في منتصف أربعينياتها وفي لحظة ثورة التصق إسمها بالشباب، ترى العميدة الشابة دكتورة راندا أبو بكر أن وضع كلية الآداب بجامعة القاهرة لا يختلف عما يواجه المجتمع المصري بمجمله الآن. إنه وضع يتأرجح بين محاولات الإنقلاب أو الإلتفاف على الثورة. فبعد إجراء انتخابات تجاوزت فيها نسبة المشاركة 70 بالمائة من أعضاء هيئة التدريس، جاء قرار التجميد وبالتالي عدم اعتراف رئيس الجامعة بتلك الانتخابات في انتظار التوصل باللوائح الجديدة والتي يعكف المجلس الأعلى للجامعات على وضعها. ومع مطالبة أساتذة الجامعات بتطبيق نمط الانتخابات على كل المستويات الوظائفية والأكاديمية، يخطط "حماة البيروقراطية السياسية القديمة" على وضع أمر تعيين رؤساء الجامعات في يد الوزير المختص بعد إجراء انتخابات تدفع بثلاثة أسماء إلى مكتبه، حيث يختص الوزير وحده بقرار الإختيار بين هؤلاء، وهذا ما دفع بتسع مؤسسات أكاديمية للإنسحاب من جلسة مناقشة فكرة اللائحة الجديدة والإعلان عن الإضراب عن العمل منتصف الشهر القادم. في طريق الإستقلالية عن سلطة الدولة بدأت رندا أبو بكر صدامها مع الأوضاع المذرية للجامعة عام 2004، عندما قاومت مع مجموعة من زملاءها مشروعاً يربط بين أساتذة الجامعة وإحدى مؤسسات التمويل الدولية. وكان المشروع كما تحكي رندا واعداً، غير أنه شكلانيً. فبدلاً من أن يقدم حلولاً جذرية لأزمة فقر التعليم الجامعي، سعى إلى إضافة إكسسوار حداثي للمنظومة التعليمية دون الإهتمام بإصلاح مناطق العيوب الأصيلة فيها. من هنا بدأت أستاذة الأدب المقارن علاقتها بجماعة "9 مارس" الأكاديمية الداعية إلى استقلال الجامعة عن سلطة الدولة وخاصة عن أجهزتها الأمنية. فهذه الأخيرة هي المسؤولة حتى الآن عن التعيينات لكل المناصب في الجامعة بدءاً من منصب المعيد وصولاً إلى منصب رئيس الجامعة. وتتجلى سلطة تلك الأجهزة في جرأتها على إرغام كل أعضاء هيئة التدريس لملأ استمارة التتبع الأمني عند السفر في رحلة أكاديمية. وقد رفضت رندا هذا الإجراء وآمنت بعد معركتها الصغيرة حول الاستمارة الأمنية بأن العلاقة بين الجامعة والمجتمع والدولة تعاني من خلل كبير. تعيينات لم تفرق بين عمداء القرى وعمداء الكليات وتلاحظ الأستاذة المختصة في أدب المقاومة عبر اللغات أن الرئيس مبارك " تعامل مع الجامعة كما يتعامل مع القرى"،. فبدءاً من عام 1992 أصدر الرئيس المخلوع قرارا بتعيين رؤساء الجامعات والعمداء ورؤساء الأقسام على منوال قرار شبيه خاص بتعيين عمداء القرى. ولم تشهد جامعات مصر منذ ذلك التاريخ انتخابات على أي مستوى. وعندما قامت الثورة ومن خلال وقائعها في الأسبوع الثاني اجتمع بعض الأساتذة بمقر النادي النهري للجامعة ليتناقشون عن موقع الجامعة من أحداث التحرير. وجاء القرار بتشكيل لجنة لمراقبة إدارة الجامعة إنطلاقاً من مناخ الروح الثورية. ولم تكن الانتخابات هدفاً لكن مجموعات أخرى نشطة من الأساتذة طرحت فكرة الانتخابات الديمقراطية لعمادة الكلية. وقد تم عقد مؤتمرين لمناقشة قواعد الإنتخاب فتشكلت لجنة تنظيمية وقدم المرشحون برنامجا انتخابيا ملزما في حال فوزهم وبعد ذلك " أجريت الانتخابات بمشاركة واسعة، وكان كمال نجاح التجربة هو على ما يبدو ما أقلق من يمكن تسميتهم ببقايا النظام القديم". ومع التأكيد على الدور الرائد لكلية الآداب بالقاهرة والتي تضم 16 قسما تحذر الدكتورة راندا أنه " لو حدث الأمر في جامعة القاهرة التي تعتبر أم الجامعات المصرية فيعني هذا تكرار الأمر في كل جامعات مصر". رئيس الجامعة الحالي معين من قِبل النظام القديم، وقريب الصلة من دوائره العليا. ومع الإشارة الى قيامه بتنظيم حفل تقديم دكتورة فخرية لسوزان مبارك، تضيف رندا أن "الإنتخابات ستطاله عاجلاً أو آجلاً". لكن وزير التعليم العالي ومن خلفه المجلس العسكري يفهمون جيدا معنى "المرحلة الإنتقالية" التي تعمل مقاومة أي تغيير جذري في علاقات الإدارة والسلطة. فهم ينقلبون على من دخل الإنتخابات بالمواصفات التي ارتضاها الجميع كما ينقلبون على النتائج بعد أن لاحظوا عدم رضا الجهات العليا عنها، بل إنهم يقومون بجمع توقيعات لإعادة الإنتخاب ، كما تضيف المتحدثة. يتضمن برنامج راندا أبو بكر الانتخابي نقاطاً محددة حول استقلالية أقسام الكلية إدارياً ومالياً عن الكلية، كذلك سبل دعم النشر والبحث الأكاديمي واستعادة مكتبة الكلية لدورها في العملية التعليمية. وتؤكد راندا - التي أصدرت لها دار نشر ألمانية كتاب بالإنجليزية عن أدب المقاومة بين شعر محمود درويش والشاعر الجنوب أفريقي دنيس بروتس - عدم انتمائها سياسياً إلى أي من مجالات الاستقطاب العلماني أو الديني السائر حالياً. فهي تبدو أقرب لأكاديمية ليبرالية مستقلة. ولذا فهي لم تنزل الى ميدان التحرير إلا في الأسبوع الثاني عندما خفت حدة المواجهات العنيفة، لكنها تؤمن بالعمل الجماعي والاستقلال الأكاديمي كحفيدة مخلصة لتراث طه حسين وأحمد لطفي السيد في عمادة الكلية الشهيرة. و تدرك راندا أيضا رؤية منتقديها بكونها امرأة صغيرة السن حيث يأخذون عليها عدم خبرتها الإدارية، لكنها ترد قائلة:"لم تكن هناك إدارة في عصر مبارك، كان هناك منفذو إرادات أمنية وسياسية، ولو قدر الفشل لتجربتنا سنكون كسبنا لأول مرة ثقة الكادر الأكاديمي نفسه، خاصة وأن جامعات مصر كلها تستعد للإنتفاض على إدارتها التي تنتمي لعصر موظفي مبارك، نحن جزء من الثورة وبها وعليها يتحدد مصيرنا كما يتحدد مصير مصر". هاني درويش