تعليقًا على هجمات لبنان.. بوريل: لا أحد قادر على إيقاف نتنياهو وأمريكا فشلت    اليوم.. جامعة الأزهر تستقبل طلابها بالعام الدراسي الجديد    نحو 30 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت خلال ساعتين    آخر تطورات لبنان.. الاحتلال يشن 21 غارة على بيروت وحزب الله يقصف شمال إسرائيل    «أنا وكيله».. تعليق طريف دونجا على عرض تركي آل الشيخ ل شيكابالا (فيديو)    التحويلات المرورية الجديدة بعد غلق الطريق الدائري من المنيب تجاه وصلة المريوطية    طعنة نافذة تُنهي حياة شاب وإصابة شقيقه بسبب خلافات الجيرة بالغربية    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. ختام معسكر عين شمس تبدع باختلاف    وزير الخارجية: تهجير الفلسطينيين خط أحمر ولن نسمح بحدوثه    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 33    «مرفق الكهرباء» ينشر نصائحًا لترشيد استهلاك الثلاجة والمكواة.. تعرف عليها    مع تغيرات الفصول.. إجراءات تجنب الصغار «نزلات البرد»    ضياء الدين داوود: لا يوجد مصلحة لأحد بخروج قانون الإجراءات الجنائية منقوص    المتحف المصري الكبير نموذج لترشيد الاستهلاك وتحقيق الاستدامة    الحكومة تستثمر في «رأس بناس» وأخواتها.. وطرح 4 ل 5 مناطق بساحل البحر الأحمر    إيران تزامنا مع أنباء اغتيال حسن نصر الله: الاغتيالات لن تحل مشكلة إسرائيل    حكايات| «سرج».. قصة حب مروة والخيل    تعرف على آخر موعد للتقديم في وظائف الهيئة العامة للكتاب    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    عاجل - "الصحة" تشدد على مكافحة العدوى في المدارس لضمان بيئة تعليمية آمنة    وزير الخارجية: الاحتلال يستخدم التجويع والحصار كسلاح ضد الفلسطينيين لتدمير غزة وطرد أهلها    المثلوثي: ركلة الجزاء كانت اللحظة الأصعب.. ونعد جمهور الزمالك بمزيد من الألقاب    جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    صحة الإسكندرية تشارك في ماراثون الاحتفال باليوم العالمي للصم والبكم    حياة كريمة توزع 3 ألاف كرتونة مواد غذائية للأولى بالرعاية بكفر الشيخ    عمر جابر: تفاجأنا باحتساب ركلة الجزاء.. والسوبر شهد تفاصيل صغيرة عديدة    مصراوي يكشف تفاصيل إصابة محمد هاني    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    الوراق على صفيح ساخن..ودعوات للتظاهر لفك حصارها الأمني    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة «بداية جديدة» لبناء الإنسان بقرية بخانس.. صور    تجديد حبس عاطل سرق عقارًا تحت الإنشاء ب15 مايو    التصريح بدفن جثمان طفل سقط من أعلى سيارة نقل بحلوان    بدءاً من اليوم.. غلق كلي للطريق الدائري من المنيب اتجاه المريوطية لمدة شهر    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 28 سبتمبر 2024    أمريكا تستنفر قواتها في الشرق الأوسط وتؤمن سفارتها بدول المنطقة    فلسطين.. إصابات جراء استهداف الاحتلال خيام النازحين في مواصي برفح الفلسطينية    أحمد العوضي يكشف حقيقة تعرضه لأزمة صحية    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    «عودة أسياد أفريقيا ولسه».. أشرف زكي يحتفل بفوز الزمالك بالسوبر الإفريقي    "الصحة اللبنانية": ارتفاع عدد ضحايا الهجوم الإسرائيلي على ضاحية بيروت إلى 6 قتلى و91 مصابا    استعد لتغيير ساعتك.. رسميا موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2024 في مصر وانتهاء الصيفي    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    جوميز ثاني مدرب برتغالي يتوج بكأس السوبر الأفريقي عبر التاريخ    جوميز: استحقينا التتويج بكأس السوبر الإفريقي.. وكنا الطرف الأفضل أمام الأهلي    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    «زى النهارده».. وفاة الزعيم عبدالناصر 28 سبتمبر 1970    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فورين أفيرز: هل يستطيع محمد بن سلمان إعادة صياغة السعودية؟
نشر في مصراوي يوم 09 - 01 - 2017

قيادته للقضايا كانت صلبة، وطريقة حكمه أفضل. لغة جسده تشير إلى ثقة حتى رغم أنه كان أصغر من في الغرفة وأقلهم خبرة. يتمتع بكاريزما. لكن الأكثر أهمية من كل ذلك، أنه قدم حجة أكثر قوة لبلاده أكثر من أي مسؤول سعودي اخر.
