الرياض (رويترز) - اعتذرت السعودية يوم الجمعة عن عدم قبول مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي في تعبير غير مسبوق عن غضبها من عجز المجتمع الدولي عن إنهاء الحرب الدائرة في سوريا والتعامل مع غيرها من قضايا الشرق الأوسط. وأدانت المملكة ما وصفته بازدواجية المعايير لدى التعامل مع قضايا الشرق الأوسط وطالبت بإصلاحات في مجلس الأمن. وقال محللون سعوديون إن خيبة الأمل التي أصابت الرياض ترجع في المقام الأول إلى تصرفات واشنطن -أقدم حلفاء المملكة الدوليين- التي انتهجت منذ بدء الربيع العربي سياسات عارضها الحكام السعوديون بشدة وأضرت كثيرا بالعلاقات بين البلدين. وثارت حفيظة السعودية أيضا بسبب التقارب بين الولاياتالمتحدة وإيران -أقدم خصوم الرياض بالمنطقة- والذي بدأ منذ أن تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما هاتفيا مع الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني الشهر الماضي في أول اتصال بهذا المستوى بين البلدين منذ أكثر من ثلاثة عقود. وأشارت الرياض إلى فشل مجلس الأمن في تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني واتخاذ خطوات لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا ووقف الانتشار النووي في المنطقة وقالت إنه رسخ بدلا من ذلك النزاعات والمظالم. وقالت وزارة الخارجية في بيان بثته وكالة الأنباء السعودية الرسمية "المملكة العربية السعودية ترى أن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب الأمر الذي أدى إلى استمرار اضطراب الأمن والسلم واتساع رقعة مظالم الشعوب واغتصاب الحقوق وانتشار النزاعات والحروب في أنحاء العالم." وأضافت "إن بقاء القضية الفلسطينية بدون حل عادل ودائم لخمسة وستين عاما والتي نجم عنها عدة حروب هددت الأمن والسلم والعالميين... وفشل مجلس الأمن في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل... والسماح للنظام الحاكم في سوريا بقتل شعبه وإحراقه بالسلاح الكيماوي على مرأى ومسمع من العالم أجمع وبدون مواجهة أي عقوبات رادعة لدليل ساطع وبرهان دافع على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته." وتابعت "بناء على ذلك فإن المملكة العربية السعودية وانطلاقا من مسؤولياتها التاريخية تجاه شعبها وأمتها العربية والإسلامية وتجاه الشعوب المحبة والمتطلعة للسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم لا يسعها إلا أن تعلن اعتذارها عن قبول عضوية مجلس الأمن حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعليا وعمليا من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين." وقالت فرنسا العضو الدائم بمجلس الأمن إنها تتفهم القلق السعودي. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية "نشاركهم الشعور بخيبة الأمل بعد الشلل الذي أصاب مجلس الأمن." - روسيا مندهشة.. أما وزارة الخارجية الروسية فقالت إنها مندهشة لموقف السعودية وتقف متحيرة أمام اتهاماتها لمجلس الأمن. وأضافت "أعفت السعودية بقرارها هذا نفسها من العمل الجماعي بمجلس الأمن الدولي لدعم السلام والأمن الدوليين." وقال محلل سعودي طلب عدم نشر اسمه إن قرارا بمثل هذه الأهمية لابد وأن يكون صادرا عن الملك عبد الله أو ولي العهد الأمير سلمان. وأضاف "ظلت المملكة العربية السعودية تعمل (لدخول مجلس الأمن) طيلة السنوات الثلاث الماضية. دربت دبلوماسيين -ذكورا وإناثا- هم خيرة من في وزارة الخارجية.. أمهر شبابنا ثم جاءت شخصية ما واتخذت قرار الانسحاب فجأة." وكانت السعودية تتجنب عادة الإدلاء ببيانات سياسية قوية مفضلة معالجة الأمور التي تتعلق بنفوذها كأكبر مصدر للنفط في العالم ووضعها كمهد للإسلام وكحليف عربي رئيسي للولايات المتحدة خلف الأبواب المغلقة. إلا أن حكام السعودية ثار غضبهم حين لم تتخذ الأممالمتحدة إجراء إزاء الصراع