عيار 21 الآن فى المملكة العربية السعودية وأسعار الذهب اليوم الاثنين 21 أكتوبر 2024    لمحدودي الدخل.. موعد شراء كراسات شقق الإسكان 2024 وخطوات التقديم (رابط مباشر)    ملخص مباراة برشلونة ضد إشبيلية 5-1 في الدوري الإسباني    13 غارة إسرائيلية تستهدف فروع جمعية "القرض الحسن" التابعة لحزب الله ببيروت    تحذيرات من جيش الاحتلال باستهداف بعض المناطق بلبنان    عضو بمفاوضات الجات: مصر تسعى للاستفادة من إصلاحات منظمة التجارة العالمية والبريكس    فلسطين.. الاحتلال يداهم بلدة إذنا وجبل الرحمة بمدينة الخليل    برشلونة يكتسح إشبيلية بخماسية ويبتعد بصدارة الليجا    المتحدث الرسمى لنادى الزمالك: أمين عمر اختيار غير موفق بالنسبة لنا فى النهائى    صراع متجدد بين جوميز وكولر.. «معركة جديد علي حلبة أبوظبي»    حبس المتهمين بإلقاء جثة طفل رضيع بجوار مدرسة في حلوان    الطقس اليوم الإثنين.. الأرصاد تحذر من 3 ظواهر جوية تؤثر على القاهرة والإسكندرية    البحوث الفلكية: عام 2024 شهد 3 مرات ظهور للقمر العملاق.. وقمر أكتوبر الأكبر والألمع    ضغوط العمل تؤثر على صحتك.. توقعات برج الجدي اليوم 21 أكتوبر 2024    دراما المتحدة تحصد جوائز رمضان للإبداع.. مسلسل الحشاشين الحصان الرابح.. وجودر يحصد أكثر من جائزة.. ولحظة غضب أفضل مسلسل 15 حلقة.. والحضور يقفون دقيقة حدادا على روح المنتجين الأربعة    مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية: مصر ستظل الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية    تامر عبد الحميد: مباراة الأهلى وسيراميكا بطابع أوروبى وبيراميدز استسهل لقاء الزمالك    طبيب الزمالك يكشف موقف عمر جابر ودونجا من نهائي السوبر.. وموعد عودة الونش    رسميا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 21 أكتوبر 2024    مستعمرون يحرقون غرفة سكنية في مسافر يطا جنوب الخليل    ملخص مباراة روما ضد إنتر ميلان في الدوري الإيطالي.. فيديو    ضبط المتهم بقتل شخص فى عين شمس.. اعرف التفاصيل    النيابة تصرح بدفن جثة طفل سقط من الطابق الثالث بعقار في منشأة القناطر    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكى بمحور الضبعة الصحراوى    التصريح بدفن جثة عاطل عثر عليه مشنوقًا داخل مسكنه بمدينة 6 أكتوبر    نجم الأهلي السابق: تغييرات كولر صنعت خلل كبير أمام سيراميكا.. وحكم الزمالك وبيراميدز «مهزوز»    مباراة الترسانة مع أسوان بدوري المحترفين.. الموعد والقنوات الناقلة    إنتر ميلان يهزم روما بهدف لاوتارو ويلاحق نابولي على صدارة الدوري الإيطالي    النيابة العامة تأمر بإخلاء سبيل مساعدة الفنانة هالة صدقي    الملك سلمان للإغاثة يختتم المشروع الطبي التطوعي لجراحة التجميل للمتضررين من الحروق بتركيا    نشرة منتصف الليل| حريق مطعم صبحي كابر.. وطقس الساعات المقبلة يشهد انخفاض الحرارة    وزير الزراعة: توجيهات مشددة بتسهيل إجراءات التصالح في مخالفات البناء    نائب محافظ قنا يشهد احتفالية مبادرة "شباب يُدير شباب" بمركز إبداع مصر الرقمية    قوى النواب تنتهي من مناقشة مواد الإصدار و"التعريفات" بمشروع قانون العمل    وفود