للتأكيد، لن يكون من الحكمة بلورة أي أحكام جدية حول ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي التقيت وزملاء معه لعدة ساعات، عقب لقاء منفرد. ليس من الصعب أن نُقدر كيف يبدو أن محمد بن سلمان أو "إم بي إس" كما يُعرف في واشنطن والذي يبلغ من العمر 31 سنة، مصمم على التصدي لأصعب المشاكل في بلاده في مرحلة مبكرة من عمله السياسي. فهو عبر قيادة عملية تغيير شامل في السعودية، يضع كل شيء في مساره. وسواء أكان مسترشدا بالطموح أو بالسذاجة فإن الأمر لا صلة له بالموضوع. ما يعنينا هو أنه مفعم سلفا بالحسم والبراجماتية.
اشتملت الاجراءات الأولى لمحمد بن سلمان خفض الكثير من الدعم ورفع الضرائب وبيع أصول رئيسية في الدولة والدفع في اتجاه ثقافة الكفاءة والمحاسبة في البيروقراطية السعودية غير المنتجة بشكل ملحوظ، وتأسيس موطئ قدم للقطاع الخاص ليلعب دورا أكبر في الاقتصاد.
رغم أنه الثالث في ترتيب العرش، يهمين بن سلمان بشكل كامل على (شركة آرامكو) مُحتكر نفط البلاد، وصندوق الاستثمار الوطني والشؤون الاقتصادية ووزارة الدفاع العملاقة. تولى كل هذه المناصب على الفور من تولي والده، الملك سلمان، الحكم في يناير 2015، واختيار محمد بن نايف وليا للعهد ومحمد بن سلمان وليا لولي العهد.
إن القول بأن الصعود السريع لمحمد بن سلمان خلق جدلا في السعودية وإلى حد ما في واشنطن، قد يكون تصريحا مكبوتا. فبالنسبة لأنصاره، يحظى بالإشادة على أنه مُنقذ المملكة. وبالنسبة لمن يذمونه، من بينهم أمراء سعوديون على تويتر (بعضهم يعيش خارج البلاد)، هو دجال انتهازي. هذه الانقسامات متوقعة عندما يحاول ممثل التغيير أن يعيد ترتيب النظام الذي يستفيد منه كثيرون. وهكذا من المنطقي أن تكون هناك إثارة وعدم ارتياح حيال القيادة المفاجأة لمحمد بن سلمان للسياسة السعودية.
مصادر قلق
هناك مصدر قلق واضح هو أن محمد بن سلمان يبدو أن في جعبته الكثير؛ فأي منصب يغطي الدفاع والاقتصاد يكون شاقا حتى لأكثر السياسيين خبرة، فما بالك بشخص ليس لديه خبرة تُذكر في السياسة العامة. مع ذلك يجب أن توضع السلطات الهائلة التي يتمتع بها بن سلمان في منظور أوسع. فهذه العملية التي أقرها والده تُعني منحه السلطة الضرورية لقيادة إصلاحات صعبة وإدارة فعالة للمعارضة الداخلية.
