هل أنت مشغول بالاهتمام عن جماعة الإخوان المسلمين وغزواتها منذ المعارك الانتخابية حتى الفتح التأسيسي للدستور أم أنك غير مبال بجماعة بدأت سنواتها الأولى في طور التكوين الديني والدعوي وانتهت إلى سدة الحكم والملك الذي يبدو عضوضاً بعض الشئ؟. بالتأكيد لو كنت غير مبال بالجماعة فإنك مضطر هذه الأيام ان تكون شديد الاكتراث بجماعة الإخوان المسلمين في مصر لأنها وهي تسعى لأخونة الوطن تعبث به وتعتبره بحق عزبة شخصية لها ، ويكفيك حجم ودلالة التصريحات السياسية التي تصدر عن قيادتها والمرتبطة بالشأن الداخلي بغير انتباه أو التفات لأية فصائل سياسية أخرى. وإذا كنت من الذين لا يعبأون بمصير مصر ومستقبلها فإنك مضطر الآن أن تدرك الإجابة عن سؤال حائر وهو لماذا تفشل مصر رغم ثورتها الناجعة والناجحة بعض الشئ؟.الإجابة باختصار شديد غير ممل أننا بإرادة شعبية غير منطقية قدمنا الوطن هدية لفصيل سياسي بات محظوراً لعقود طويلة يتصرف في شأننا وحياتنا بغير صفة رسمية أو وثيقة اتفاق معلنة غير سرية . إذا أردت أن تتعرف على بعض ملامح حصرية لفشل جماعة الإخوان المسلمين في مصر فلا تبحث عن المساجلات الطريفة التي جرت في ثناء جلسات مجلش الشعب المنحل حينما أذيعت على شاشات الفضائيات التي تبدو هي الأخرى فارغة من المضمون ، ولا تبحث عن هذه الملامح أيضاً من خلال انتفاء وجود مشروع للنهضة كما ادعت الجماعة منذ ترشح المهندس خيرت الشاطر لانتخابات الرئاسة ثم أزيح عن السباق ليحل محله الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي . وأيضاً لا تبحث عن تلك الملامح والمظاهر في تصريحات بعض قيادات وزعامات الفصيل الإخواني بشأن خطة الأيام المائة لاسيما وأنهم سيؤكدون لك أن الخطة لم تنجح فحسب في المحاور الخمسة المحددة من قبل السيد رئيس الجمهورية بل أضيفت إليها محاور أخرى أكثر نجاحاً ونجاعة أيضاً كمحور الديموقراطية وتطهير الإعلام والطفرة التنموية التي حدثت بالتعليم. فمثل هذه التصريحات تشبه مداخلات نواب الجماعة وقت كانوا في البرلمان المنحل الذي يبدو أن لعنة الدكتور أحمد فتحي سرور قد أصابته وأنه وحده الذي يمتلك في درج مكتبه الكتالوج السري الشخصي لتشغيل البرلمان بغير توقف أو تردد باعتباره أن صاحب براءة اختراع الشفرة الكودية لمجلس الشعب ونوابه أيضاً. لكن معرفة فشل الجماعة يتبين من خلال الأحداث التي بدأت يوم جمعة الحساب وهي المليونية التي دعت إليها بعض الأحزاب والحركات السياسية والائتلافات الثورية التي لا تهدأ أبدأ بشأن محاسبة السيد الرئيس على وعوده التي أطلقها وأعلن إصراره على تحقيقها والمتعلقة بالطاقة والأمن والنظافة والخبز . هذا الفشل هو ما يتعلق بخروج ميليشيات شبابية تنتمي للجماعة في مواجهة مباشرة لتلك التيارات والحركات السياسية المناوئة لها ، وسواء أن هذه الميليشيات والسلاسل البشرية من الشباب خرجت بأمر الجماعة أو بإيعاز من أحد قياداتها أم خرجوا من أنفسهم بغير ضابط أو توجيه وهذا في حد ذاته مأساة تعاني منها مصر الآن ، فإن حوادث جمعة الحساب الدموية تتعلق بأيادي الجماعة التي خرج أبناؤها وشبابها للتصدي للصناع الحقيقيين للثورة المصرية البيضاء ، لاسيما وأن شباب الجماعة لم يدخلوا اختبار الدور الأول للثورة بل دخلوا الدور الثاني مع الراسبين والمتأخرين والمتقاعسين وأرباب حزب الكنبة الصامتة. وكم هو غريب أن تصر الجماعة رغم سنوات حظرها ومنعها وقمعها سياسياً أن تفكر بنفس الطريقة التقليدية التي التصقت بها تاريخيا وهي طريقة التصفية المباشرة للخصوم والأعداء السياسيين ، هذا بالفعل حدث معي شخصياً بجامعة المنيا حينما هددني مؤخراً أحد الأساتذة بخروج جيش من شباب الإخوان أمامي بشأن ما أكتبه عن الجماعة ولا أفطن حتى الآن حقيقة كلمة جيش التي قالها . ومليونية كشف الحساب التي نظمها الشعب كشفت عن الوجه الآخر للجماعة الذي أعرفه بحكم صلتي الضاربة في القدم بقياداتها ورموزها بصفة استثنائية ، لكن هؤلاء الذين هرولوا نحوها وتحولوا أيديولوجيا بعد تولي الرئيس مرسي سدة الحكم لم يكونوا يفطنوا لحقيقة هذا الوجه الخفي إما لأن الجماعة باتت لعقود بعيدة محظورة ورهن المنع والاحتجاب عن الحياة السياسية ، أو لأنهم بالفعل لم يهتموا بأمر الجماعة سوى ظهورها النسبي في مجالس الشعب المنصرمة ، ولكن مسألة مهاجمة شباب الجماعة لبعض الرموز الوطنية ولصناع الثورة الأصليين تبقى شوكة في ظهر الرئيس مرسي لأنه معني بالتحقيق في هذا الخروج وذلك التجاوز في حق ديموقراطية التظاهر. وبات من الأحرى أن يواجه القضاء المصري العادل هؤلاء المتجاوزين للقواعد والضوابط الأمنية تماماً مثلما فعل مع من قام بحرق الأتوبيسات الخاصة بالجماعة ، وعلى الأمن المصري أن يدرك أن مصر في طريقها إلى مليونيات مستدامة ضد الجماعة وتوغلها غير المحمود في المؤسسات الحكومية والنظامية وأن هذا التوغل مفاده أخونة البلاد والعباد ، وأن المعركة السياسية قادمة لا محالة بين فريق منطقه المغالبة وفريق آخر يسعى إلى المشاركة ، وبينهما وطن كبير يعلم أن الثورة التي جاءته بغير ميعاد هي مخاض لم يحن إغواؤه بعد..