تبحث أعينهم عن كتب بعينها، يختار أحدهم واحدا أعجبه غلافه، ويختار آخر ما راق له عنوانه، وتطلب أخرى من مشرفة المكتبة أن تختار لها كتابا، ثم يتخذ كل واحد منهم مكانه للقراءة.. مشهد ربما يكون اعتياديا داخل أي مكتبة، غير أنها هذه المرة كانت داخل منزل، قررت سيدته أن تفتح أبوابه لأطفال مركز ساقلته بمحافظة سوهاج، ليكون بديلا لهم عن مكتبات لم يروها، وموفرا لكتب لم تخدمهم الظروف أن يطالعوها. في طفولتها، تفتحت عينا هند عبد السلام على مكتبة داخل منزلها بالإسكندرية، قرأت بنهم كل ما فيها، ثم صارت لها بعد ذلك كتبها الخاصة، وشيئا فشيئا تحولت إلى "دودة قراية" كما تصف نفسها، ولم تنقطع قراءتها تحت أي ظرف، وحين انتقلت إلى محافظة سوهاج منذ 4 سنوات بعد الزواج، أزعجها أن ترى أطفالا لا يقرأون، فلا مكتبات هناك ولا اهتمام ملحوظ بتوفير كتب للأطفال، فقررت أن تجمع كل أطفال سكنها للقراءة عندها، في مكتبتها المؤلفة من 500 كتاب: "بدأت بالأطفال اللي عايشين في نفس البيت، وهما 6 أطفال وكانوا مبسوطين جدا، وبعد كده الفكرة كبرت" حين رأت هند السعادة التي غمرت الأطفال بالكتب، شجعها ذلك على توسيع فكرتها، فأخبرت أطفال بيتها بأن لهم الحق في دعوة أصدقائهم كذلك إلى المنزل، ويستطيعون قراءة ما يريدون، خلال يوم الجمعة، الذي تستضيفهم فيه: "ابتدى أطفال تانية تيجي، وأسرهم بتتواصل معايا، وبيفضلوا عندي فترة يقروا ويتبسطوا ويروحوا". 3 ساعات من كل جمعة، للأطفال أن يقرأوا فيها ما يرغبون، بعض هذا الوقت يخصص لمناقشة كتاب بعينه تحدده هند، ويذهب بعض الوقت في مشاهدة بعض الفيديوهات لتطوير لغتهم الإنجليزية، أو للتدريب على صناعة أشياء يدوية، "أنا لما كنت في الإسكندرية كان مكتبات وخدمات وأقدر أنزل أماكن اقرأ فيها زي ما أحب، هنا لا مفيش الكلام ده، فقلت أجرب أساعد". داخل المنزل عدد من القواعد: لا صخب ولا شقاوة، الالتزام بالقراءة والهدوء سيدا الموقف، والمشاريب والحلوى مجانًا، وهناك متسع للجميع للجلوس داخل غرفة المكتبة، ويحدث نقاش وأسئلة عامة وجوائز، على بساطتها إلا أن لها مردودا إيجابيا على الأطفال، وحين كانت هند تخشى زيادة العدد، شجعها زوجها على توسيع الفكرة وقدم لها الدعم، وتنوي شراء عدد من الكراسي في حال زيادة العدد أكثر من ذلك: "ولما بيكونوا قاعدين بيقروا أنا بعمل حاجات البيت، أو بشوف ورايا إيه، لإن عندي طفلين، لكن مشرفة عليهم طول الوقت". تعلمت الشابة خريجة كلية الحقوق والتي تدرس الآن علم النفس بجامعة سوهاج، صناعة بعض المواد يدويا، وهو ما تحاول تعليمه للأطفال الذين يحضرون إليها، ورغم أن فكرتها تلك لم تتجاوز بضعة أشهر بعد إلا أنها تتمنى لها نجاحا أكبر متمثلا في زوار أكثر للمكتبة: "لإنه مينفعش أطفال ميقروش كتب، ولا يبقى ليهم احتكاك بيها، اللي بنعمله معاهم وهما صغيرين هيفضل ملازمهم طول العمر". أسماء وآيات وفرحة وولاء وأحمد ويوسف ومؤمن وياسمين وعمر وآية ومنة.. بعض الأطفال الذين يحضرون أسبوعيا إلى منزل هند، وسعادتهم بالتجربة كبيرة. طلبت منهم هند ذات مرة كتابة شعورهم الشخصي بالتجربة فدونت أسماء "الحاجة اللي بنعملها دي كويسة، وبنستفاد منها ونتمنى كل شخص يعمل زي اللي بنعمله ويخلي كل الناس اللي حواليه يتعلموا". وكتبت ولاء: "رأيي أننا نستمتع، وكل كتاب بنقراه بنستفاد منه، و ياريت كل الناس تعمل كده". بينما كتبت آية: "لو كل الناس عندها مكتبات تفتحها لكل الأطفال هيبقى عندها معلومات كتير، وهنستفاد منها". وعبرت آية عن رأيها بعبارات: "نفهم ما تقوله لنا، سواء معلومات سهلة أو صعبة، وتسألنا في معلومات عامة حتى نكون قادرين على الجواب". وكانت تلك الكلمات دافعا لهند لاستكمال ما بدأت. الكتب التي لدى هند قديمة، كانت تملك بعضها، وأهدتها صديقة لها كتبا أخرى، وأهدتها والدة طفلة بعض الكتب التي لا تستخدمها، لكن الشابة لديها عجز كبير في كتب الأطفال، وأدوات تعليمهم كذلك، وتتمنى إذا كان البعض يملك كتبا للأطفال لا يحتاجها فيتبرع بها، أو حتى يشتري كتبا ويهديها لتكون ضمن الكتب المتاحة للأطفال: "هتكون الاستفادة أكبر وجذب الأطفال أشد".