تباينت الصحف البريطانية في الموقف من مسألة فرض منطقة حظر جوي على ليبيا، لكنها تتفق على وصف وضع المعارضة المسلحة الميداني ب الحرج . ترى الجارديان في افتتاحيتها أن فرض منطقة حظر جوي على ليبيا لا يخدم سوى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي. فالحظر الجوي لن يشمل المروحيات العسكرية الأشد فتكا، كما لن يعيق حركة الآليات العسكرية الثقيلة من قبيل المدفعية والدبابات، أضف إلى ذلك أن اقامة منطقة حظر جوي سيتطلب وقتا، وقد لا تصبح جاهزة إلا في منتصف أبريل/ نيسان، أي عندما سيكون الوضع الميداني قد تغير. وبمجرد أن تدخل بريطانيا وفرنسا مثلا على الخط ميدانيا ستتحول الانتفاضة المسلحة –تقول الصحيفة البريطانية- من حرب يشنها القذافي وأبناؤه على مواطنيهم، إلى حرب يواجه فيها القذافي القوى الإمبريالية والاستعمارية. وتلمح الصحيفة إلى ضرورة مساعدة المعارضة الليبية المسلحة بطريقة غير مباشرة لتجاوز التفاوت الواضح في ميزان القوى بينها وبين القوات الموالية للقذافي. وتختم الجارديان افتتاحيتها بالقول إن قوة المعارضة الليبية في قضيتها وفي المفارقة الناجمة عن استخدام القوة المفرط الذي يضعف القذافي. وتنصح الإندبندنت في افتتاحيتها الأولى الحكومة البريطانية بالتريث بعد سلسلة من العثرات التي طبعت رد فعلها إزاء الأحداث المتسارعة، والتي يعتقد ان وزير الخارجية وليم هيج هو المسؤول الأول عنها. وفي هذا السياق تعتبر الصحيفة أن واجب نجدة المدنيين الليبيين وحمايتهم من تجاوزات حاكمهم، لا ينبغي أن تنسينا عواقب التدخل في الشؤون الداخلية لبلد أجنبي، من قبيل فرض منطقة حظر جوي. وتُقر افتتاحية التايمز بضرورة الحيطة في التعامل مع هذه المسألة، لكنها تبادر إلى التوضيح قائلة إن لكل مهمة ولكل خيار مخاطره . وترى الصحيفة أن: السلام لن يحل بليبيا، ما دام القذافي يبسط سلطته على سمائها . لهذا –تقول الصحيفة- على الغرب أن يفرض منطقة حظر جوي علي ليبيا على وجه السرعة. لدينا القوة، وقضيتنا عادلة. هناك واجب أخلاقي متمثل في حماية حياة الأبرياء، ومصلحة استراتيجية هي الحفاظ على الاستقرار في الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط . وينقل موفد الجارديان إلى بنغازي كريس مكجريل، قلق المعارضة الليبية المسلحة، من إمكانية أن تتحول الانتفاضة إلى حرب أهلية قد تساعد القذافي على البقاء في السلطة وربما الانتصار. ويقول كاتب التقرير إنه تلمس لدى من التقاهم من أعضاء المعارضة المسلحة إصرارا على مواصلة العمل المسلح حتى رحيل القذافي أو الموت دون ذلك لأن انتقام الزعيم الليبي سيكون أشد، إذا ما تمكن من الاحتفاظ بالسلطة. ويؤكد من التقاهم مبعوث الصحيفة البريطانية من أعضاء المعارضة الليبية المسلحة، أن خيار العمل المسلح لا رجعة فيه، ولهذا فهم في أمس الحاجة إلى السلاح، وإلى فرض منطقة حظر جوي، حتى يتمكنوا من الصمود أمام الآلة العسكرية التي يتحكم فيها القذافي. وفي المقابل يرفض هؤلاء المعارضون تدخلا عسكريا، لن يُنظر إليه إلا باعتباره غزوا واحتلالا. ويذهب تقرير مبعوث الإندبندنت إلى راس لانوف كيم سنجوبتا في نفس هذا الاتجاه. ويُعطي تقريره صورة لمعارضة مسلحة تعاني من قلة السلاح، والتشرذم وغياب التنظيم والافتقار إلى التجربة. وتنقل كاترينا ستيوارت في مقالها بنفس الصحيفة صورة مشابهة لمعارضة بدأ اليأس والشك يدب في نفوس عدد من أعضائها. ومع اليأس والشك أخذ الخوف من الانتقام الشديد الذي ينتظرهم على يد القذافي في حال انتصاره، يتفشى في النفس كذلك. ويلخص موقف مقاتل فتى في السادسة عشرة من العمر هذا الوضع الحرج الذي بلغته المعارضة المسلحة، إذ يقول: إذا هجمنا فالموت في انتظارنا، وإذا ما تراجعنا فالموت هو المصير. وإنه لمن الأفضل أن نهاجم ونموت . وتخصص الديلي تلجراف صفحتين من صفحاتها الداخلية لما يعتمل في ليبيا. وتتفق الصحيفة البريطانية مع زميلاتها فيما يتعلق بتوصيف الوضع الميداني الذي تعيشه المعارضة المسلحة في الوقت الراهن، أمام القوة العسكرية للعقيد القذافي. لكن مراسليها في بروكسيل يعتقدان أن حلف شمالي الأطلسي يعد العُدة لفرض منطقة حظر جوي، دون دعم الأممالمتحدة، عندما سيناقش المسألة اليوم في اجتماع وزاري. وتنشر الصحيفة كذلك خبرا قد يدخل بعض السرور على قلب المعارضة المسلحة مفاده أن مدير المصرف المركزي الليبي فرحات بن قدارة قد فر إلى تركيا، وعرض خدماته للكشف عن أرصدة الزعيم الليبي في الحسابات المصرفية خارج ليبيا. وجاء فرار المسؤول المالي الليبي، بعد ساعات من إعلان الاتحاد الأوروبي عن تجميد رصيد المصرف المركزي الليبي وعدد من المسؤولين الليبيين. وترى الفاينانشال تايمز أن فرض العقوبات المالية من قبيل تجميد الأرصدة، يواجه تحديات كبيرة. كما تعد ليبيا في هذا الصدد اختبارا للجهود المبذولة خلال عقد من الزمان من أجل إعداد آليات لفرض مثل هذه الإجراءات. وترحب افتتاحية الفاينانشال تايمز -في المقابل- بقرار الاتحاد الأوروبي، معربة عن شكها في إمكانية أن يساهم هذا القرار -الذي سيعلن عنه يوم الجمعة- في إصلاح ما أفسده بطء تجاوب الاتحاد مع الانتفاضة السياسية التي تهز العالم العربي. يعتبر مبعوث الجارديان إلى طرابلس بيتر بومانت أن محنة فريق بي بي سي العربية في طرابلس أول شهادة حية لما يعانيه اولئك الذين يعتقلهم النظام، بمن فيهم أولئك الذين لم يرتكبوا أي جريمة سوى التجرؤ على الحديث إلى الصحافيين الأجانب . ويرى الكاتب أن ما حدث يُعد الأخطر من نوعه فيما يتعلق بمجال العلاقة بين السلطات الليبية ووسائل الإعلام الدولية، كما قد يكشف جانبا من مصير العديد من أنصار المعارضة الذين ألقي عليهم القبض أثناء حملة النظام على المعارضين .