طرأ مؤخرا العديد من التغييرات على ملامح المملكة العربية السعودية، شديدة التحفظ والتقيد بالقيم والعادات المتعارف عليها بداخلها والتي سار عليها مواطنيها لسنوات طوال، وكان أخر مؤشر على ذلك حصول السعوديات على حقهن في قيادة السيارات، عقب إصدار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مرسوما ملكيا يسمح لهن بذلك، دون الحصول على موافقة ولي أمرهن. وأشار محللون وسياسيون إلى أن التغيير الذي تشهده المملكة بدأ منذ الصعود السياسي للوزير الدفاع ووولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أعلن العام الماضي عن رؤية "2030"، والتي تهدف لإحداث ثورة في الاقتصاد السعودي بإنهاء اعتماده على النفط، وتنشيط بعض القطاعات الراكدة في الدولة، على رأسها الترفيه والثقافة والسياحة، والرياضة. وقال اللواء ركن المتقاعد أنور ماجد عشقي في تصريحات ل"مصراوي"، إنه لابد أن يعلم الجميع أنه من غير المستساغ أن يكون هناك تطور اقتصادي دون التطور الاجتماعي، لذلك فرض التطور الاجتماعي نفسه. عاصفة وتحالفات وكانت عملية "عاصفة الحزم" التي قادتها المملكة العربية السعودية بمشاركة دول التحالف، من أبرز ملامح التغيير السياسي الذي حدث بها، إذ كانت أول عملية عسكرية تقوم فيها المملكة بالتدخل مباشرة في دولة أخرى من أجل التصدي للفوضى، ودعم الشرعية. وعقدت السعودية تحالفات عسكرية مع حوالي 42 دولة إسلامية، منها تحالفات ضد الإرهاب. وفي محاولة لإنعاش السياحة والاعتماد على موارد اقتصادية بجانب النفط، دشنت المملكة الفترة الماضية مشروعا سياحيا ضخما يهدف إلى تحويل 50 جزيرة، وسلسلة مواقع أخرى ساحل على البحر الأحمر، إلى منتجعات فاخرة. كما تعتزم الرياض المُضي قدما في خطط بيع نحو 5% من شركة النفط الوطنية العملاقة "أرامكو" السعودية. ويقول المسؤولون إنهم يستهدفون الانتهاء من البيع بنهاية 2018 وجمع نحو 100 مليار دولار. الخطاب الديني وتقول الناشطة الليبرالية السعودية الدكتورة سعاد الشمري، إن وجه السعودية المتعارف عليه الآن سيتغير تماما في السنوات المقبلة، وتضيف في مكالمة هاتفية مع مصراوي: "مثلا الخطاب الديني.. لقد تغير بالكامل، لأول مرة يتم منع داعية إسلامي يُصدر تصريحات مُسيئة للمرأة". وكان الملك سلمان قد أصدر قرارا بمنع ظهور الداعية الإسلامي السعودي سعد الحجري، وحظر صعوده على المنابر، وذلك بعد أن قال إن السماح للمرأة بالقيادة سيجعلها بربع عقل، ما أثار موجة من الغضب داخل المجتمع السعودي. وتساءل الحجري خلال محاضرة ألقاها قائلا: " تعطى المرأة رخصة وهي لا تملك إلا نصف عقل؟ وإذا خرجت إلى السوق سينقص عقلها زيادة نصف، فكم سيبقى من عقلها؟ ربع، فكيف يمنح المرور لمن لديه ربع عقل؟ إذأ نطالب المرور بأن يتحرَّى؛ لأنها لا تليق بها السياقة وهي لا تملك إلا ربعًا". وكان التيار المتحفظ المنتشر في المملكة أحد الأسباب الرئيسية التي تحول دون تنفيذ الكثير من القرارات، والموافقة على بعض الأمور التي تراها البلدان الأخرى عادية، منها مثلا الاختلاط في الأماكن العامة بين الرجال والنساء، وإجبار النساء على ارتداء ملابس معينة، وحظر إقامة السينمات ودور العرض والمهرجانات الفنية، أو ممارسة الفتيات للأنشطة الرياضية في المدارس. عام المرأة وتشير الشمري إلى معرفة الجميع بأن 2017 هو عام المرأة السعودية. وكانت المملكة قد أصدرت مجموعة قرارات في أغسطس الماضي، شملت إقرار الجهات التشريعية 10 إجراءات لضبط زواج القاصرات، وقرار آخر لتنظيم صندوق النفقة للمطلقات والأبناء، وإضافة نموذج في أنظمة وزارة العدل ضمن القضايا الإنهائية باسم إثبات حضانة، والسماح للنساء بالحصول على رخصة لمزاولة مهنة المحاماة. واستطاعت السعوديات، ولأول مرة، حضور الاحتفالات بالعيد الوطني في ملعب رياضي، بشكل مُنفصل عن عائلاتهم، إذ أعلنت الهيئة العامة للترفيه عن فتح مدرجات إستاد الملك فهد الدولي في الرياض أمام العائلات مجانا. المهرجانات والترفيه واعتبر السعوديون الاحتفالات الأخيرة بالعيد الوطني تغييرا كبيرا، إذ أحيا عدد كبير من الفنانين والفنانات الاحتفالات، واجتمع المواطنون (من الجنسين معا)، للاحتفال بعيدهم. وتوقعت الشمري أن يتم تأسيس دور عرض سينمائية سيحدث قريبا جدا، قائلة لمصراوي: "إنها مسألة وقت ليس أكثر"، مشيرة إلى رؤية بن سلمان تعني حتمية ظهور مسارح وسينمات ومهرجانات سينمائية، الرؤية تعني انفتاح". وكانت مكةالمكرمة، قد استضافت في يونيو، عروضًا سينمائية لأفلام أجنبية، على مدى خمسة أيام، في مدينة جدة غرب البلاد، ضمن مهرجان سينمائي نظمته الجمعية السعودية للثقافة والفنون في جدة. يُذكر، أن بن سلمان أكد أن انشاء صناعة تسلية وترفية في بلاده يمكن أن يساعدها في سعيها لإنهاء اعتمادها على النفط. وأوضح أن تطوير صناعة السياحة والترفيه محليا سيجلب للبلاد نحو 22 مليار دولار، من الأموال التي يصرفها السعوديون حاليا في الخارج. تغيير ليس جديد ويرى الدكتور أحمد يوسف أحمد، المدير السابق لمعهد البحوث والدراسات العربية التابع للجامعة العربية، أن السماح للسعوديات بالقيادة، جزء من عملية تدريجية تتم لتحسين أوضاع المرأة هناك. وقال أحمد، إن التغيير الذي يشهده المجتمع لا يعد جديدا، إذ أنه بدأ منذ عهد الملك عبدالله، والذي حاول إحداث تغييرا بما يتناسب مع ظروف البلد، إلا أنه وتيرته أسرعت في عهد الملك سلمان ونجله. وتسببت سرعة التي تسير بها عملية التغيير في السعودية في انقسام الشعب السعودي، فهناك من يرحب بها ويتمنى أن تستمر، والبعض الآخر يلفظها ويعتبرها غريبة ولا تتوافق مع قيم وعادات مجتمع، ويعلق عشقي على ذلك قائلا:" السعودية تعلم أن هناك من يقف أمام هذه الأعمال سواء بحكم التقاليد، أو غيرها من هذه الجوانب، ولكن هناك قاعدة فقهية تقول "تتغير الأحكام.. بتغير الأزمان". اقرأ أيضا: خمسة تغييرات في مسار انفتاح السعودية بعد صعود محمد بن سلمان
بعد السماح للمرأة بقيادة السيارات.. هل يأتي الدور على السينما في السعودية؟