعلق بالأزمة في سوريا. إلا أن سُحُب عدم الثقة التي نشأت من تفسيرات الغربيين للنوايا القطرية إضافة إلى علاقاتها مع المتطرفين الإسلاميين في ليبيا وسوريا وعلاقاتها بحماس أيضا، كل ذلك يعد مصدر قلق لواشنطن وحلفائها. ويشك قليلون في أن العائلة الحاكمة في قطر ستبقى قريبة من القوى الغربية، خاصة وأنها تسعى للحفاظ على بقائها في مواجهة إيران، إلا أن قطر لن تكون حليفا مهادنا بشكل دائم كما يريد الغرب، كما أن الغرب لن يشعر بارتياح إزاء العلاقات التي تربط بينها وبين الإسلاميين. كما أن الغرب ينظر لقطر بعين الشك إذ إنها تنادي بالتغيير في دول منطقة الشرق الأوسط دون أن تقوم هي نفسها بإحداث تغييرات ديمقراطية في سياستها الداخلية، والاعتماد علي العامل الاقتصادي لإلهاء الشعب القطري، مما يسبب حرجا كبيرا للسياسيين الغربيين أمام شعوبهم حول علاقة بلادهم الديمقراطية بقطر. وسيظهر الوقت ما إذا كان الأمير أو ولي عهده سيقرران الدفع في اتجاه تغيير تعددي، إلا أن من شأن ذلك أن يساعد بأي حال الأمير الشاب في المحافظة على التطلعات القطرية في المنطقة، ويحسن مظهره بين أوساط الشباب العربي الذي يطالب بالإصلاح وذلك إذا ما جرى تطبيق تلك العملية بطريقة فعالة. وبغض النظر عن التوقيت الذي سيتولى فيه مقاليد الحكم في قطر، فإن تميم سيظل مرتبطا بالإرث الذي خلفه له والده. فمع كونه شابا متشبعا بقيم العمل الجاد والعقل المنفتح لن يكون من شأنه أن ينهج نهجا بعيدا عن نهج والده. وتشير التقارير أن الأمير الشاب سوف تتغير سياسته ولكن تدريجيا، ويعتقد الكثيرين أنه صاحب فكر إصلاحي غربي ومتأثر جدا بالثقافة الغربية، كما يعتقد البعض أن نهاية التحالف بين قطر والتيار الإسلامي ستكون بتوليه الحكم، فالأمير الشاب لا يثق في الإخوان ولا يحب السلفيين ولا يثق في منظمة حماس وقيادتها، ولكنه سيدعم القضية الفلسطينية من خلال الجناح الليبرالي المتمثل في حركة فتح .