دعاء الفولي ونوريهان سيف الدين: مدخل محطة كان منذ شهرين تقريبًا يعج بالمارة والركاب والباعة الجائلين، أصبح اليوم "خاليًا تمامًا"، مما دفع أحدهم ممن لا يجد مسكنًا، أن يتخذ المدخل الهادئ مكانًا آمنًا للنوم، بينما خطوات قليلة تمر بالقرب منه، يعبر فيها المارة من ناحية لأخرى عبر "سلالم" محطة مترو الجيزة. مضى أكثر من شهر من الزمان، منذ أن توقف أخر مترو أنفاق بمحطة "الجيزة"، وذلك قبل إغلاقها عقب فض اعتصامي "رابعة والنهضة"، وحدوث مناوشات مؤخرًا داخل المحطة بين الشرطة وبعض المتظاهرين، قامت على إثرها السلطات بإغلاقها، ومنذ ذلك الحين اختلف كل شيء؛ حال الشارع والباعة الجائلين العاملين به وحال المحلات، وحال سائقي الميكروباصات الذين كانوا الأكثر تأثرًا. "محمد الفلسطيني"، أحد السائقين بموقف الجيزة، قال إنه بعد إغلاق المحطة والوضع أصبح أصعب كثيرًا "إحنا شغالين اليوم بيومه على قد حالنا، والحال لما بيقف بيقف على كل الناس"، أما صديقه "وائل" وقف مستندًا إلى سيارته التي يعمل عليها، منتظرًا أن تمتليء بالزبائن كي يذهب بها لمحطة المترو التالية "ضواحي الجيزة"، كي ينقل الزبائن الذين تقتضي مصالحهم التحرك بالمترو، ولكي يخفف نسبة خروجه إلى شارع الهرم الذي أصبح لا يُطاق، على حد قوله. ''رزقنا واقف''.. عبارة قالها ''وائل'' ليعبر بها عن حاله منذ إغلاق المحطة ''بقالهم أسبوع كل يوم يقولولنا هنفتحها بكرة، وسمعنا قبل كده إنها هتتفتح في المدراس''، وخاصة أن السيارات الموجودة بجانب المحطة هي بداخل موقف مخصص لها، وهو يخضع لرسم تُدفع للمسئولين عن هذا الموقف من السائقين أو ما يطلق عليه ''كارتة''، وتختلف قيمتها؛ فتبدأ من جنيه على كل ''فردة'' أو تزيد أحيانًا. ''جنيه واحد'' هو ثمن الأجرة التي يدفعها الراكب في المسافة بين محطة الجيزة وضواحي الجيزة، ورغم تقارب المسافتين إلا أن ''الزباين زعلانة من الأجرة بس هنعمل إيه، الأجرة لما كان المترو مفتوح كانت جنيه ونص للفرد لحد شارع الهرم، لكن دلوقتي إحنا شغالين على نقل الناس لمحطة ضواحي الجيزة''، طبقا لكلام ''وائل''. ''أنا بحط بنزين 92 في العربية، مقدرش أحط 80، لازم أمون العربية''.. قالها ''وائل'' عن تضرره وزملائه، كما أنهم ''الدور بتاعنا كان بياخد ربع ساعة عشان العربية تتملي، دلوقتي لازم أقف ساعة إلا ربع لحد ما ألاقي زباين''، ومع اقتراب موسم الأعياد أصبح الوضع أكثر بعثًا على الخوف ''كنا في الأعياد بناخد الناس من المترو نوديهم الأهرامات أو نوديهم جنينة الحيوانات''. لم يختلف حال ''مصطفى'' الذي لا يمتلك سوى ميزانًا يقف به إلى جانب المحطة يتكسب منه الرزق، ومنذ أن أصبح الحال كذلك لم يعد يبالي سوى بأن يعود لأهله ليلاً يمتلك نقودًا؛ حيث جلس على الرصيف يأكل بعض قطع الخبز التي قال عنها ''أهو