المتأمل للواقع المصرى قبل الثورة وبعدها يتبين له أننا نعانى من أزمة عقل قبل أن تكون أزمة وضع، ولعل الأحداث الماضية ومحنة الدستور المعاصرة خير دليل على ما أزعم، حيث أصيبت مصر بحالة من الانفصام يقودها نخبة أطلقوا على أنفسهم جبهة "الإنقاذ"، فبدلاً من أن يحققوا التوافق المجتمعى أو يقربوا وجهات النظر أو يدعوا ذويهم إلى التحلى بالقيم النبيلة والمبادئ الديمقراطية التى يتشدقون بها، لكى يسمو المجتمع ويعلو شأنه، إلا ونراهم أشعلوا نيران الفتنة ودفعوا نحو الوقيعة بافتعال خلافات وهمية وحروب مصطنعة. هذه الحالة من الوهن التى أصابت كيان الأمة ومقدراتها، وهوة الشقاق التى اتسعت بين أبنائها، تدعونا إلى تكوين جبهة مشتركة هدفها دراسة فكر هؤلاء المتربصين الذين يسعون لتفريق أهل مصر إلى شيعاً وفرقاً متناحرة، فهذه البجاحة والعنجهية الفارغة التى نراها فى رفضهم لكل الحلول لنتجاوز أزمة الجمعية التأسيسية والدستور، جعلتهم يتناسون حجمهم الحقيقى، ويتصورون أن لهم حق الفيتو على قرارات الرئيس، فضلاً عن أنها نصبت نفسها بالتحدث باسم جموع الشعب!! فتلك الفئة حقاً لا ترفض الدستور بقدر ما تسعى إليه بقوة وهو إفراغ الدولة من مؤسساتها الدستورية لأحداث إرباك سياسى، حتى تضع كل أعبائها على شخص الرئيس ومن ثم تسعى لإسقاطه، لتعاود الكرة من جديد حتى تنجح – هى - فيما فشلت فيه. ليس هذا مجال للدفاع عن الدستور أو مناقشة مواده أو الشبهات المثارة حوله، ولكن يكفى ما قاله الدكتور سعد الدين إبراهيم إن الدستور فى جملته "ممتاز" رغم ذلك سيرفضه لبعض التحفظات!! ولعل من نافلة القول، أقول إن الدستور عمل بشرى يحتمل النقصان ويمكن تعديله، فليست نصوصه قرآناً منزهة عن التحريف، بل قابل للتطوير والتعديل سواء بالزيادة أو النقص كما نصت المادة (217) على كيفية التعديل، وبالمختصر المفيد فإن "الموافقة على الدستور" تعنى أن الدولة ستعيد استكمال مؤسساتها وهو السبيل الوحيد نحو الاستقرار لتعديل الوضع الاقتصادى المتردى. ورب حال أفصح من مقال، ليس هناك مجتمع يخلو من الأخطاء، ولكن يجب أن يمتلك آليات التصحيح، وما يعنينا الآن هو ضرورة الوعى وتصويب المسار وتطهير الإعلام، لآن المستقبل ملىء بالعثرات والمشاكل ولن نستطيع السير؛ إلا إذا رتب العقل أوراقه وتزود بحب الوطن ولفظ أعداءه، وبغير هذا فلا نلوم إلا أنفسنا، وعلينا أن ندع الصندوق يقول كلمته فهو المرجعية والحكم، وأن نقدم نموذجاً حضارياً أمام العالم، فالطريق وعر وطويل، والحمل ثقيل ومصر غالية تستحق منا التضحية، وأعتقد أن الشعب سيركل كل من عرقل سعادته إلى مزبلة التاريخ قريباً، وإلى كل من وصلت إليه حصة "الزيت والسكر" أن يدعو "ربنا يجعله عامر يا جناب المرشد". [email protected]