"حرب اليمن فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية وأدت إلى كارثة إنسانية"
ورغم أنه من السابق لأونه إلى حد كبير تقييم عملية الإصلاح الاقتصادي طويلة الأمد والتي بدأت للتو، إلا أن العوائد المبكرة لسياسته الدفاعية ليست واعدة. يبدو أن محمد بن سلمان لديه الأفكار السليمة حول إنشاء جيس أكثر فعالية وبناء قدرات صناعية دفاعية في بلاده: فتطوير سياسة إنتاج دفاعي واستراتيجية استحواذ، وإنشاء بنية تحتية مؤسسية أكثر بساطة للدفاع الوطني، والاستفادة بشكل كامل برامج التعويض، كلها بدايات ممتازة. لكن الحرب السعودية في اليمن المجاور، والتي يشرف عليها كونه وزير الدفاع، فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وأدت إلى كارثة إنسانية في اليمن المحطم بالفعل وكابوس علاقات عامة في واشنطن ولندن.
إن كيفية خروج المملكة من اليمن فيما لا تزال تحقق أهداف أمنها الوطني الأساسية ولا تتنازل كثيرا لإيران، غريمها اللدود، تتطلب دهاء في الحكم من جانب محمد بن سلمان. فوظيفته ليست مستحيلة لكن كلما يُقتل المزيد من المدنيين اليمنيين، كلما كانت تلك الوظيفة أكثر صعوبة.
مصدر قلق اخر، يتشاركه الأمريكيون أكثر من السعوديين، هو أن صعود بن سلمان يغير النظام الملكي المزعج. هناك الكثير من الثرثرة في واشنطن عن تهميش بن سلمان لابن عمه الأكبر سنا محمد بن نايف، الذي يحتل المرتبة الثانية في المملكة. لكن لا دليل على انقسام داخل الحكومة في الرياض. والطائفية بالتأكيد قائمة هناك (وهي حالة ليست فريدة لدى النظام السياسي السعودي)، لكن ليست من ذلك النوع الذي يؤدي إلى اقتتال داخلي وشلل، على الأقل ليس قريبا بالشكل الذي يربك واشنطن في الوقت الراهن.
تشير الحقائق إلى أن محمد بن سلمان ومحمد بن نايف يعملان معا عن كثب ويلتقيان معا بشكل يومي تقريبا. فالمناصب التي يتولاهما كل منهما تكمل بعضها البعض؛ في الواقع لا مجال للتداخل أو التنافس. محمد بن سلمان مسؤول عن إصلاح الاقتصاد وتعزيز الدفاع الوطني. أما محمد بن نايف فيسيطر على ملف الأمن الداخلي الهائل والذي يشمل مطاردة الإرهابيين وحفظ النظام والقانون في محافظات المملكة وبلدياتها العديدة.
وهناك مصدر قلق اخر ذو صلة هو أن محمد بن سلمان يتحرك بسرعة شديدة، خاصة في الشؤون الاقتصادية والثقافية، ما يسبب إزعاجا للنظام القديم ويهز أسس العقد الاجتماعي في المملكة. مع ذلك تعكس المخاطر ضخامة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها السعودية، وهي ليست بحاجة إلى ما هو أقل من التغيير.
مما لا محالة فيه، هو أن هذه التغييرات تؤدي إلى درجة معينة من عدم الاستقرار؛ فالسعوديون ينتابهم الخوف وهو أمر مفهوم، لكن هناك أيضا إجماع قوي وحاسم داخل الحكومة السعودية حول عدم استدامة النظام الاقتصادي الحالي للبلاد وطريقة القيام بهذه الأمور. تدرك الرياض أنه كان عليها أن تصل إلى تلك النتيجية قبل 10 أو 15 سنة، مثلما فعلت معظم مشيخات الخليج الأخرى المنتجة للنفط - لكن أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا.
