تعزِّز دَور مصر في العالم.. مفتي الجمهورية يوجِّه وفودًا من علماء دار الإفتاء للمشاركة في أربعة مؤتمرات دولية    سندات مصر الدولارية ترتفع بعد زيارة ولي العهد السعودي    محافظ القاهرة يتفقد قرية الفواخير استعدادًا للمنتدى الحضرى العالمي «WUF12»    «أوراسكوم للتنمية» توقع اتفاقية تمويل ب155 مليون دولار (تفاصيل)    نعيم قاسم يؤكد قوة حزب الله رغم الضربات القاسية.. ويوجه رسالة لإسرائيل    400 ألف طفل نازح فى لبنان خلال 3 أسابيع.. ويونيسف تحذر من جيل ضائع    السعودية تعلن استمرارها في معالجة الوضع في غزة وتداعيات الأحداث في لبنان    معتصمون فى طولكرم يطالبون بوقف عمليات القمع بحق المعتقلين    مبادرة بداية.. انطلاق مسابقة حفظ القرآن الكريم للأطفال بأسوان    أيمن يونس: حسام حسن يتعرض للاضطهاد    النائب العام يأمر بالتحقيق في حادث انقلاب حافلة طلاب جامعة الجلالة    تأجيل محاكمة 46 متهما بخلية العجوزة    انتشال جثمان مسن غارق داخل ترعة بالدقهلية    وزير التعليم العالي: ترشيح «العناني» لمنصب مدير «اليونسكو» مثالًا للتنوع الثقافي والحضاري    مغامرة جديدة ل أحمد خالد صالح مع «الفستان الأبيض» بمهرجان الجونة السينمائي    نادين نجيم وملح الفن ضيوف برنامج "صاحبة السعادة"    «توفنا وأنت راضٍ عنا».. آخر منشورات الطالبة «هاجر» ضحية حادث أتوبيس جامعة الجلالة    الصحة العالمية: أكثر من 92 ألف طفل في غزة تلقوا الجرعة الثانية من لقاح شلل الأطفال    كما كشف في الجول - الجونة يتعاقد مع عصام صبحي    ترشيح لحسام البدري لتدريب شباب بلوزداد الجزائري    طب الأسنان بقناة السويس تحتفل بحصولها على الاعتماد للمرة الثانية    أمين "البحوث الإسلامية" يلتقي واعظات الأزهر ويناقش معهن دعم خطط العمل الدَّعوي    شيخ الأزهر يعزي أسر حادث طلاب جامعة الجلالة ويدعو بالشفاء العاجل للمصابين    عاجل.. السويد تفتح تحقيقا في قضية مبابي    تفسير حلم البكاء - اعرف السر وراء ذلك    وزير الخارجية يترأس الاجتماع الثانى ل"العليا لحقوق الإنسان" بحضور ضياء رشوان    الخميس.. الثقافة تطلق مهرجان أسوان احتفالًا بتعامد الشمس بمعبد "أبو سمبل"    أشرف زكي: ختام مهرجان «المهن التمثيلية» حافل بالمفاجآت    "نسير على الطريق الصحيح".. رسالة من جوميز للاعبي الزمالك    العويران: أنا زملكاوي وسأقيم مباراة اعتزالي ضد الزمالك    انطلاق فعاليات مبادرة الكشف المبكر عن أمراض سوء التغذية بمدارس سوهاج    6 أسباب تجعلك تستيقظ من النوم جائعًا    حادث أتوبيس جامعة الجلالة.. تشييع جثمان أحد الضحايا في المنوفية    محافظ مطروح يتابع نتائج أعمال القوافل الطبية المجانية    ‫وزير الرى: مصر حريصة على التعاون مع كافة دول أفريقيا لخدمة قضايا المياه    تفاصيل استخراج رخصه بناء جديدة والأدوار المسموح بها    محافظ القليوبية: تقديم تسهيلات للمواطنين الجادين في طلبات تقنين أوضاعهم    فاروق جعفر: الزمالك لم يستفيد من الصفقات الجديدة.. وهذه رسالتي إلى حسين لبيب    محافظ الشرقية يُشيد بجهود وحدة حماية الطفل    