السائحين تستقل القطارات من محطة صعيد مصر.. الانبهار سيد الموقف    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 21 أكتوبر 2024.. استمتع بخدمة الآخرين    عمر خيرت يمتع جمهور مهرجان الموسيقى العربية فى حفل كامل العدد    حدث بالفن| حالة أحمد سعد الصحية ومطرب يزور الكينج وفنانة تكشف سبب إجراءها عملية جراحية    ترحيب برلماني بمنح حوافز غير مسبوقة للصناعات.. نواب: تستهدف تقليل الضغط على العملة الصعبة    استشاري الاستثمار: لا بديل لدينا سوى توطين الصناعة المصرية    جاهزون للدفاع عن البلد.. قائد الوحدات الخاصة البحرية يكشف عن أسبوع الجحيم|شاهد    بروفات لطيفة استعدادا لحفلها بمهرجان الموسيقى العربية    «شوفلك واحدة غيرها».. أمين الفتوى ينصح شابا يشكو من معاملة خطيبته لوالدته    أهم علامات قبول الطاعة .. الإفتاء توضح    هبة قطب تطالب بنشر الثقافة الجنسية من الحضانة لهذا السبب    مدير مستشفى عين شمس: القضاء على الملاريا في مصر إنجاز عظيم    رمضان عبد المعز: الإسلام دين رحمة وليس صدام وانغلاق    للوقاية من أمراض القلب وتصلب الشرايين.. 6 نصائح عليك اتباعها    مجلس جامعة الفيوم يوافق على 60 رسالة ماجستير ودكتوراه بالدراسات العليا    فريق القسطرة القلبية بمستشفى الزقازيق ينجح في إنقاذ حياة 3 مرضى بعد توقف عضلة القلب    أستاذ تفسير: الفقراء يمرون سريعا من الحساب قبل الأغنياء    تمارين صباحية لتعزيز النشاط والطاقة.. ابدأ يومك صح    تكاليف السولار تضيف 1.5 مليار جنيه لأعباء السكك الحديدية    جامعة الزقازيق تعقد ورشة عمل حول كيفية التقدم لبرنامج «رواد وعلماء مصر»    رد الجنسية المصرية ل24 شخصًا.. قرارات جديدة لوزارة الداخلية    ماذا يحدث فى الكنيسة القبطية؟    هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب    5548 فرصة عمل في 11 محافظة برواتب مجزية - التخصصات وطريقة التقديم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أم أمل" وبناتها العشر.. 37 سنة "كفاح وأمومة"
نشر في مصراوي يوم 21 - 03 - 2018

في قرية صغيرة بمحافظة القليوبية، سيدة خمسينية، يمتلأ بيتها بالضجيج في عيد الأم، إذ يتحلق حولها 10 فتيات، هن بناتها، عددهن أقرب لفريق كرة، تتسامر معهن، تسترجع الذكريات حول مولد كل بنت، كيف بدأ المشوار من طفلتها الأولى "أمل" إلى أن وصل العدد 11، توفت إحداهن. ما فعلته الأمومة بها، وما بذلته من أجلهن.
الحياة لم تمنح "أم أمل" الكثير في طفولتها. لم تُكمل تعليمها لظروف المعيشة الصعبة، الأب انفصل عنهم، والأم انهمكت في رعايتها هي وشقيقها، مررت إليها مهارة الخياطة، وشؤون الفلاحة، قبل أن تغادر إلى بيت زوجها وهي في سن ال 18 عاما. كانت تحلم بالاستقرار والراحة "لقتني بعيد قصة تعب أمي مع ولادها، بس أنا مع 11 بنت".
في غرفتين ومطبخ وحمام مُشترك، عاشت "أم أمل" مع أسرة زوجها، يعمل الرجل خفير طوال الليل، وفي الصباح يذهب إلى قطعة أرض صغيرة قام باستئجارها "كنت جنبه دايمًا، من النجمة أقوم أروح الزريبة، أحلب البهايم، وأمشي على الغيط" ترافقه كظله "يعزق أعزق معاه، ينقي المحصول أعمل زيه" وفي المساء يحدثها الرجل عن حلمه بأن تأتي له بالولد.