ورغم أنه من الانصاف طرح الأسئلة والإعراب عن القلق حيال سلطات محمد بن سلمان المتضخمة وجدول أعمال الحكومة، لا يجب على المرء أن ينسى الفرص الفريدة التي تكمن في نظام سعودي يقوده محمد بن سلمان. ربما الأكثر أهمية والذي لم يحدث في تاريخ السعودية أن يكون أحد أفراد العائلة المملكة يتحدث باسم الشباب السعودي المفعم بالأمل ويتواصل معهم. ففي بلد أكثر من نصف سكانه تحت سن 25 سنة، فإن ذلك أمرا كبيرا، وبسبب شبابه وقضائه حياته كلها في السعودية (على عكس أبناء العائلة الملكة الاخرين)، وفهمه العميق لاحتياجات وطموحات جيله، فإن محمد بن سلمان في موضع أفضل من معظم الأسرة الحاكمة لإدارة وتحقيق استفادة من شباب البلاد، عبر استغلال مهاراتهم لتعزيز برنامج الإصلاح.
التعامل مع المتشددين دينيا
إن التزام ولي ولي العهد بالجدارة أمرا حقيقيا، وهو مناقض تماما للحكم على أساس المحسوبية المستمر منذ أجيال في البلاد. فهو يوظف الأفضل والألمع وهؤلاء الذين أدائهم أقل من المستوى إما أن يطلب منهم المغادرة أو تقدم لهم خطط تقاعد مبكر. في غضون ذلك، تناطح محمد بن سلمان مع المتشددين دينيا في المملكة. في السابق، جادل العديد من ملوك السعودية، منهم الراحل عبد الله بن عبد العزيز، مع رجال الدين بشأن قضية التغيير، غير أنهم تراجعوا تجنبا للصدام الخطير والذي قد يقلب الاستقرار الداخلي والنظام الملكي.
تعلم محمد بن سلمان من هذه التجارب. وحتى يتعامل مع الشيوخ الذين يتمنون الحفاظ على الوضع القائم، كان لدى محمد بن سلمان استراتيجية ثلاثية المحاور. فبدلا من مواجهة المعارضة الدينية، سوف ينخرط ويقسم ويحول أعضائها باستخدام مبادئ مبنية على القرآن والتعاليم الدينية من حياة النبي محمد وصحابته.
وفقا لبن سلمان، نسبة ضئيلة جدا من المتشددين عقائديين للغاية ولا يستمعون لصوت العقل. وهو يدرس ما إن كانوا يحرضون أو يلجأون إلى العنف والانعزال وإجراءات عقابية أخرى. ويعتقد أن أكثر من النصف يمكن تغييرهم عبر الحوار، والبقية إما ليس لديهم مصلحة أو ليسوا في موضع يسبب أية مشاكل خطيرة.
يعتقد بن سلمان أن جهود الإصلاح سوف تنجح عندما يكسبون متشددين من الصفوف المحافظة إلى جانبهم. وضرب مثلًا بالشيخ سعد بن ناصر الشثري، رجل الدين البارز الذي أقيل في 2009 من هيئة كبار العلماء لتحديه إصلاحات الملك الراحل عبد الله. وهو الآن مستشار لدى المحكمة الملكية وبسبب الصبر عليه والانخراط الدائم معه، بات بالتأكيد أكثر حماسا لأفكار بن سلمان وإن كان ببطء. والأكثر ترجيحا من الرفض، منح ذلك بن سلمان المزيد من السلطة.
وإذا لم يكن إعادة بناء الاقتصاد السعودية لحقبة ما بعد النفط صعبا بما فيه الكفاية، فإن على محمد بن سلمان القيام به فيما هو متورط في حرب مكلفة في اليمن، والتحقق بشكل محموم للتقدم الإيراني في أنحاء المنطقة، والتعامل مع جوار يزداد عنفا. وبصفته أعلى مسؤول دفاعي في البلاد، سوف تكون بصمات بن سلمان حاضرة في السياسة الخارجية السعودية في الوقت الراهن وفي المستقبل. رؤيته هي التقدم في العمل بالنظر إلى ما يتمتع به من خبرة متواضعة، لكن الملامح بدأت تتشكل.