رئيس الوزراء يؤكد على سرعة الانتهاء من مشروعات المياه والصرف الصحي    رئيس جامعة القاهرة يوجه بتكثيف اللقاءات الفكرية بين الطلاب وكبار المفكرين والعلماء والإعلاميين    وزير الإسكان يتابع مشروعات إعادة إحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية.. فيديو    وزير الأوقاف السابق يدعو إلى وقف العدوان على غزة ولبنان    دفاع المتهمين بفبركة سحر مؤمن زكريا يطلب استبعاد تهمتى النصب والابتزاز    تحرير 1138 مخالفة تموينية متنوعة بالفيوم خلال أسبوعين    "لا يسخر قوم من قوم".. تعظيم حرمة الإنسان وعدم التنمر موضوع خطبة الجمعة    وزير الصحة: 5 محاور بالمؤتمر العالمى للتنمية تلتزم بمعالجة التحديات الصحية    الصحة الفلسطينية: ارتفاع عدد ضحايا الاحتلال بغزة إلى 42344 شهيدا و99013 مصابا    «بجبر بخاطر المشاهدين».. أقوال صادمة للزوجة المسحولة بسبب فيديوهات تيك توك    عيد حصاد التمور والزيتون في سيوة.. أفراح ببدء موسم الخير والتصدير وحفلات الزواج (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 15-10-2024 في محافظة قنا    حار نهاراً ومعتدل الحرارة ليلًا.. حالة الطقس اليوم    3 غارات اسرائيلية على محيط مدينة بعلبك وبلدة في البقاع شرق لبنان    حاول التحلي بالمرونة حتى لا تصاب بالإرهاق الذهني.. برج الحمل اليوم 15 أكتوبر    اليوم.. محاكمة المتهمين في واقعة فبركة سحر مؤمن زكريا    وكيل الصحة بالسويس يطمئن على مصابي حادث أتوبيس الجلالة    داعية إسلامية: "مش بحب الأكل ده" يعتبر كفران بالنعم    وسط حضور جماهيري كبير.. 20 صورة من حفل نسمة محجوب بمهرجان الموسيقى العربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من آلام بيوت "الروضة".. كيف أصبح محمد المنجد "رجل البيت" فجأة؟
نشر في مصراوي يوم 28 - 11 - 2017

حين قاربت الساعة على الواحدة ظهر الجمعة الماضية، عادت فايزة محمد لقرية الروضة بالعريش، بعد قضاء عدة ليالي مع أهل زوجها في كفر شكر بمحافظة القليوبية.
ما إن وضعت السيدة الأربعينية قدمها على الأرض، حتى دبّ فيها الفزع؛ رأت أدخنة متصاعدة، النساء تركض في اتجاه المسجد، فيما تعلو أصوات صراخهن. اضطرب قلبها؛ علمت أن زوجها وابنها في خطر.
كان الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري يومًا معتادًا. استيقظ سعيد المنجد من النوم باكرًا، أيقظ ولده محمد وتوضأ حتى يلحق بصلاة الجمعة في مسجد الروضة "أبويا راح الجامع بدري، وأنا قولتله هستحمى واجي وراك".. يقولها الابن محمد سعيد.
داخل المنزل، سمع محمد صوت طلقات الرصاص بالخارج "أعتقدت أن الجيش بيضرب نار في الهوا.. وأحنا متعودين على ده في العريش"، ارتفع الصوت وزادت حدته؛ فهرول للمسجد ليعرف ما يحدث.
على بعد أمتار من مسجد الروضة "لقيت ناس بتضرب نار.. شوفت ناس بتجري وسمعت صوت الرصاص". لم يستوعب الأمر. خُيل له أن المسلحون حضروا لتنفيذ تهديدهم للقرية، بنسف زاوية- مسجد صغير- يتواجد فيها الصوفيون. اقتربت الطلقات من جسد صاحب ال19 عاما، مما اضطره للفرار في طريق العودة إلى منزله.
