قرابة عام لم تتسبب السيدة البسيطة بشرتها السمراء في أي مشكلة، تغدو إلى عملها كل صباح وتعود مساء لأخذ قسط من الراحة لكن تلك الأمسية كانت على موعد مع راحة أبدية. مع تردي الأوضاع في إثيوبيا، حضرت "نانا" إلى أرض المحروسة بحثا عن حياة جديدة بعيدة عن تردي الأوضاع المعيشية التي كانت تعاني منها. استقرت الثلاثينية في شقة مستأجرة بمنطقة أرض اللواء -التي يتمركز فيها عدد كبير من الجاليات الإفريقية- وسرعان ما حصلت على فرصة للعمل كخادمة لدى صاحب شركة مقابل 600 دولار شهريا. منذ 10 أشهر، انقطعت وحدة السيدة مع تردد صديقتها وزوجها عليها، وجدت في زيارتهما ضالتها لتشتم فيهما عبير بلدتها وترى في عيونهما ذكريات الأهل والعشيرة دون أن يدري بخلدها بما ستؤول إليه الأمور. بمرور الوقت، اعتاد الجيران على تردد عامل البوفيه وزوجته الخادمة على شقة صديقتهما الإثيوبية بل والمبيت أيضا، لاسيما تأكيدها على سعادتها كما لو أن الزوجين يشكلان أسرتها الصغيرة في غربتها. نهاية شهر سبتمبر الماضي، لاحظ قاطنو العقار اختفاء جارتهم الإفريقية وعزوفها عن الجلوس لبعض الوقت أمام العقار كما اعتادت تزامنا مع تغيب الزائرين المألوفين للجميع "صديقتها وزوجها". يوم تلو آخر دون جديد حتى حمل يوم الجمعة قبل الماضي الخبر اليقين. اشتم الجيران راحة كهريه مصدرها شقة الثلاثينية فأبلغوا شرطة النجدة التي أخطرت بدورها قسم شرطة العجوزة. دقائق معدودة وصلت قوة بقيادة الرائد أحمد عصام عبد الباقي رئيس نقطة أرض اللواء، تلاه توافد سيارات الشرطة يترجل منها ضباط مباحث مع منع حركة الدخول والخروج ليلعنها أحدهم "في جريمة قتل". عُثر على جثة صاحبة ال39 سنة في حالة تعفن أسفل سرير غرفة النوم ملفوفة داخل ملاءة وبطانية مع وجود بعثرة في محتويات الشقة دون ملاحظة كسر في منافذ الدخول ما يشير إلى أن الجاني دخل بطريقة شرعية. اختفاء هاتف المجني عليها وأموالها قاد رجال المباحث إلى أن السرقة هي الدافع الرئيسي لارتكاب الجريمة، خاصة توقيت الواقعة تزامنا مع موعد حصولها على راتبها الشهري. منذ إبلاغه بتفاصيل الواقعة، أيقن العقيد هاني شعراوي مفتش فرقة وسط الجيزة، أن الجاني ليس غريبا عن الضحية، موجها بفحص علاقاتها والمترددين عليها مع مراجعة كاميرات المراقبة المثبتة على المحال التجارية القريبة من العقار محل الجريمة. تحريات المباحث وأقوال الجيران عن اختفاء صديقة القتيلة وزوجها بالتزامن مع اكتشاف الجريمة اتجه بأصابع الاتهام إلى الزوجين الذين يحملان نفس الجنسية، وتم تحديد محل إقامتهما بحي دار السلام في القاهرة. بدت الصورة مكتملة مع تجمع خيوط القضية ليوجه العميد عمرو طلعت رئيس قطاع الشمال، بسرعة ضبط المتهمين، وإعادة المسروقات تنسيقا مع قطاع الأمن العام، وأمن القاهرة. وتمكن المقدم محمد أبو زيد وكيل فرقة الوسط، والنقيبين مصطفى عبد الستار، وأحمد فاروق معاوني مباحث العجوزة، من ضبط المتهمين وبحوزتهما هاتف الضحية ومبلغ 1850 جنيها. بعباء سوداء لم يختلف لونها عما استقر في وجدانها، وقفت صديقة الضحية تروي تفاصيل ما جرى للعميد عاصم أبو الخير مدير المباحث الجنائية بالجيزة، وإلى جوارها زوجها بدا متماسكا دون خوف من "طبلية عشماوي" التي باتت في انتظارهما. عن يوم الجريمة، قال عامل البوفيه إنه أثناء تواجده بشقة الضحية باغتتها وطعنها بسكين بجانبها، فأرداها قتيلة، ثم لفها بمساعدة زوجته بملاءة وبطانية ووضعاها أسفل سرير غرفة نومها واستوليا على 3 آلاف جنيه وهاتف محمول. وأجرى الزوجان معاينة تصويرية للجريمة وسط تواجد أمني بعد عرضهما على النيابة العامة التي أمرت بحبسهما تمهيدا لإحالتهما للمحاكمة.