تظاهر مئات الالاف الثلاثاء في شوارع فرنسا احتجاجا على مشروع اصلاح نظام التقاعد الذي يعد احد المشاريع المهمة لفترة نهاية ولاية الرئيس نيكولا ساركوزي الذي اصر مع ذلك على موقفه مع بدء مناقشة هذا الاصلاح في البرلمان. وتظاهر حوالى 2,5 مليون شخص في سائر انحاء البلاد بحسب تقدير نهائي لنقابة الاتحاد الفرنسي الديموقراطي للعمل (سي اف دي تي)، فيما اشارت الشرطة الى حوالى 1,12 مليون متظاهر. وجرت اكبر تظاهرة في باريس حيث ضمت 270 الف شخص بحسب النقابات، 80 الفا بحسب الشرطة، على ايقاع ابواق الفوفوزيلا والشعارات المناهضة للحكومة. وبدأت تظاهرة باريس الضخمة عند الساعة 14,30 من ساحة "لا ريبوبليك" (الجمهورية) يتقدمها قادة ثماني نقابات اساسية في فرنسا وقفوا خلف يافطة كتب عليها "نظام تقاعد متضامن، الوظائف والاجور رهان مجتمع". ومع تزايد العدد اضطر المتظاهرون الى الانقسام الى موكبين. واكد زعماء النقابات انهم كسبوا رهانهم بتجاوز عدد المشاركين في اخر تظاهرة احتجاجية على هذا الاصلاح لنظام التقاعد في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو الماضي والتي شارك فيها 800 الف حسب الشرطة ونحو مليونين حسب النقابات. وقال فرنسوا شيريك (سي.اف.دي.تي، اصلاحية) انها "اضخم حركة تعبئة في السنوات الاخيرة" محذرا من انه اذا ما اصرت الحكومة على تجاهل هذه الصرخة التحذيرية فانه لن يكون امام النقابات من "خيار غير مواصلة" هذا التحرك الاجتماعي. وتسببت الاضرابات في جميع انحاء البلاد في اضطرابات كبيرة في حركة السكك الحديد والحافلات والطيران. ولم يتم تسيير سوى قطارين من اصل خمسة من القطارات الفائقة السرعة (تي جي في). كما اضطربت حركة النقل في ابرز المطارات الفرنسية. وفي المدارس الاعدادية والثانوية بلغت نسبة اضراب المدرسين 25,8 بالمئة، بحسب وزارة التربية (55 الى 60 بالمئة بحسب النقابات) مقابل 10,3 بالمئة فقط في حزيران/يونيو. وفي السكك الحديد قالت الادارة ان نسبة المضربين 42,9 بالمئة في حين قالت الكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي) ان نسبة الاضراب بلغت 51,8 بالمئة. وقال نقابي مستعينا بمكبر صوت "نحن هنا للدفاع عن التقاعد في سن ال60 كلنا متضامنون، الاجيال كلها شبانا وشيبا". ولئن كانت حركة الاضراب كبيرة في القطاع العام، المعقل التقليدي للنقابات الفرنسية، فان الكثير من شركات القطاع الخاص كانت ايضا ممثلة في التظاهرة. وعلى وقع ابواق الفوفوزيلا هتف المتظاهرون "العمل للشباب والتقاعد للشيوخ". وفي تلك الاثناء بدات مناقشة هذا الاصلاح في الجمعية الوطنية في اجواء صاخبة حيث اتهم اليسار الحكومة ب"الافتقار الى الصدق في لعبة التفاوض" منددين بمشروع "جائر". في المقابل اكد رئيس الوزراء فرنسوا فيون "انفتاحه للنقاش مع عدم صرف الانظار عن الهدف من الاصلاح" والمتمثل في "العمل على معاشات الفرنسيين في الغد". وينص مشروع اصلاح نظام التقاعد على تأخير سن التقاعد من 60 عاما حاليا الى 62 عاما بحلول العام 2018، ما يشكل تراجعا عن مكسب اجتماعي يعود لفترة الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران. وترى الحكومة ان جعل الفرنسيين يعملون لفترة اطول مثل جيرانهم الاوروبيين، يشكل افضل خيار لتأمين حاجات التمويل المقدر ان تبلغ 70 مليار يورو بحلول 2030. وبحسب استطلاعات الراي فان غالبية الفرنسيين تؤيد هذا التحرك الاحتجاجي وذلك بالرغم من انها ترى انه لا مناص من الاصلاح. وكرر ساركوزي الثلاثاء لعدد من النواب ضرورة "الثبات بحزم" على جوهر الاصلاح (اي ال62 عاما) وان كان من الممكن التفاوض بشأن المهن الشاقة او المسيرات المهنية الطويلة. ويعول ساركوزي الذي تدنت شعبيته بشكل كبير في استطلاعات الراي، على هذا المشروع، لاستعادة سلطته داخل معسكره المنقسم مع اقتراب تعديل حكومي مقرر في الخريف وكذلك الانتخابات الرئاسية لعام 2012. وحصل الرئيس الفرنسي الثلاثاء على دعم رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروسو الذي اكد ضرورة "العمل لوقت اطول" في اوروبا. وتواجه الحكومة الفرنسية منذ اشهر سلسلة من القضايا التي اضعفت خصوصا وزير العمل اريك وورت المتهم في قضية تضارب مصالح مرتبطة باغنى امراة في فرنسا، ليليان بيتانكور وريثة مجموعة لوريال العملاقة لمستحضرات التجميل.