في تلك اللحظة وبينما يركض محمد، عاودته سيرة القرية "اللي طول عمرها هادية". انتقلت إليها عائلة سعيد المنجد منذ 9 سنوات، بعدما اُنتدبت الأم للعمل كممرضة في الوحدة الصحية هُناك، ولأن الأب ذو ال48 عامًا أراد لمّ الشمل، فكان المكوث ونقل مدارس الأبناء محمد، نوال، وضحى، هو الحل، لكن النهاية المأساوية تركت سؤالا في عقل محمد "ليه؟.. أبويا عمل إيه وحش؟.. دة مكانش عايز ييسيب أمي لوحدها".
عندما وصل الشاب للمنزل الذي يبعد دقائق عن الجامع، كانت المذبحة مازالت تدور. سألت أخته ضحى عما يحدث بالقرية فطمأنها، فيما تملك الذعر منه خوفًا على حياة والده. 15 دقيقة هي المدة التي انتظرها "لحد الوقت دة كنت بقول بيفجروا الزاوية.. أكيد مش هيقتلوا اللي بيصلوا". فجأة عاد الهدوء. اندفع الشاب مرة أخرى إلى المسجد، وهناك هاله المنظر البشع.
جثث تكومت. دماء لونت الأرض. طلقات اخترقت جدران المسجد الإسمنتية. الرجال مقهورون من الصدمة والنسوة تأتين من كل مكان. بحث محمد عن والده "كنت بعدي من فوق الجثث من كترها". تأكد من وفاته "حسيت إني في حلم". لم يعِ الشاب ما يجري "الدم كان مغرقه من كل حتة"، أخرج هاتفه وأبلغ أعمامه بكفر شكر بالواقعة.
لم تفهم الزوجة فايزة الفاجعة حتى دخلت المسجد؛ استقبلها الابن "قالت لي أبوك فين.. قولتلها توفى"، جذبها بعيدا عن المشهد، بدا الأمر كالكابوس "أخويا أخد رصاصة في مؤخرة الرأس وشظايا مختلفة في جسمه".. يحكي عوني المنجد.
خلال هذه الساعة بكفر شكر، أنهى عوني صلاة الجمعة، متوجها إلى منزل العائلة ليقابل أشقائه، أيمن وخالد ومحمد. دقائق ورنّ الهاتف ليأتي صوت ابن الأخ "ألحقوني أبويا مات"، أراد عوني أن يفهم، سأل في ذهول "مات إزاي يابني؟"، وقبل أن يستفسر عن مزيد من التفاصيل "قولتله مسافة السكة وأبقى عندك".
أحضر عوني وأشقاؤه سيارتين ملاكي، انطلقوا إلى مدينة العريش، وفي الطريق اتضحت ملامح الحدث، سمع عوني "واحد راكب عربية ملاكي، بيتكلم في التليفون وبيقول جماعات تكفيرية الله ينتقم منهم موتوا أكتر من 300 واحد"، وصل الأشقاء إلى مستشفى بئر العبد بعد أكثر من 4 ساعات، فيما سهلت لهم قوات الأمن المتمركز بالطريق الدولي العريش- القنطرة عبورهم إلى سيناء.
انتقل محمد مع جثة والده بعربة الإسعاف إلى المستشفى، أنجز تصريح الدفن، وانتظر قدوم أعمامه حتى ينقل المتوفى إلى بلدته كفر شكر التي ولد وعاش فيها.
بعد ساعات من استشهاد رفيق الروح وعائل المنزل "روحنا البيت لمينا الحاجة ومشينا"، تزوغ عينا الابن كلما يستعيد التفاصيل "أمي لمّت شهادات الميلاد وجرينا"، حين وصلت فايزة للقرية وقت الحادث كان بحوزتها حقيبة ملابسها التي أخذتها من كفر شكر، فعادت بها مرة أخرى.
صباح السبت التالي، وقبل أن يدفن الأخوة شقيقهم، أشارت النيابة العامة، في بيان رسمي، إلى بلوغ عدد الضحايا 305 شخص وجرح 128 آخرين، وقالت إن مرتكبي الحادثة أتوا على متن خمس سيارات رباعية الدفع، وعددهم يتراوح ما بين 25 إلى 30 مسلح.
