وقد أنشأت لهذا السبب مؤسسات متخصصة وشركات طبية للتنسيق بين الراغبين والراغبات في إجراء هذه العملية ووفرت لهم أرحام النساء، على غرار شركة ستوركس الأمريكية. وإزاء هذه النازلة أسهب فقهاء العصر في سرد أدلة التحريم انطلاقا من قوله سبحانه: {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ} وغير تلك الآية من الأدلة القرآنية والسنة النبوية المطهرة. وغالبا ما تنحصر الأسباب المؤدية لهذا الإجراء في النقاط التالية: 1 أن تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لعلة في رحمها، ولكن مبيضها سليم منتج. 2 أو تكون غير راغبة في الحمل ترفهاً منها، أو خوفا من آلام الحمل والمخاض، وقد بدأ هذا الأمر ينتشر حاليا في طبقة الأثرياء في أوربا وبعض البلاد العربية. 3 عند استئصال رحم المرأة بسبب مرض من الأمراض والمبيض منتج. 4 وفاة الجنين المتكررة أو الإجهاض المتكرر مع كون المبيض سليما. وقد بدأ الأمر في الظهور قبل عقد من الزمان في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وسنغافورة وكندا وبعض الدول الأوربية، لكنه بدأ في هذه الآونة في التسلل إلى بعض الدول العربية والإسلامية بشكل علني وصريح سواء في صورة إعلانات تطلب نساء مستعدات لتأجير أرحامهن، أو نساء يعلن عن استعدادهن للتأجير لصالح الغير، كما دخل الأمر إلى حيز الإعلانات على شبكة الإنترنت بعروض مغرية. مذاهب العلماء: أصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العلم الإسلامي قرارًا في دورته الخامسة سنة 1402ه بتحريم هذا الأسلوب من أساليب الإخصاب ونقل الأجنة، كذلك أفتى علماء مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بالتحريم عام 1407ه. وذلك لقول الحق - تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وبالآية دلالة واضحة على حرمة تأجير الأرحام، لأن حفظ الفروج مطلق يشمل حفظه عن فرج الآخر أو عن مائه، أو ما دخل فيه ماؤه (اللقيمة) والمخاطب هنا يشمل الرجال والنساء على حد سواء. ويؤيد هذا القول من الأطباء والمتخصصين نخبة من أستاتذة طب النساء والتوليد في عدد من الجامعات العربية على رأسهم: د. أحمد التاجي أستاذ طب النساء والتوليد في جامعة الأزهر. د. إكرام عبد السلام: أستاذة طب الأطفال ورئيسة وحدة الوراثة في جامعة القاهرة. د. جمال أبو السرور: أستاذ النساء والتوليد، وعميد طب الأزهر. أ .د. محمد فياض: رئيس الجمعية المصرية للخصوبة والعقم ورئيس الجمعية الأفريقية لصحة الأم. كذلك بعض القانونيين مثل د. حمدي عبد الرحمن: أستاذ القانون بجامعة عين شمس، د. مصطفى فرغلي الشقيري: رئيس محكمة استئناف القاهرة. وقد قدمت الدكتورة هند الخولي بحثًا إلى كلية الشريعة بجامعة دمشق تحت عنوان "تأجير الأرحام في الفقه الإسلامي" سردت فيه أدلة القائلين بالمنع والتحريم، كما أوردت حجج القائلين بالجواز والتي كانت على النحو التالي:- القائلون بالجواز: يرى القائلون بجواز تأجير الأرحام أن ذلك سيحل كثيرًا من مشكلات الأمهات العقيمات، أو اللواتي أجرين عملية استئصال للرحم، وبذلك يحافظ على ترابط آلاف الأسر المهددة بالتفكك بسبب عدم الإنجاب، ومع ذلك اشترطوا شروطًا أربعة لعملية نقل اللقيحة إلى أم بديلة: - تجري الأم البديلة الفحوصات اللازمة للتأكد من سلامتها صحيا. - وضع الأم البديلة تحت ملاحظة مستمرة وكاملة خلال مدة الحمل وتبقى تحت تصرف الطبيب المعالج. - تكون الأم المستأجرة في سن مناسبة للحمل وتقر بألا تتزوج إذا كانت أرملة أو عزباء، أو تمتنع عن زوجها (إذا كانت ذات زوج) في أثناء مدة الحمل حتى تضع المولود. - تقر الأم البديلة أن تحتضن البويضة الملقحة طيلة الحمل ، وأن تراعي عدم القيام بأي مجهود يؤثر سلبا في الحمل. - تقر الأم البديلة أن من تضعه سيكون ابنا لكلٍ من: (فلان) و(فلانة) وأنه ليس لها الحق في المطالبة بأي شيء خاص به، وليس لها أية حقوق مادية أو معنوية سوى (المقابل المادي المتفق عليه). وقد تبنى هذا الرأي الدكتور عبد المعطي بيومي (عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والعميد الأسبق لكلية أصول الدين)، وقد أيده من الأطباء د. إسماعيل برادة أستاذ طب النساء بجامعات الولاياتالمتحدة. المفاسد المتحققة: اختلاط الأنساب، فمن المحتمل أن تحمل الأم البديلة حملا طبيعيا من رجل آخر، وقد حصل هذا فعلا في ألمانيا حيث تبين بالفحص أن اللقيحة التي زرعت في رحم مستعار لم تعلق وإنما حملت تلك المرأة حملا طبيعيا من زوجها واضطرت إلى التنازل عن المولود بسبب استلامها مبلغ 8 آلاف دولار. الطب يؤكد انتقال صفات وراثية إلى الجنين في مدة الحمل فضلا عن الصفات التي يكتسبها من تلقيح ماء أبويه مما يؤدي إلى اختلاط الأنساب حتما. لم يتعرض المجيزون لما سيترتب على التأجير من الأمور، كحرمة الإخوة من الأم البديلة مثلا، فبالقياس سوف يترتب على تأجير الرحم أكثر مما يترتب على مسألة تأجير الثدي في الرضاع، فما يفرزه من لبن زمن الرضاعة ينبت اللحم وينشز، في حين أن الرحم يعطي من دم المرأة وغذائها خلاصة أشد نقاء مما تعطيه المرضع. وبعد هذا العرض الموجز للمسألة يتبين للقارئ أن الأقرب للصواب في مسألة تأجير الأرحام هو ما ذهب إليه جمهور العلماء المعاصرون، وقررته المجامع الفقهية من تحريم تأجير الأرحام بمختلف صورها، وذلك لقوة أدلة الجمهور في المنع وعدم قيام معارض يقوى على ردها فضلا عن ضعف أدلة القائلين بالجواز.