"الخطر" الإيراني والتطرف السني
وفيما يجب ألا يكون صدمة لأحد في واشنطن، يتشارك محمد بن سلمان وجهة النظر السعودية القائمة على أن إيران تمثل وتحرض العلل الثلاث الرئيسية في المنطقة: الأيديولوجيات العابرة للحدود، عدم استقرار الدولة والإرهاب. المشكلة لم تكن أبدا إيران في حد ذاتها، فقد أكد أن النظام الراديكالي الذي ولد مع الثورة الإيرانية في 1979.
بسؤاله عن مستقبل صراع السلطة السعودي-الإيراني وما إن كانت السعودية تدرس فتح قناة اتصال مباشرة مع خصمها لتهدئة التوتر وإقامة أرضية مشتركة، رد بأنه لا جدوى من التفاوض مع قوة ملتزمة بتصدير أيديولوجيتها الاقصائية والتورط في الإرهاب، وانتهاك سيادة البلدان الأخرى. وقال إنه حتى تغير طهران من نظرتها وسلوكها المثير للمشاكل، فإن السعودية لديها الكثير لتخسره من اقتراح التقارب والتعاون قبل الاوان.
"يمكن هزيمة حصر داعش في الشام وهزيمته بالنظر وجود دول قوية مثل مصر والأردن وتركيا والسعودية."
رغم أن محمد بن سلمان لديه نظرة إقليمية مركزها إيران، إلا أنه ليس بغافل عن انتشار التطرف السني العنيف ومكائد تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة. وما يثير القلق العميق تأثير الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، بيد أنه يعتقد أن التنظيم يمكن حصره في الشام وهزيمته في نهاية المطاف، بالنظر إلى وجود دول قوية مثل مصر والأردن وتركيا والسعودية.
كما يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية الازدهار، والعمل بكل سهولة والتسبب في الكثير من الضرر. وهذا سبب التزام السعودية، في أعقاب همز من محمد بن سلمان، بالمساعدة في مكافحة التهديد المتزايد من التطرف العنيف في أفريقيا بالشراكة مع منظمات الإغاثة والتنمية الدولية، منها منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ومؤسسة بيل ومليندا جيتس، والتخطيط لعدد من المبادرات في العام المقبل.
هناك التطور المحلي وهو مصدر قلق كبير. كان محمد بن سلمان في أواخر سنوات مراهقته عندما أصدر بن لادن تعليماته لأتباعه الجهاديين لشن تمرد قاتل ضد المملكة بعد أن غزت الولايات المتحدة العراق، وهو يتذكر بوضوح تلك الحلقة السوداء في التاريخ السعودي. وكان يفهم في ذلك الوقت المغزى العميق لمناورة الإرهابيين من أجل السيطرة على المدينتين المقدستين (مكة والمدينة) في الإسلام والثروة النفطية.
فشلت القاعدة، رغم أن الأمر استغرق عدة أشهر حتى يحطم رجال محمد بن نايف الانتفاضة الجهادية ببعض المساعدة من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. واندلعت اشتباكات بين أجهزة مكافحة الإرهاب السعودية والإرهابيين، وأغلبيتهم سعوديين، في العديد من المدن والمراكز الحضرية، منها العاصمة الرياض، وجدة والخبر ومكة والطائف وينبع. كان ذلك أطول وأشد صراع داخلي ضد نظام الحكم في السعودية منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة.
أخطاء سعودية
من جانبه، يوافق محمد بن سلمان على أن السعودية ارتكبت أخطاء عندما انضمت إلى الولايات المتحدة والمقاتلين الجهاديين لهزيمة الشيوعية خلال الحرب الباردة، لكن ذلك كان في السابق، حسبما قال. منذ ذلك الحين، باتت السعودية ضحية للإرهاب وحليفا رئيسيا في الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب وخصصت موارد كبيرة لتلك المهمة.