وفسر البيان أن المسلحين اتخذوا مواقعهم أمام باب المسجد ونوافذه وعددها 12 نافذة وأطلقوا الأعيرة النارية على المصلين، وأضرموا النار في سياراتهم، وعددها سبع سيارات حتى لا يتمكن الناجون من إسعاف الجرحى.
صلى أهل كفر شكر على "شهيدهم" في جامع كبير بالمدينة، كانت جنازة مهيبة، شارك بها الآلاف من أقاربه وجيرانه، وكذلك قيادات المحافظة.
3 أيام مرت على ما حدث، لكن مقاعد العزاء تراصت أمام منزل عائلة المنجد. صوت القرءان صدح من الداخل منخفضًا، لا يحتاج الذاهب للبحث كثيرًا، يكفي سؤال "فين بيت سعيد المنجد؟"، لتأتي الإجابة متبوعة بوصف المكان ثم القول بنبرة حزينة "هو ذنبه إيه بس منهم لله". في داخل البيت عاش الراحل قبل زواجه، وبجانب الباب جلس الأخوة الثلاثة، بينما كانت نسوة الكفر تصعدن الدرج المؤدي لغرفة زوجته لتقديم الواجب، وتكتم بعضهن أنين بكائها.
لم تنقطع قدم سعيد عن بيت العائلة. خاصة أن والده تُوفي منذ شهر واحد "وجه قعد معانا أسبوعين ساعتها"، كانت حياة الراحل بسيطة. حصل على دبلوم تجارة، ثم استمر في صنعة والده "التنجيد والأثاث"، وعندما انتقل للروضة حافظ عليها، وبجانبها عمل في مصانع الملاحات لتحسين الدخل. زار الأخوة شقيقهم في منزله بالعريش مرارا، استقبلتهم الطمأنينة دائما "المكان هناك آمن للدرجة إني لو أخاف أتسرق في كفر شكر مخافش هناك" يقول الشقيق أيمن، قبل أن يقاطعه الابن "الناس كانت بتنام وبيوتها مفتوحة محدش يستجري يدخل".
منذ الانتقال لم يشعر محمد بالغربة، صار له عُزوة في قرية الروضة، حتى حين التحاقه بالجامعة العام الماضي، قرر اختيار الموجودة في العريش. ظلت الأسرة على عهدها بحب المكان، لكن تهديدات الأشهر الأخيرة جعلتهم يقررون الرحيل "قلنا لما تخلص أختي ضحى 3 إعدادي هننقل السنة الجاية كفر شكر تاني وأمي هترجع التمريض هنا"، يخفض محمد بصره للأرض، ثم يستطرد "بس قدر ربنا نافذ".
حتى الآن لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث الدموي، فيما تُشير أصابع الاتهام إلى تنظيم ولاية سيناء، المبايع لتنظيم الدولة الإسلامية عام 2014. وفي العام الماضي خرج أحد قيادات تنظيم "داعش" في حوار نشرته مجلة "النبأ" التابعة لهم متوعدا صوفي سيناء، قائلا: "أعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدرة، ونقول لكم أننا لن نسمح بوجود زوايا لكم في سيناء". كما ذبح التنظيم، الشيخ سليمان أبو حراز، أحد كبار مشايخ الصوفية في شبه جزيرة سيناء.
مازال مستقبل الأبناء غامضا. ما عاد والدهم موجودا ليخططه معهم، تمنّى دوما التحاق ابنه بكلية الطب، غير أن تغير الدفّة لكلية التربية لم يُزعجه، كان يدعم ويؤازر ويقوي ظهر محمد. والآن وبعد موته طلب الأعمام من المحافظ نقل الطالب من جامعة العريش إلى بنها، وكذلك الأخت الصغيرة، والأم إلى مستشفى كفر شكر. لم يعد الابن راغبًا بالعيش في الروضة ولا أخذ متعلقاته، لم يبكِ والده، روحه مُتشبّعة بالصدمة، يشرد كثيرًا، ينظر إلى أمه وأختيه، ولا يدري كيف أصبح فجأة "راجل البيت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.