مسلمى الإيغور لم تمر أيام على المظاهرات التى نظمها المسلمون فى الصين من إثنية الإيغور، وراح ضحيتها منهم عشرات القتلى ومئات الجرحى، حتى أعلنت الحكومة الصينية تورط تنظيم القاعدة فى هذه الأحداث، ودعمه لمنظمى المظاهرات الاحتجاجية، وسعيه لكسب نفوذ بالتواجد على أراضيها، سواء من خلال عناصره أو من خلال المتواطئين معه داخل إقليم شيانج يانج مسرح الأحداث. يأتى هذا التفسير للمظاهرات الاحتجاجية وكأنه تبرير لقتل المسلمين المتظاهرين، فيما عرف فى أكثر من مكان شهد أحداثا مماثلة ب"القتل بالهوية"، فى الدول التى شهدت صراعا إثنيا أو حروبا أهلية وكان من أشهرها لبنان. وربما جاء هذا الاتهام الجاهز لامتصاص غضب المجتمع الدولى ومنظمات المجتمع المدني، قبل أن تبدى اعتراضها واستياءها مما يحدث هناك، وهو ما حدث بالفعل حيث أعلنت عدة منظمات بل وأحزاب سياسية فى الصين نفسها تنتمى إلى اليسار، عن غضبها ورفضها واعتراضها على قمع الإيجورو بالرصاص الحي. وبرغم أن أحداث العنف والشغب هدأتْ نسبيا فى تلك المنطقة، خصوصا بعد أن قطع الرئيس الصينى مشاركته فى قمة الثمانى بإيطاليا وعاد إلى بلاده، إلا أن مؤشرات كثيرة تؤكد أن الأحداث لن تتوقف ومن الممكن أن تتصاعد بسرعة، لاسيما بعد أن دخل "الهان"، الذين يمثلون أغلبية عرقية فى الصين عموما، إلى هذه الأحداث بتنظيم مظاهرات موازية لمظاهرات الإيجورو فى إقليم شينج يانج موقع الأحداث، لتصبح المواجهات قابلة للتطور بعد أن كانت منحصرة بين الإيجورو والشرطة الصينية لتصبح بين الإيجورو والهان، مما يهدد بحرب أهلية من الصعب توقع مداها أو مدى الخسارة التى يمكن أن تسببها فى الأرواح والموارد. إعلان الحكومة الصينية أن تنظيم القاعدة ضالع فى هذه الأحداث، له أكثر من مبرر وإن لم تكن عليه دلائل واضحة، ومن بين أهم النقاط التى يمكن أن تكون الحكومة الصينية قد استندت عليها لإطلاق هذا الاتهام، أن التنظيم ناشط فى هذا المحيط عموما. فإقيم شينج يانج به أغلبية مسلمة من عرق الإيجورو، ويقع على أطراف الصين، أى أنه فى منطقة غير مركزية ومن السهل اختراقها من الخارج، وهو قريب من دول آسيا الوسطى مثل أفغانستانوباكستان وكازخستان وأزربيجان. وجميعها دول نشط فيها التنظيم بشكل أو بآخر، وشهدت السنوات الأخيرة تقلصا متطردا لوجوده خاصة فى أفغانستان ومؤخرا فى باكستان، بسبب ما عرف بالحرب على الإرهاب، وسعى الحكومة الأمريكية مدعومة بالأمم المتحدة والمجتمع الدولى الى تصفية هذا التنظيم تماما. وأصبح من المنطقى أن يبحث له عن بؤر جديدة يتواجد فيها سواء بشكل معلن أو سري. ومن المعروف أن الصين والهند دولتان بهما كثافة سكانية مرتفعة ونسبة المسلمين فيهما كبيرة، وإن كان عدد المسلمين فى الصين وفقا لأعلى التقديرات لا يتعدى 30 مليونًا، وهى نسبة لا تذكر مقارنة بمجموع عدد السكان الذى يصل إلى مليار و300 مليون، فإن عددهم فى الهند يصل إلى 100 مليون ويشكلون نحو 10% من مجموع نسبة السكان. إلا أن اختيار إقليم على أطراف الصين للبدء منه فى صنع منطقة تمركز جديدة، يكون أفضل من اختيار بؤر تعانى من أزمات طائفية و أحداث عنف عرقية ودينية بشكل مستمر فى الهند. ومع ذلك، ونظرا لعدم إظهار الحكومة الصينية أدلة واضحة، أو مباشرة، على ضلوع تنظيم القاعدة فى الأحداث تلك التى يشهدها الإقليم، سيظل الأمر مجرد تخمينات ورغبة فى احتواء المسألة داخليا وتبرير العنف والقتل، وقمع الأصوات الانفصالية أوالمطالبة بحقوق المسلمين وبالعدل فى توزيع الوظائف وفرص العمل والثروة. وفى الوقت نفسه كسب التعاطف الدولى تجاه العنف الذى يجرى هناك، فالصين كدولة اقتصادية كبرى عندما تدخل ضمن محور الخير، وتشارك فى المعركة الدولية ضد الإرهاب، لا شك ستحظى بتعاطف كبير من المجتمع الدولي، بالإضافة إلى مكاسب ضخمة يمكن أن تحصدها من وراء المشاركة فى تلك الحرب التى يراها البعض فى الغرب "حرب مقدسة". ومن ثم لن يحاسبها أحد على من تقتلهم هناك. كما أن إثنية "الهان" التى تشكل الأغلبية الصينية، سيكون أمامها فرصة تاريخية لتصفية الإيجورو جسديا دون أن يتعرضوا للحساب أو العقاب. وتدريجيا سيختفى تماما السبب الأساسى لاندلاع المظاهرات، وهو عدم تحقيق العدل والمساواة فى فرص العمل والفرص الاقتصادية بين الإثنيتين اللتين تشكلان أغلبية سكان الإقليم، لصالح استحواذ الهان على الموارد الاقتصادية والفرص الكبيرة فى مقابل حرمان الإيجورو المسلمين من تلك الفرص، برغم أن الإقليم بكامله كان ملكهم تماما فى وقت ما، يستمتعون بثرواته ويحظون بفرص عمل جيدة إلى أن دخل الهان الإقليم، وبدأوا يسعون الى السيطرة على الثروة فيه. مما يعنى أن تلك التهمة التى توجهها الحكومة الصينية الى مسلمى الإقليم، يمكن أن تصب فى صالح الأغلبية العرقية المتمثلة فى الهان والسماح لها بالسيطرة على كامل ثروات الإقليم.