ربما تعتبرهما مجرد طفلان آخران من أطفال الشوارع الذين تراهم في كل مكان فيثيرون في نفسك الشفقة؛ لكن الحقيقة أن كل منهم قصة لم تُحكى بعد؛ فهذا فقد والديه فاضطر للنزول إلى الشارع ليعمل، وذلك طفل أخر هرب من بيته لسبب ما ولم يكمل تعليمه لعدم قدرة أهله على استيعاب المصاريف الدراسية . وبالقرب من قصر الاتحادية بمصر الجديدة وأمام السلك الشائك الذي وقف خلفه الحرس الجمهوري على مسافات متقاربة؛ كان ''أحمد'' - أحد هؤلاء الأطفال - يمسك بقطعة ''حديد'' يلعب بها مع السلك الشائك، ناظراً إلى هؤلاء الجنود ومن خلفهم القصر الرئاسي. ''أحمد'' ترك التعليم بمجرد تركه لمنزله بعد وفاة والده وزواج أمه؛ فأصبح الشارع بيتاً له منذ عامين، ومع الثورة أصبح ل''أحمد'' مهمة تشغل يومه مع ''أخواته'' في الشارع، وأصبح ''ميدان التحرير''، والتواجد وسط المتظاهرين أفضل ما حصل عليه . 13 عاماً هى كل عمر'' أحمد''؛ ذلك الطفل صاحب البشرة السمراء الذي كان يتمنى أن يكمل تعليمه '' كنت عايز طبعاً بس الظروف بقى التعليم محتاج مصاريف''، يحدثك دون خوف وإن كان به من الحياء الذي يبدو في عينيه لطلب شيء، والذي في أعظم الأحوال لا يزيد عن تناول ''حاجة تسد الجوع'' . فرحة الدنيا تظهر عليه عند الحديث عن ذلك اليوم الذي امتلك فيه 10 جنيهات؛ فاشترى مع أخوته '' سندويتشات بسطرمة وجبنة وعصير مانجة وكوكتيل''، ''أحمد'' لا يبالي لما يقوله عنه المارة بالشارع، فمن ألِف المبيت على ''أسفلت الطريق'' لا يخاف كلمات السائرين عليه. يبادرك بكلمات واثقة عن سبب نزوله منذ الثورة بين المتظاهرين '' نزلت عشان حقي المفروض نطالب بحقنا ومحدش يضرب حد''؛ شاهد إطلاق النار والكر والفر بل أيضاً تعرض للإصابه، حتى أنه يحمل طلقات الرصاص الفارغة بعد إطلاقها يعرضها على ''أخواته'' فيتجادلوا إذا كانت خرطوش أم حي. لا يختلف '' أحمد'' عن من بسنه في حبه لكرة القدم؛ فهو يحب النادي الأهلى لكن أيضاً يحب الزمالك ''عشان شيكابالا''، وإذا توافر المال يذهب إلى ''السايبر''؛ فهو يدخل على النت ''عندي ايميل وبقعد على الفيس بوك'' . ''قبل ما أدخل بتشاهد''.. هذا كل ما يفعله ''أحمد'' ويهمس به لنفسه في هدوء أثناء تواجده بجميع الأحداث التي جرت بعد الثورة انتهاءاً ب''موقعة الاتحادية''، بخلاف يقينه أنه ''لو حصل ضرب نار، والله كله هيجري ودول هم اللي هيقفوا''، مشيراً إلى أخواته في الشارع. وربما يجد في المظاهرات حصاد لشيء من ذلك الحق الذي يردده بكثرة '' مكنتش لاقي لقمة العيش؛ فالقنابل اللي كانت بتترمي دي كنت باخدها وأروح أبيعها واجيب بيها مناديل أبيعها وفي يوم بعت ب50 جنيه''. تنتقل نظرات ''أحمد'' الذي يحفظ أغاني الثورة بين الأسلاك الشائكة والقصر الرئاسي الذي تفصله الأولى عنه، أثناء حديثه عن أنه '' بيدور على جمعية أقعد فيها'' بعد تركه لتلك الجمعية ولم يمر أسبوعين على تواجده فيها لأنها ''وحشة''، وكذلك مطالبه ممن يتواجد داخل القصر والتي لا تخرج عن '' يجيب لنا حتة شقة نقعد فيها وناكل، ده في ناس عايشة عيشة حلوة وناس عايشة عيشة وحشة وربنا العالم بدول كلهم ''. من ''أحمد'' إلى صديقه ورفيقه في الشارع ''أحمد سالم''؛ حيث أن '' الأحمدين'' ظروفهما شبة متطابقة مع بعض الاختلافات البسيطة؛ حيث أن ''سالم'' خرج من المدرسة أيضا، ولم يستقر ببيته مع والدته وزوجها بمنطقة الإمام الشافعي بالسيدة زينب؛ فأصبح يذهب للبيت من الحين للآخر دون خوف من أن يعاقبه أحد لأن والدته على حد قوله ''مش فارق معاها''. خروج الطفل الذي يربض أمام قصر الاتحادية من التعليم بعد المرحلة الإبتدائية لم يمنعه من الحلم؛ حيث أنه '' عايز أطلع ظابط عشان أبقى زي الباشا اللي واقف ده، محدش يقدر يعمله حاجة أبدا''.. قالها ''سالم'' ذلك مشيراً لأحد ظباط الحرس الجمهوري الموجودين خلف السلك الشائك. وجود ''سالم'' وزملاؤه في كل هذه الأحداث والأماكن التي يعتبرها البعض مناطق حرب، جعله يرى الأحداث الأخيرة في ''الاتحادية '' من منظور سياسي؛ فيرى أن '' مرسي مش بيراضي الشعب زي ما بيراضي الإخوان، إحنا عايزينه بس يراضينا، ولو معملش اللي الناس عايزاه يبقى يمشي أحسن''. ''سالم'' قصته تشبه كثيراً قصة أي طفل أخر يعيش معظم حياته في الشارع؛ فبعد هروبه من مؤسسة الرعاية التي ترعرع داخلها، قرر أن يعمل ''نجّار'' لفترة ما، ثم يترك العمل ويتنقّل لآخر، إلا أن تواجده في أماكن الهتافات والمناوشات مع صديقه ''أحمد'' أصبح شيء طبيعي حتى أصبحت كلمة ''ثورجي'' هي الأقرب لوصفهما. للتعرف على لجنتك الانتخابية .. اضغط هنا عبر الموبايل .. اضغط هنا