"إذا كانت الوهابية قد نشأت قبل 300 سنة، أين كان الإرهاب في ذلك الوقت، لماذا ظهر الإرهاب مؤخرا؟"
هذا صحيح طالما أن الأمر يمضي، رغم أن البلاد يمكن أن تفعل المزيد لمواجهة السرد المتطرف بشكل أكثر فعالية. أما فيما يتعلق بمساواة الوهابية بالإرهاب، صعق محمد بن سلمان من سوء فهم الأمريكان العميق لهذا الجانب من الإسلام. وجادل بأن تاريخ التشدد الإسلامية ليس لديه أي شيء يذكر بالعقيدة الدينية للسعودية، التي أسسهما محمد بن عبد الوهاب، في القرن الثامن عشر.
تساءل "إذا كانت الوهابية قد نشأت قبل 300 سنة، أين كان الإرهاب في ذلك الوقت، لماذا ظهر الإرهاب مؤخرا؟"
العلاقات السعودية-الأمريكية
وعلى أي مستوى، فإن محمد بن سليمان كان على حق بخصوص أمر واحد؛ وهو أن العلاقات الأمريكية السعودية لم تتحسن منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن. وبدا جليا أن مبالاة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونفاذ صبره مع المملكة على مدى الثماني سنوات الماضية، لم تساعد في تحسن الأمور، لكن هذا لم يكن السبب وراء التوترات.
ويتوجب على المسؤولين السعوديين أن يعبروا عن مخاوفهم من خلال الانخراط بشكل أكثر فعالية مع الادارة والشعب الأمريكي وهذا سوف يستغرق سنوات لأن السعودية لا تتوافر لديها مهارات الدبلوماسية العامة، كما أنها ليست على دراية بوسائل الاتصال الاستراتيجية، إلا أن هذه العملية يجب أن تبدأ من اليوم، وفي رأيي لا يوجد من هو أفضل من محمد بن سليمان لقيادة تلك المهمة.
ويعد محمد بن سليمان على درجة عالية من المهارة في التواصل، ويقدر قيمة الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي يعتقد في قرارة نفسه أنه ليس هناك بديل ذو مصداقية عنها. وفي حديثنا، قال انه لا يخجل من التعبير عن إيمانه القوي في قيادة الولايات المتحدة للعالم مثله مثل باقي الحلفاء وشركاء الولايات المتحدة حول العالم، على الرغم لديه مخاوف من تضاءل رغبة واشنطن للقيادة وتداعيات لا مبالاة واشنطن.
قال بن سلمان "إذا لم تقود، فهناك شخص أخر سيحتل مكانك، ليس بالضرورة أن يكون هذا الشخص أفضل منك." على عكس معظم القيادات العربية الأخرى الذين لديهم حساسية من المحاضرات الأمريكية بشكل خاص بشان الديمقراطية أو التدخل في الشؤون الداخلية بلدان أخرى، حث محمد بن سلمان واشنطن على انتقاد المملكة العربية السعودية بشكل بناء.
كان قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الذي أقره الكونجرس هو الموضوع الأكثر إثارة في الغرفة؛ (ذلك القانون الذي يسمح للأمريكيين بمقاضاة لمقاضاة الحكومة السعودية وكل الكيانات التي تسببت في إلحاق أي أضرار بسبب الهجمات الارهابية التي وقعت على الأراضي الأمريكية قبل أو بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر)، بالإضافة إلى انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
وقال محمد بن سليمان أن لديه ثقة، من المحتمل أن لا تكون مبررة، في القدرة العقلانية للمشرعين والمسؤولين الأمريكيين لإيجاد حل بخصوص "جاستا". وبالفعل فإن هناك زخم في الكابيتول هيل (الكونجرس)، بقيادة السيناتور ليندساي جراهام وجون ماكين، ويُمكن أن يتسبب هذا الزخم إلى تعديل القانون بطرق تحترم رغبات أسر ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، مع الحفاظ على المصالح الأمنية والقومية الأمريكية والعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية.
