إن موقف تيار الإسلام السياسي من فكرة الوطنية المصرية وضعها في موقف عداء، بتفاوتات محسوبة، مع نظم الحكم المتوالية من جهة، ومع الحركات الوطنية بأشكالها المختلفة الليبرالية والاشتراكية من جهة أخرى. لكن عداءها الأكبر كان وما يزال مع المشروع الناصري لأنه الأوضح ميلاً إلى بناء دولة قومية عربية تضم وترعى وتقوم على سواعد الشعب العربي الذي يشترك في اللغة والثقافة والعادات والتقاليد والتاريخ والجغرافيا، في حين تنشد تلك التيارات دولة الخلافة القائمة على وحدة الدين الإسلامي فقط، فالمسلم الماليزي أو الباكستاني أقرب إليهم من المسيحي المصري الذي نشأ وتربى وتعلم وحارب من أجل الوطن، وقد قال ذلك صراحة المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ مهدي عاكف. إن عداءهم للمشروع القومي الناصري لم يخففه انحياز جمال عبد الناصر الواضح والمبدئي للفقراء والمعدمين من الفلاحين والعمال- وقد جاء الإسلام في الأصل لنصرتهم وانتزاع حقوقهم وحريتهم-، ولم يخففه كذلك محاولاته لإحداث نهضة شاملة في مصر، صناعية وزراعية وتعليمية وصحية وعسكرية، ولا نصرته للشعوب المقهورة والمحتلة حول العالم، ومعظمهم من المسلمين، فيما عرف بحركة التحرر الوطني.. إلخ. بل إنهم أصدروا فتاوى تحريم قانون الإصلاح الزراعي، وتحالفوا مع الشيوعيين للوقوف ضد تنفيذه، كل على أرضيته الفكرية، وأنشأوا التنظيمات السرية والفرق المسلحة، ووصل الأمر إلى محاولة اغتيال عبد الناصر نفسه مرتين عامي 1954 و1964.