تعددت الظروف والنتيجة واحدة، وهي خروجهن للعمل من أجل إعالة أبنائهن، فلم تعطي لهن ظروف الحياة القاسية فرصة لحياة كريمة، بل اضطرتهن إلى نسيان أنهن سيدات ولهن حقوق، وأن لهن عيدًا اليوم يحتفل به الجميع، حيث تقدم لهن هدايا من قبل الأبناء، لكن مسؤوليتهم كعائل للأسرة منعت عنهم جميع مظاهر الترفيه في الحياة، وأصبحوا لا يفكرن سوى في كيفية جمع ولو القليل من المال من أجل تلبية طلبات الأبناء. زينب: لا وقت للاحتفال.. إعالة 16 شخصًا أهم عند مرورك بشارع المنشية وسط محافظة الأقصر، تسمعها تنادي "العيش البلدي الطازج" تظل طوال اليوم على هذا الحال، وجه تبدو عليه ملامح الشقاء، وأيادٍ تناست أنها أنثى منذ 30 عامًا، بعد أن اضطرتها الظروف للخروج للعمل بحثًا عن لقمة عيش. زينب أحمد، البالغة من العمر 70 عامًا تبيع العيش البلدي وأنواع من الخضار، إذ أنها العائل الوحيد ل 16 شخصًا، تركها زوجها منذ أن كان عمرها 40 عامًا ومعها 4 بنات، دون أن يوفر لهن أي نفقات. تخرج زينب في الصباح الباكر من منزلها بنجع الخضيرات والمكون من غرفتين وصالة، والذي يبعد عن المدينة بمسافة 4 كيلومترات تقريبًا، إذ أصيبت بضعف النظر مع تقدم سنها لكنها لا تستطيع ترك العمل. فبعد أن تزوجت بناتها عُدن 3 إليها مرة أخرى بعد طلاقهن، لكن بعدد مضاعف من الأبناء، ليكون إجمالي من تعولهم 16 شخصًا، منهم من هو بالتعليم بمراحل مختلفة، ولكل منهم متطلباته الخاصة، ومن أنهى تعليمه لا يجد عملًا، ولا تتقاضى من الشؤون سوى مبلغ 350 جنيهًا، دون أي اهتمام من المحافظة. تتعرض زينب لحملات مرافق متكررة، والتي تأتي بين الحين والآخر لإزالة بحجة أنها مخالفة وتستغل جزءًا من شارع رئيسي، رغم أنها لا تمتلك أي مصدر رزق آخر، لذا تطالب بعدم التعرض لها، أو توفير البديل. وعن عيد الأم تقول زينب: "أعرف عيد الأم إزاي، وأنا كل يوم بصحى وكل همي إن اليوم يعدي على خير، وأرجع بمبلغ أقدر أجيب بيه غداء وعشاء للعيال، وأوفر المصاريف، حتى زمان محدش كان بيجبلي هدية من بناتي، عشان ظروفنا صعبة". نوسة دوكو.. الزوجة والأم والعائل عمرها لم يتجاوز ال 48 عامًا، وهي أم لثلاث أبناء، أصيب زوجها بمرض التليف الكبدي، والذي كان يعمل في طلاء ودهان السيارات، فلم تجد أمامها سوى تعلم تلك المهنة. أمينة جابر معوض، 48 عامًا، تقيم بقرية الدير بمركز إسنا جنوبي محافظة الأقصر، كان يعمل زوجها بورشة دوكو خاصة به لدهان وطلاء السيارات، لكنه أصيب بمرض التليف الكبدى والذى يتطلب علاجه الكثير، وكانت الورشة هى مصدر الرزق الوحيد للأسرة. اضطرت نوسة إلى تعلم مهنة طلاء السيارات من زوجها إلى أن أتقنتها وأطلق عليها "الأسطى نوسة"، رغم صعوبة المهنة على السيدات، من استخدام آلات حادة لتقطيع اللحام، إلا أنها تعلمتها وأعادت الورشة للعمل وأصبحت تطلب بالاسم. تقول نوسة إنها لم تضع في اعتبارها نظرة الناس، بل رأت أنها زوجة وأم، ولابد من مساندة زوجها، ورعاية أبنائها، وهم بمراحل التعليم المختلفة، الأكبر والبنت الوسطى منهم في الصف الثالث الإعدادي الأزهري، والأصغر في الصف الأول الإعدادي. جيهان: تجهيز ابنتي أولى من فرحة عيد الأم تزوجت وعمرها 17 عامًا، وأنجبت 4 أطفال "2 من البنات، 2 ولاد"، لكن تركها زوجها دون حتى مأوى أو نفقات، اضطرت إلى بيع ما تملكه من ذهب لتشتري به خردوات لتنفق على أبناءها. جيهان محمد عثمان، البالغة من العمر 40 عامًا، تقيم بمنطقة أبو الجود بالأقصر، تفترش الأرض على ناصية أول شارع السوق القديم، وتظل طوال النهار لتجني بعض الجنيهات لتعود بهم إلى أبنائها. تتاجر جيهان في الخردوات، والتي كانت مهنة أبيها، لكنها لا تمتلك محلًا، إذ خرجت للشارع بحثًا عن العمل بعد طلاقها منذ 8 سنوات، لتنفق على أبنائها والذين لم يترك لهم والدهم شيئًا ينفقون منه ولا يوفر لهم حتى مبالغ شهرية، ولا مأوى حيث كانوا يقيمون بعد زواجهم بمنزل أسرته ولكن بعد الطلاق لم يتحملوها، وتقيم الآن مع أبنائها في غرفة وصالة بمنزل والدتها. لم تكمل جيهان تعليمها بسبب ظروف والدها المادية، فهي لم تحصل سوى على الشهادة الابتدائية، ما تسبب في صعوبة الحصول على فرصة عمل بعد طلاقها، ولم تكن تعرف كيف ستنفق على أبنائها دون حصولها على شهادة دراسية عالية، لذا اضطررت لبيع ما تملك من الذهب لشراء أدوات لبيعها بالسوق. تقول جيهان إن زوجها أو حتى أحد من أهلها لم يساندوها لكي تربي أبناءها، لتتعامل بمفردها مع التجار في السوق إلى أن اعتادت ذلك، واستطاعت مواجهة المضايقات بالسوق سواء من الباعة أو من العاملين. ما تجنيه جيهان من عملها ليس بالكثير، لكنه يمكن أن يكفي فقط المأكل والملبس، حتى أبناءها لم يكملوا تعليمهم لضيق الحال، فهي لم تستطع الإنفاق على تعليمهم بعد المرحلة الابتدائية، لكن البنات يتقدمون أشخاص لخطبتهما، وافقت على زواج أحدهما، لكنها لا تستطيع تجهيزها حتى الآن، ووالدها لم يسأل عنهم بعد الطلاق. وتستطرد جيهان قائلة: "كل تفكيري الآن كيف أزوج ابنتي والتي من المفترض تزويجها بعد 3 أشهر، لكن لضيق الحال لا أعرف كيف أجهزها، حيث أن "خطيب" ابنتها سينهي الزواج إذا لم يتم خلال تلك الفترة، مشيرة إلى أنه تم تأجيله كثيرًا قبل ذلك لصعوبة الظروف المادية، مردفة أن كل ذلك لا يجعلها تتذكر عيد الأم.