السوري الذي تقف فيه المملكة وإيران على طرفي نقيض. - غاز سام.. وتبث وسائل الإعلام السعودية يوميا صورا مخضبة بالدماء لضحايا الحرب الأهلية السورية التي سقط فيها أكثر من 100 ألف قتيل وتشرد الملايين كما دعمت المملكة المعارضة السورية بالمال والسلاح. ووصف وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل من قبل هجوم الرئيس السوري بشار الأسد على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بأنها "إبادة جماعية". وزاد غضب المملكة بعد التراجع الدولي عن توجيه ضربات عسكرية تقودها الولاياتالمتحدة لقوات الأسد ردا على هجوم بالغاز السام قرب دمشق حين وافق الرئيس السوري على التخلي عن ترسانته الكيماوية. وقال عبد الله العسكر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي لرويترز "هناك أناس تقتل كل يوم وكل ساعة والعالم الإسلامي غاضب بقوة لأننا لا نرى أي إجراء أو أي موقف قوي من مجلس الأمن تجاه هذا الوضع." ومجلس الأمن الدولي منقسم بشأن كيفية التعامل مع الحرب الأهلية الدائرة في سوريا إذ تسعى القوى الغربية لتشديد العقوبات على الأسد بينما تستخدم روسيا حق النقض (الفيتو) لمنع استصدار قرارات تحقق ذلك الهدف. كما تنتقد السعودية ودول عربية أخرى الولاياتالمتحدة لعرقلتها اتخاذ إجراء دولي ينهي احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية التي سيطرت عليها بعد حرب 1967. وفي دلالة سابقة على تزايد الغضب السعودي ألغى الأمير الفيصل كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسبوعين فيما وصفه مصدر دبلوماسي بأنه رد على التقاعس الدولي حيال قضايا الشرق الأوسط. وكان غضب السعودية ينصب عادة على روسيا والصين العضوين الدائمين بمجلس الأمن الدولي واللذين منعا استصدار قرارات تستهدف الأسد لكنه امتد الآن ليشمل الولاياتالمتحدة حليفتها الغربية الرئيسية. وانتقدت المملكة بقوة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ الربيع العربي لا فيما يتصل بسوريا وحسب بل وبمصر أيضا حيث جمدت واشنطن مساعدات بعد أن عزل الجيش الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين. ووصف عبد الله المعلمي سفير السعودية بالأممالمتحدة السياسة التي يجري اتباعها مع مصر بأنها سياسة "لوي ذراع" في إشارة إلى موقف الولاياتالمتحدة. وقال في مقابلة نشرتها صحيفة الحياة يوم الثلاثاء الماضي "نحن نطالب جميع القوى في العالم بأن تحترم إرادة الشعب المصري وأن تتعامل مع الشعب ليس بصفته قاصرا يحتاج إلى وصاية أو إلى نصح وإرشاد وإنما باعتباره شعبا عظيما له تاريخه وله حضارته وله سجلاته الكبيرة." وأضاف "أما سياسة لوي الذراع وفرض الوصاية على الشعب المصري واختياراته فنحن نظن أن هذه السياسة أيا كان مصدرها لن تأتي بالنتائج الإيجابية في العلاقات مع مصر ومع شعبها." وكان وزير الخارجية المصري نبيل فهمي قد قال إن العلاقات بين القاهرةوواشنطن "في حالة اضطراب". - خيبة أمل.. والسعودية واحدة من خمس دول اختارتها الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس لعضوية مدتها عامان في مجلس الأمن الذي يضم 15 عضوا. ويتمتع مجلس الأمن بسلطة التفويض بالقيام بعمل عسكري وفرض عقوبات والتكليف بعمليات لحفظ السلام ويضم عشرة أعضاء غير دائمين بينما يتمتع الأعضاء الخمسة الدائمون وهم الولاياتالمتحدة والصين وروسياوفرنسا وبريطانيا بحق الفيتو. وسبق وأن قالت السعودية إنها تشعر بخيبة أمل لعدم ممارسة أوباما ضغوطا على إسرائيل لإنهاء البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والموافقة على قيام دولة فلسطينية. كما أظهرت برقيات دبلوماسية نشرها موقع ويكيليكس أن السعودية حثت واشنطن على "قطع رأس الأفعى" من خلال ضرب البرنامج النووي الإيراني الذي تخشى هي والدول الغربية أن يكون الهدف منه صنع قنبلة ذرية. من أنجوس مكدوال