بعد أشهر قليلة جائئهم البِشارة، ومع نهاية العام الأول كانت غرفتها تعج بنساء الأسرة، صراخها يملأ السماء "كنا بنولد ساعتها في البيت، مبنروحش لدكاترة" في الخارج ينتظر الزوج وصول الجنين، متمنيًا أن يكون صبيًا "وقتها مكناش بنعرف نوع المولود إلا لما يتولد" اشتد الألم عليها، تتنفس بصعوبة، قبل أن تلتقط إحداهن رأس الطفل من داخلها، لترنو لحظة صمت ثم كآبة على الوجوه "طلعت بنت، وشوش العيلة اتغيرت كأني عاملة تهمة".
سُميت الفتاة "أمل" رغم شدة الحزن الواقع على الأم لرد فعل الأسرة، والحديث معها عن ضرورة أن "تشد حيلها" حتى تأتي بالصبي في أسرع وقت، وبعد أقل من عام أعادت التجربة، الألم نفسه، الغرفة المتتلئة بالنساء، وصول الجنين إلى الحياة، ثم سحابة من الحزن تُغطي كل شيء "كأني عايشة في عزا مبيخلصشي" فيما يصر الزوج على الاستمرار في المحاولة.
طفلة تلو الأخرى، صار لديهم عائلة كبيرة من الفتيات، يعيشون جميعًا في الغرفتين، الإرهاق يمسك ب" أم أمل" لا يتركها قط "عملت مشاكل كتيرة وقولت كفاية، بس محدش بيسمعني". كانت تحمل في مولود جديد كل عامين "ومبقاش قدامي غير إني على الأقل أخلي بالي من بناتي، وأهتم بيهم يطلعوا أحسن ناس".
على مدار العشر سنوات الأولى، تستيقظ "أم أمل" مبكرًا، تهتم بالأطفال، تذهب بهم إلى المدارس، ثم تقوم باحتياجات عائلة زوجها "وبعدين أروح الغيط، وبعد الضهر أرجع أعمل الغدا للعيلة كلها" ثم تولي البنات الاهتمام باقي الوقت.
عاشت "أم أمل" تُفكر في كيفية التقاط ضحكة حلوة من وجه إحداهن "وبليل بعد ما يناموا أطلع مكنة الخياطة وأقعد أعملهم فساتين كل البلد تتحاكى بيها" ربتهم على أن كونهن فتيات ليس سُبة أو عار، وأنهن قادرات على ما يفعله الرجال.
المكان صار ضيقًا عليها "كنت بحوش كل قرش عشان نجيب بيت لينا" حصلت على قطعة أرض صغيرة "كانت واطية متر تحت الأرض، ومن غير سور، بس قولنا أهي خطوة عشان العيال" ذهبوا إلى هناك برفقة 6 فتيات، ثم رزقهم الله ب 5 آخريات، توفت إحداهن في حادث مروري "روحي طلعت مني وأنا شيفاها بتضيع قصادي" ثم قرر الزوج مع البنت الأخيرة "كفاية لحد كدا".
التجربة ليست ببساطة الكلمات التي تروي بها "أم أمل" قصتها للفتيات، من كثرة العدد كان الأب "بيعدهم على الأكل عشان يتأكد إن كلهم موجودين" الحِمل كبير والأيام المريرة التي عاشوها يصعب حصرها "كان فيه أيام بدعي ربنا يسترها معانا، والصبح ألاقيها مشيت من عنده واتفكت" فيما ترد على من يوجهون إليها اللوم على أسرتها الكبيرة "مكنش بإيدي ودا كان تفكير بلاد الأرياف وقتها".
ظنت "أم أمل" بعد إقناع زوجها بعدم الإنجاب مرة أُخرى، أنها ستلتقط جزء من أنفاسها أخيرًا، لكن القدر لم يمهلها. دون سابق إنذار سقط الزوج في 2008 من فوق الحمار أثناء عودته إلى البيت، نُقل إلى الوحدة الصحية "اكتشفوا إن عنده المرض الوحش" السرطان ينهش في جسده منذ زمن دون أن يدري "فضل راقد في البيت شهر" ثم مات تاركًا الأم وبناتها العشرة وحدهن.
زلزال هزّ البيت "كنا في دمار، العيشة اتخلطبت مر واحدة، هنعيش إزاي من غير جوزي وانا معايا بنات ياما" مرت عدة أشهر في تيه، الأسرة في مهب الخطر، الخوف والقلق ضيفان لا يغادران مطرحهما "لغاية ما ربنا هداني وفوقت لعيالي، ورجعنا نمشي على الطريق اللي هو سايبهولنا".