ترامب
وأضاف بن سليمان أنه في ظل رئيس ذي رؤية تجارية فإنه سيركز على الاستفادة من الفرص الاقتصادية الرئيسية في رؤيته الاقتصادية ل2030 لاقحام الولايات المتحدة في التغييرات التي ستحدث في السعودية، لكنه لفت إلى أنه يرغب في خوض بداية جديدة بشأن الحوار الاستراتيجي الثنائي، والذي تم قطعه خلال سنوات حكم أوباما لسبب لازال غير واضح.
يرغب بن سلمان في استئناف الحوار الاستراتيجي بين السعودية والولايات المتحدة بعد توقفه خلال حكم أوباما
من الممكن ان يكون ترامب ورقة رابحة لإجراء مثل هذه الحوار، على الرغم من أنه أعلنها واضحة بأنه يتوقع المزيد من حلفاء أمريكا وشركائها حول العالم بخصوص الاسهامات الأمنية. وسواء استطاعت السعودية أن تحقق تلك الأهداف بشكل يرضي إدراة ترامب، أم لا؛ فإن الأمر برمته يعود لسليمان وزملائه.
إن على ترامب أن يسيطر بحكمة على صعود نجم محمد بن سليمان؛ فيجب على إدارته أن تدرك التنامي المتزايد لتأثير الأمير الصغير، ليس في السعودية فقط، لكن على صعيد السياسات العربية والإقليمية. ويجب عليهم كذلك اغتنام الفرصة لتشكيل وجهات نظره، وأن يعطوه نصائح في وقت يحتاجها بشدة، وعمل تأثير إيجابي بخصوص القضايا الحيوية التي يتحكم بها. إلا أن واشنطن قد تكون أكثر ذكاءً، بحيث لا تطوي السجادة الحمراء أمام محمد بن سليمان الأن، لأن هذا سيعد مجازفة بالعلاقات الممتازة مع الأمير السعودي الذين تعد مهامه في مكافحة الارهاب أمرًا أساسيا للولايات المتحدة.
تحديات في الطريق
وعلى الرغم من أن أتباعه يرونه بطلًا، إلا أنه قد يواجه عدة تحديات خطيرة أثناء رحلته لتغيير السعودية، فأي تلك العوامل – من الاستراتيجية وقدرة الدولة والنظام المالي إلى الحرب والفوضى الإقليمية - يمكن أن تعرقل العملية برمتها .حينها يتمثل اختبار محمد بن سليمان في قدرته على تسويق خطته الاصلاحية لنوعين من الجماهير وحشد الدعم لها:
النوع الأول من الجمهور هو الشعب السعودي، والذي يعاني معظمه من نفور كبير من المخاطر المحتملة أو الخوف من فكرة التغيير، لذا يجب محمد بن سليمان أن يتعامل مع التناقض الهائل بين سرعة اصلاحاته الرائدة والطبيعة المحافظة للمجتمع السعودي.
أما النوع الثاني من الجمهور، فهو الولايات المتحدة، ودورها في هذا المشروع الإحيائي لا غنى عنه، بالنظر إلى قدرتها التي لا مثيل لها على توفير الأمن المادي والمعرفة التقنية وقدرة الدولة والاستثمار للسعوديين.
ومع وجود عدد من الحسابات ذات المصداقية، فإنه من المتوقع أن يبدأ محمد بن سليمان بانطلاقة قوية، إلا أن التعقيدات التي سيواجهها بسبب مبادرته الاصلاحية سوف تتطلب أمور أخرى مثل الصبر والتواضع. فالمسيرة في اتجاه التغيير في المملكة ليس بالأمر الاختياري؛ إنه أمر حتمي يجب أن يحدث بمحمد بن سلمان أو بدونه. قيد يكون بن سلمان قائد الأوركسترا، لكن حتى تعزف الموسيقى لابد أن تؤدي الأوركسترا السعودية بأكملها.
للإطلاع على النص الأصلي للموضوع.. اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.