باكل بقسماط من الفرن من غير ما أدفع فلوسه حتى''، فهو يرى أن ''أيام مرسي ومبارك كانت أحسن، على الأقل كنا بنلاقي أكل''، حسب قوله. في "كشك" صغير أسفل سلم المحطة المغلقة جلس "محمد" يسمع الراديو ليضيع الوقت حتى يستلم زميله العمل؛ فمنذ إغلاق المحطة، أصبحت نسبة البيع لا تتعدى الربع مقارنة بالحال عندما كانت مفتوحة. "كنا بنبيع في اليوم تقريبًا بحوالي 2500 جنيه، مع إن الكشك يبان صغير لكن الحمد لله لأننا جنب المترو كنا ماشيين كويس".. هكذا وصف "محمد" الحالة قبل أن تصبح مبيعات الكشك الآن لا تتعدى ال400 جنيه، حتى أن بعض الأكشاك الأخرى القريبة من المحطة اضطرت إلى التصفية، وهذا ما قد يؤول إليه الكشك الذي يعمل به "محمد" إذا استمر الحال هكذا. الأمل في إعادة فتح المحطة هو ما جعل الشاب السوهاجي يأتي من "جرجا" بعد أسبوعين من إغلاقها على أمل أن العمل سيعود كسابقه، لكن الأمر استمر على ذلك ولم يستطيع "محمد" أن يعرف شيئًا عما سيحدث في الأيام القادمة، رغم أن "ناظر المحطة ساعات كان ييجي يقولنا بكرة أو حد مسئول وفي الآخر مبتتفتحش". لم يكن ضرر إغلاق المترو هو الوحيد الواقع على محل "محمد" فهو "أنا باجي من سوهاج وبروح كل أسبوع، كنت بدفع في القطر لسوهاج 19 جنيه، ولو عايز أركب مكيف بدفع 38 جنيه، دلوقتي بدفع لسواقين الميكروباص حوالي 120 جنيه أو أكتر، لإن السواقين عارفين إن الناس مضطرة فبيستغلوا". "تجارة إنجليزي"، "حقوق" وغيرها من المؤهلات العالية؛ أصحابها جميعًا سواء "محمد" أو غيره جاءوا من الصعيد ليعملوا حول المحطة في أشغال مختلفة، ورغم تدني المهن لحد ما مقارنة بشهاداتهم، إلا أن ضيق الرزق منذ أكثر من شهر جعل الأمر أكثر ضيقا؛ وهذا ما يشعر به الشاب العشريني "إحنا قولنا مفيش وظايف ورضينا عشان حالة البلد، مع إن شهاداتنا عالية، لكن كمان بعد كل دة نيجي منلاقيش رزق كويس؟!". "شادر" مساحته متوسطة، جلس بداخله رجل خمسيني وحوله قطع اللحم المتدلية من سقف "الشادر"، لا يعنيه شيء إلا أن يحذر القادم أن المترو لا يعمل، خاصة وأن حالات السرقة تحدث داخل المحطة المظلمة أحيانًا، عندما يخطوها من لا يعلم إغلاقها. "أحمد"، جزار، فتح محله بجوار المترو عام 2010، لعلمه أن الموظفين هم أكثر من يشتري اللحم، وقد كانوا بالفعل قبل 45 يومًا "أنا بناشد المسئولين، محافظ الجيزة ورئيس المحطة ووزير الدفاع، في أطفال بتروح المدارس وفيه موظفين".. هكذا بدأ "أحمد" حديثه آملا أن تحدث استجابة "إحنا مبنبيعش، مش كفاية إن حاجات الشادر اتسرقت وقت الثورة، إحنا عايزين ناكل ونأكل عيالنا"، خاصة مع اقتراب موسم عيد الأضحى. المظاهرات والسياسة بل والثورة نفسها أمور لا تعني "أحمد"؛ فيقول "إحنا لا لينا دعوة بثورة ولا لينا دعوه بغيره، إحنا عايزين نربي عيالنا كويس.. حالنا واقف".