عادت إلى الغيط من جديد، رفقة بناتها، تعلمهن كيفية اختيار المحصول، الزراعة والحرث، طريقة الحصاد "وبعد ما نجمع المحصول أروح أي سوق وأبيعهم، لأننا محتاجين لأي فلوس" لم يمد أحد إليهم يد المساعدة "بناتي مكنش ليهم غيري، كنت بشيل همهم بإيدي".
النصائح المجانية ما أكثرها "اتقالي طلعي بناتك من المدارس، وفري المصاريف" رفضت، دافعت عن أحلام فتياتها "بقيت بقطع من قوتي عشان أوديهم المدارس" يُقال لها ستربي ثم يأخذهم غيرك من "العرسان" لكنها تصمد في رأيها "مش عايزاهم عيشوا عيشتي، لو كنت متعلمة مكنتش أكيد هأمشي في نفس الطريق، وأتعب نفسي بكل العدد دا من الخلفة".
مع كل هذا "الشقا" بدأ جسدها في التداعي "بقيت بتعب بسرعة، ومش بعرف أتحرك زي الأول" شعرت أن السير على نفس الطريق لن يصل بها إلى البر مع البنات "بيعت الجاموسة، وسبنا الفلاحة، ودورنا على حل تاني" وجدوه في التحاق الكبار من الفتيات بالمصنع المجاور، الخاص بعمل الأدوات الطبية مثل الشاش والقطن "ويدرسوا في نفس الوقت، وأنا أقعد أراعيهم وأساعد من البيت".
زوجت الأم 3 فتيات بعد وفاة الأب، ليصبح عدد الذين غادروا البيت منهن 4 بنات "كنت بخاف على بناتي، أسأل كتير عن العرسان، ممكن أخد شهر شهرين لحد ما أطمن" فيما بقى معها 6، جميعهن في مراحل دراسية مختلفة، إحداهن بجامعة عين شمس، والباقيات في ثانوي وإعدادي وابتدائي "بعاملهم كلهم زي بعض، في الفلوس والمحبة وكل حاجة"
البيت تغير عن أيامه الأولى، أدركت الأم أهمية أن تحفظ نفسها وبناتها من التلصص ومضايقات المارة "عملنا سور بدل ما كانت الناس بتعدي وتقدر تطل علينا" تحول من غرفة واحدة إلى 4، تتوزع بينهم الفتيات وفناء كبير.
كل هذا لا يهمها بقدر تمتع المنزل بالحياة "البنات مالين عليا الدنيا، بنقعد مع بعض على طول سواء نتكلم أو نتشاكل" تؤكد على أهمية المساواة بينهن في كل شيء "حتى لو ضربت واحدة لازم أضرب باقي أخواتها "تذكرها ضاحكة.
المركب واحد، والبر يحتاج للتكاتف، هكذا علمت الأم الفتيات "قعدنا سوا وقولنا نأخد بإيد بعضنا، حتى المتجوزين قلوبهم معانا، عشان ربنا يسلم طريقنا" كل فتاة تساعد الأخرى، سواء بالمال أو النصيحة أو شؤون البيت "البنات متجاوبة الحمدلله، ربنا عوضني بيهم خير".
مثل أي أم، في عيدها السنوي، يلتف حولها الأبناء "بيجولي وإيديهم مليانة بالخير" تحرص الفتيات على شراء هدايا لها "بس مش بستنفع منهم بحاجة، كل الهدايا أطقم وكاسات لجهاز أخواتهم" لكنها تبقى راضية على هذه المحبة التي تجمع بين الشقيقات "والمهم إنهم حوليا".
مضت 10 سنوات في غياب الزوج، لم تتوقف "أم أمل" عن العطاء لحظة، ماتزال تعمل من البيت "البنات بيجبولي حاجات من المصنع بعملها بماكنة الخياطة" ترغب في المساعدة قدر إمكانها، تتعجب لمرور الزمن وما جرى لها خلال الأعوام الفائتة، كيف ساعدها الله في التكيف والتأقلم ومجاراة القدر بحكمة البسطاء، متمنية أن تدوم رفقة الفتيات، وأن يقر الله عينها "يإني أشوفهم دايمًا مبسوطين، ومعاهم شهادات حلوة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.