ألغت تشريعية مجلس الشوري الحظر الوارد علي استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات السياسية، في خطوة استبشرت بها الأحزاب ذات المرجعيات الدينية، واستهجنتها التيارات السياسية المدنية، فهل كان هذا التعديل القانوني بالإلغاء معبراً عن رغبة السلطة القائمة وجناحها الحاكم، أمْ كانَ معبراً عن إرادة شعب يتوق إلي الحرية في كل صورها؟.. لا شك لدي المعهد أن هذا الحظر-حينما كان قائما- وإن بدا في صورة القيد المناقض لحقوق الإنسان من الناحية الظاهرية والنظرية فقط، إلا أنه كان قيدا ضروريا للحفاظ علي النسيج الوطني والتفاعل الإيجابي بين المواطنين واختلافهم في برامج سياسية وحزبية تثري الحياة الوطنية، غير أن إلغاء هذا الحظر وفي هذا التوقيت قد يؤطر لفلسفة جديدة في النظم الحاكمة للحياة السياسية المصرية قوامها تقسيم المجتمع إلي فئتين أو طائفتين علي أساس الدين، وهو ما لا يحتاجه المجتمع المصري في الوقت الحالي علي الأقل. إن معهد القانون للتدريب والدراسات القانونية يعرب عن شديد قلقه من هذا التعديل التشريعي الذي أقرته اللجنة التشريعية بمجلس الشوري يعد ترجمة حقيقية لرغبة الأغلبية المسيطرة علي المجلس في تنفيذ أجندتها الخاصة ومصالحها في التميكن لتياراتها الأيدولوجية، وليس ترجمة لنبض الشارع ولا للنظام السياسي الجديد الذي دشنه الدستور علي أسس من المواطنة والمساواة وعدم التمييز. ويري المعهد بداية أن مجلس الشوري-الذي يتولي السلطة التشريعية بشكل مؤقت وعارض وحلاً لأزمات سياسية- لم يكن مؤهلا للقيام بهذا الدور، بل ولم يتم انتخابه في الأساس للقيام بهذا الدور الحيوي والخطير في تلك المرحلة الفاصلة من عمر الوطن، وذلك ليس انتقاصا من قدر أعضاؤه وقيمتهم، ولكن ترجمة لمبدأ سيادة الشعب، فالشعب الذي انتخب هؤلاء الأعضاء انتخبهم وفق السلطات التي كان منصوصا عليها في الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2013 ولم ينتخبهم للقيام بالتشريع. ومن ثم ونظرا لمجريات الأمور فإن قيام مجلس الشوري بهذه الوظيفة يعد استثناء من الأصل العام، والاستثناء لا يمكن التوسع فيه ولا القياس عليه. وبالتالي يري المعهد أن الوظيفة التشريعية لهذا المجلس يجب أن تحدد بحدودها القانونية والدستورية وحالة الضرورة التي ألجأت مؤسسة الرئاسة إلي منح مجلس الشوري هذه الوظيفة، ومن ثم فيجب أن يلتزم المجلس بتشريعات الضرورة وفقط ولا يتجاوزها إلي تشريعات أخري تمس بنية النظام وتركيبته وتغير عقيدة المواطنة والمساواة بين المواطنين وإلا كان ما يتجاوز ذلك من التشريعات معيبا بعد الدستورية ومشوبا بالتعسف في استخدام السلطة لحساب تيار أو فصيل من فصائل الوطن دون آخر وهو ما يخالف قاعدة المساواة وتكافؤ الفرص وكلتاهما قاعدة دستورية محلية ودولية. إن معهد القانون يطالب تشريعية الشوري بضرورة إعادة النظر في هذا التعديل التشريعي الذي يلغي حظر استخدام الشعارات الدينية خاصة لعدم توائمها واتساقها مع مجتمع ما يزال يحبو في أولي أبجديات الديمقراطية وما زال يتعلم الهجاء في مدرسة الحرية وحقوق الإنسان، كما يناشد المجلس ألا يتجاوز حدود وظيفته الاستثنائية حفاظا علي الوطن من الجدل القانوني العقيم الذي يزيد الوطن انقسام ويزيد الاحتقان السياسي حدة.