كلاهما كان على الجبهة في نفس الوقت، ولكن كلاهما كان يقف ضد الآخر؛ فالأول مهندس التحق بالعسكرية المصرية لإعادة بناء الجيش، والعبور به من الهزيمة للنصر واسترداد سيناء، والثاني قادم من "عصابات الهاجاناة"، وأصبح "وزيرًا للدفاع" ومحرك للجنود لاحتلال نفس الأرض "أرض الفيروز". "موشيه ديان".. العسكري ووزير الدفاع الإسرائيلي وقت حرب أكتوبر 1973، والمولود في 20 مايو (1915)، وهو نفس اليوم الذي ولد فيه العسكري المصري المهندس "أحمد حمدي" لكن في عام 1929"، "صاحب الأيادي البيضاء" ومحطم اسطورة دفاعات جيش إسرائيل الذي لا يقهر.
الأول: الشهيد لواء مهندس أركان حرب "أحمد حمدي".. ذو الأيادي البيضاء
تخرج "حمدي" من كلية الهندسة بجامعة القاهرة "قسم الميكانيكا"، والتحق بالقوات الجوية عام 1951، ومنها إلى "سلاح المهندسين" عام 1954، ليحصل على "دورة القادة والأركان" من الاتحاد السوفيتي بدرجة "امتياز"، وشارك بنفسه أثناء "العدوان الثلاثي" على مصر، وقام بعملية فدائية و يفجر بنفسه "كوبري الفردان" حتى لا يعبر من فوقه قوات العدو، ولهذا السبب أطلق عليه الجنود "صاحب الأيادي البيضاء".
تولى "أحمد حمدي" قيادة لواء المهندسين بالجيش الثاني الميداني، وتم إعداد وتنفيذ "لواء الكباري" تحت إشرافه لعبور الجيش الثالث، وعمل على تطوير الأسلحة الروسية لتناسب طبيعة العمل على جبهة القناة وطبيعة ساحة الحرب في سيناء، وكانت المشكلة أمامه "الساتر الترابي وحاجز قناة السويس المائي وخزانات النابالم"، وتغلب "مهندس الحرب" على مشكلة الساتر الترابي باستخدام "اندفاع المياه" لفتح ثغرات في ذلك الجدار ومن ثم عبور "الدبابات البرمائية" لحين إقامة "الجسر العائم"، بعد أن قامت العناصر المصرية طيلة حرب الاستنزاف بسد فتحات "النابالم" باستخدام "الخرسانة" لتعطيل اندفاع الوقود على سطح القناة.
وعلى طريقة "وجدتها وجدتها"، صاح المهندس حمدي: "ربنا حط المشكلة وجنبها الحل"، وعلى الفور، طالب "حمدي" بتوفير "طلمبات ضغط عالي" وخراطيم استخدمت مياه القناة في عملها، ونفذت الخطة "بأقل مجهود" صدم العالم في "أسطورة بارليف الحصين"، وآراء المدارس العسكرية باحتياجه "قنبلة ذرية" لتدميره.
ووصف "مناحيم بيجن"، رئيس وزراء إسرائيل وقت حرب أكتوبر، مآساة بارليف"، وقال : " لقد خدعنا "بارليف" بأسطورة "الحصن المنيع"، لقد كان الساتر مثل "قطعة الجبن" فيها ثقوب أكثر من الجبنة ذاتها".
وفي يوم 14 أكتوبر، وأثناء مشاركته في إنشاء كوبري العبور تحت قصف جوي شديد، يصاب "أحمد حمدي" بشظية متطايرة ويسقط وسط جنوده، ويمنح بعد استشهاده "وسام نجمة سيناء" من الطبقة الأولى، وهو أعلى وسام عسكري، واختير يوم استشهاده ليكون "يوم المهندس"، وفي 1980 أطلق "السادات" اسمه على أول نفق يربط آسيا بأفريقيا ويصل جسد مصر بقلبها سيناء"نفق الشهيد أحمد حمدي".
أما الثاني فهو "موشيه ديان" عسكري وسياسي إسرائيلي.. ذو العصابة السوداء
ولد "موشيه صمويل ديان" لأبوين مهاجرين من أوكرانيا في "ديجانيا – إحدى المدن الفلسطينيةالمحتلة"، وقت كانت فلسطين تحت السيادة العثمانية، ونشأ في مستوطنة "ناهال/نحال"، وبعد عامين من مولده وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني.
في سن ال15 التحق "ديان" بميليشيات "الهاجاناة - أحد العصابات المسلحة الصهيونية"، وكانت وقتها محظور نشاطها بعد الانتداب على فلسطين لنشاطها الإرهابي في تصفية المقاومين، وألقت قوات الانتداب القبض عليه، وأفرج عنه بعد تعاون "الهاجاناة" مع القوات البريطانية ضد قوات "المحور"، بعد أن قضى عامين في السجن.
شارك "ديان" في أغلب الحروب الصهيونية ضد العرب، وفقد عينه اليسرى أثناء قتاله ضد المحور في سوريا، وكان قائدًا للقوات التي احتلت "اللد" سنة 1948، وحظى على إعجاب أول رئيس لإسرائيل "ديفيد بن جوريون"، واختاره هو ورفيقه "شمعون بيرتس" لحراسته الشخصية، وظل يترقى في المناصب العسكرية حتى وصل لمنصب "رئيس أركان جيش إسرائيل 1959".
بعد العدوان الثلاثي، تقاعد "جنرال ديان" مؤقتًا، وانخرط بالسلك السياسي والحزبي داخل إسرائيل، فانضم لحزب "مابي" اليساري الذي كان يترأسه "بن جوريون"، وتقلد منصب وزير الزراعة حتى 1964، وعلى الرغم من مجيئ "ليفي أشكول" على رأس الوزارة في إسرائيل والاختلاف بينه وبين "ديان"، إلا أنه رأى في "ديان" الرجل المناسب في القضاء على العرب بعد "حرب الأيام الستة – يونيو 67"، وحمل حقيبة وزارة الدفاع.
يرحل "أشكول" وتأتي "العمة جولدا مائير" 1969، وتسخر جهود إسرائيل كلها لصالح الحرب في جبهات "سيناء والجولان والضفة" بالإضافة لفلسطين، خاصة وأن "القدس" احتلت أثناء "نكسة يونيو".
تطرح أمام "ديان " خيارات البدء بالحرب على العرب، إلا أنه يرفض هذا الخيار، ويرى في "جيشه الذي لا يقهر" القدرة على صد أي هجوم، لكنه لا يحبذ البدء بالهجوم، خاصة مع إنهاك قواته في جبهة سيناء بسبب "حرب الاستنزاف".
6 أكتوبر 1973.. بداية النهاية للقائد العسكري "موشيه ديان"، وتأزم الوضع بينه وبين "مائير" بعد حديثه عن عدم استبعاده لاستخدام إسرائيل لأسلحة دمار شامل لتدارك الأوضاع بعد التقدم العسكري العربي حينها، يعفى القائد من منصبه بعد صدور تقارير لجنة الحرب وتحميله مسئولية تكبد الجيش الإسرائيلي لخسائر فادحة قبل قرار وقف القتال، وتخرج مظاهرات في إسرائيل لا تهدأ إلا باستقالة "مائير وديان" لينتهي دورهما للأبد، ويظل بعيدًا عن العمل العسكري حتى وفاته ب"تل أبيب" في 16 أكتوبر 1981 متأثرًا بسرطان القولون، ويدفن في مسقط رأسه ب"ناهال".