العملية الامريكية التي نفذت في أحد شوارع طرابلس للامساك بليبي يشتبه انه من تنظيم القاعدة أكدت ما يخشاه كثير من الليبيين من ان الفوضى التي أعقبت انتفاضتهم جعلت بلادهم ملاذا آمنا لمتشددين اسلاميين لهم طموحات تتخطى الحدود. ورغم مرور عامين على الحرب التي دعمها الغرب وأطاحت بمعمر القذافي مازالت الاوضاع في ليبيا هشة وحكومتها ضعيفة وجيشها غير قادر على السيطرة على مناطق شاسعة من اراضي البلاد حيث تتقاتل ميليشيات على اقتسام غنائم الحرب. ويوم السبت ألقى عشرة رجال القبض على نزيه الرقيعي الذي يشتهر باسم أبو أنس الليبي في طرابلس المطلوب القبض عليه فيما يتصل بتفجير سفارتين أمريكيتين في إفريقيا قبل 15 عاما. وقالت أسرة الليبي ان أربع سيارات قطعت عليه الطريق وهو عائد الى منزله من الصلاة وقام رجال يتحدثون بلهجة ليبية باعتقاله واجباره على الدخول في عربة فان انطلقت بسرعة. وقال مسؤولون امريكيون انه محتجز في مكان خارج ليبيا. وقال خبراء أمنيون ان اعتقال مثل هذا المتشدد البارز في العاصمة الليبية يبرز كيف أن جماعات لها صلة بالقاعدة تقيم قواعد لها في مناطق بعيدة عن مراكزها في باكستان وأفغانستان. وكان الليبي يقيم بالخارج وذكرت تقارير انه عاد الى بلاده العام الماضي. ويرى محللون ان ليبيا أصبحت وبشكل متزايد تجتذب المتشددين الاجانب نظرا لضعف السلطة المركزية ووجود اراض خارجة عن السيطرة ولسهولة التسلل عبر حدودها مع دول جنوبي الصحراء وهو ما يسمح بتدفق السلاح والرجال الى المواقع الساخنة في المنطقة. وقال البروفسور ديرك فاندوول وهو خبير في الشأن الليبي بجامعة دارتمث كوليدج عاد لتوه من طرابلس "ينظر الى ليبيا على انها ملاذ لكل انواع الجماعات المتشددة في غياب حكومة مركزية يمكنها ان تسيطر على الاراضي فعلا." وأضاف "بالقطع الولاياتالمتحدة تنظر الى ليبيا على انها أرض حاسمة في السيطرة على اي ارهاب لا في ليبيا وحدها بل في منطقة الساحل وأيضا في منطقة جنوبي الصحراء." ومنذ سقوط القذافي استغل اسلاميون منهم عناصر من القاعدة ليبيا لتهريب السلاح وكقاعدة للمقاتلين. ويوجد في منطقة شمال أفريقيا تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وجماعات اسلامية اخرى تتعاون مع التنظيم او تؤيد أفكاره. وكان هذا النفوذ واضحا حين ألقي اللوم على متشددين اسلاميين في الهجوم الذي وقع العام الماضي على القنصلية الامريكية في مدينة بنغازي بشرق ليبيا وقتل خلاله السفير الامريكي. وطوال العامين الماضيين تدفق السلاح على مصر وعلى مالي وعلى سوريا من مخزونات الاسلحة السابقة للقذافي وأيضا على ميليشيات متنافسة ومتمردين ليبيين سابقين يرفضون الان القاء السلاح قائلين انهم يريدون نصيبا اكبر من ثروات البلاد. وهذه الاضطرابات تجعل السلطة المركزية في ليبيا مهددة رغم مرور عامين على الانتفاضة. ويشعر رئيس الوزراء الليبي علي زيدان بضغوط من القبائل المتناحرة ومحتجين يطالبون بمزيد من الحكم الذاتي في مناطق بشرق وجنوب البلاد. وعلى مدى الشهرين الماضيين وفي ابراز لهذه الاضطرابات سيطر محتجون مسلحون على موانيء هامة للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي لمنطقتهم الشرقية وهو ما ادى الى خفض انتاج ليبيا عضو الاوبك من النفط الى نصف الكمية المعتادة وهي 1.4 مليون برميل يوميا. وفي الاسبوع الماضي حاولت حشود مسلحة اقتحام السفارة الروسية بعد تردد انباء عن قيام اوكرانية بقتل ضابط ليبي مما ادى الى عملية اجلاء للدبلوماسيين بعد ان قالت طرابلس انها لا تستطيع ضمان أمنهم. ويقول محللون امنيون ان الاضطرابات في ليبيا تثير حالة من القلق لدى جيرانها في شمال أفريقيا خوفا من ان تصبح الاراضي الليبية أرضا خصبة للقاعدة ببلاد المغرب الاسلامي ولمتشددين اسلاميين اخرين يتعاونون فيما بينهم بشكل أكبر. ويرى مسؤولون امنيون ان جنوب ليبيا الذي يغيب عنه القانون بات أشبه بملاذ للمقاتلين المرتبطين بالقاعدة بعد ان طردتهم قوات بقيادة فرنسا من معاقلهم في شمال مالي هذا العام وقتلت مئات خلال الحملة التي شنتها هناك. كما القى مسؤولون امنيون جزائريون اللوم على متشددين قالوا إنهم انطلقوا من ليبيا في الهجوم الذي وقع في يناير كانون الثاني على محطة اميناس للغاز قرب الحدود الليبية وقتلوا أكثر من 30 عاملا اجنبيا مما جعل شركات النفط الاجنبية تعيد النظر في عملياتها بشمال افريقيا. وقال مصدر امني جزائري لرويترز "اعتقال شخصية كبيرة من القاعدة لن يكون له تأثير كبير على الموقف ككل ما دامت الحالة غير واضحة." وهدد مختار بلمختار الرجل الذي يلقى عليه باللوم في هجوم اميناس بضرب المصالح الفرنسية هذا العام وأعلن ان قواته ستنضم الى قوات حركة الوحدة والجهاد في غرب افريقيا وهي حركة اسلامية فرقها الهجوم الفرنسي في مالي. وفي دولة تونس المجاورة دمغت الحكومة التي يقودها اسلاميون جماعة أنصار الشريعة -وهي جماعة متشددة يربط المسؤولون بينها وبين القاعدة- بانها منظمة ارهابية بعد ان قتلت اثنين من قادة المعارضة. لكن ما هو دور الليبي الرجل الذي اعتقل في العملية الامريكية؟ هذا لم يتضح بعد. ونفى عبد الله الرقيعي ان والده شارك في تفجير السفارتين الامريكيتين في كينيا وتنزانيا. ووصف تقرير في الكونجرس الامريكي عام 2012 الليبي بأنه "مؤسس شبكة القاعدة في ليبيا" وفقا لدورية لونج 1وور التي توثق لما يوصف في الولاياتالمتحدة بالحرب على الارهاب. وقال توماس جوسلين وهو من كبار محرري الدورية ان الوضع الامني المخترق في ليبيا اعطى شخصية يشتبه في انتمائها للقاعدة فرصة الاتصال بسلاسة مع اسلاميين آخرين وجماعات مرتبطة بالقاعدة. وقال "ليس مجرد شخص او شخصين.. بل إن هناك مجموعة من الشخصيات المعروفة بالقاعدة يمكن ان يكون قد عمل معها او مجموعة من الجماعات ذات الصلة بالقاعدة ربما يكون يعمل معها." ووصفت الحكومة الليبية -المتحسبة لرد فعل الاسلاميين- اعتقال مواطن ليبي داخل الاراضي الليبية بانه "اختطاف" وطلبت من واشنطن تفسيرا. وينتظر بعض الليبيين بالفعل رد فعل اسلاميا. وقال عبد الباسط هارون وهو مقاتل ليبي سابق "سيحدث رد فعل للاخذ بالثأر لانه شخصية هامة بالقاعدة.. حتى نريهم ان اعتقال اي شخص سيكلفهم غاليا." من باتريك ميركي (إعداد أميرة فهمي للنشرة العربية - تحرير أمل أبو السعود)