جمع البابا فرنسيس الثلاثاء للمرة الاولى ثمانية من مستشاريه الكرادلة لمناقشة الاصلاحات التي يريد ادخالها على الكنيسة لتصبح ملتزمة اجتماعيا، محاورة مع غير المؤمنين، وخالية من الفساد خصوصا في مصرف الفاتيكان. وقال البابا الارجنتيني في مقابلة مطولة معه نشرتها الثلاثاء صحيفة لاريبوبليكا "انها بداية كنيسة منظمة ليس على اساس عمودي فقط بل افقي ايضا". واعرب في المناسبة عن الاسف لوجود "رؤية فاتيكانية-وسطية تهمل العالم الذي يحيط بها" معلنا انه "سيبذل ما يستطيع لتغييرها". وعقد البابا اجتماعه مع الكرادلة في مكتبته الخاصة على ان يستمر لثلاثة ايام. وقال ان هؤلاء المستشارين "ليسوا من الممالقين بل من الحكماء". وللدلالة على ان العمل الجماعي بات قاعدة متبعة فان الكرادلة الثمانية سينكبون على دراسة 80 وثيقة تضم العديد من الاقتراحات الاصلاحية. ومن المرتقب عقد اجتماعات اخرى لاحقا. وفي الوقت نفسه ظهرت اشارة اخرى تدل على سياسة الانفتاح هذه : فللمرة الاولى في تاريخه نشر بنك الفاتيكان الثلاثاء حصيلة نشاطه للعام 2012 على موقعه الجديد على الانترنت. وبحسب صحيفة كورييري ديلا سيرا فان البنك المعروف عنه تكتمه الشديد وسمعته غير الجيدة قرر اغلاق نحو 900 حساب بينها ثلاثة تابعة لثلاث سفارات هي لايران واندونيسيا والعراق بسبب -للبعض منها- "شكوك حول وجود تبييض اموال غير نظيف وحتى تمويل ارهاب". وردا على سؤال لفرانس برس قال متحدث باسم البنك انه "لا يؤكد ولا ينفي" هذا الرقم. الا انه اوضح ان اقفال حسابات لا يعني بالضرورة وجود شكوك حول نشاطات اجرامية مرتبطة بها. ويمكن القول ان مجرد نشر هذه المقابلة الموسعة التي امتدت على ثلاث صفحات من الجريدة اليسارية هو بمثابة ثورة صغيرة وخصوصا ان نشر المقابلة تزامن مع بدء الاجتماع مع الكرادلة. وكان البابا استقبل الاسبوع الماضي اوجينيو سكالفاري مؤسس هذه الجريدة الملحد ودخل معه في حوار على صفحات جريدة لاريبوبليكا في ايلول/سبتمبر الماضي. وفي هذه المقابلة يتطرق البابا مع الصحافي الى الايمان والالحاد والقيم الاخلاقية والماركسية بلهجة صريحة للغاية ومنفتحة. وكان المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) بحسب ما ذكر البابا فرنسيس "قرر التطلع الى المستقبل بروحية حديثة. ان آباء المجمع كانوا يعرفون ان الانفتاح على الثقافة الحديثة يعني مسكونية دينية وحوارا مع غير المؤمنين". وتابع البابا فرنسيس "ومنذ ذلك الوقت انجز القليل في هذا الاتجاه. وانا لدي التواضع والطموح للقيام به". واستشهد البابا بالكاردينال اليسوعي الايطالي كارلو ماريا مارتيني رئيس الجناح الاصلاحي الذي توفي عام 2012، والذي كان يقول ان الكنيسة "متأخرة 200 سنة". وهناك فكرتان لافتتان في المقابلة ، انتقاده العنيف "للممالقين" داخل الكنيسة، وتنديده ب"الليبرالية الاجتماعية". وقال البابا "ان الشرور الكبيرة التي تضرب العالم هي بطالة الشبان والعزلة التي يعاني منها المسنون". واضاف "ان الليبرالية المتوحشة تجعل من الاقوياء اقوى ومن الضعفاء اضعف ومن المهمشين اكثر تهميشا". ورغم قوله انه لم يكن يوما مقتنعا بالماركسية قال انه وجد فيها بعض "مظاهر" العقيدة الاجتماعية للكنيسة. وفي الكنيسة نفسها وفي اوساط الفاتيكانيين انفسهم بدأ الجدل حول صوابية هذه الصراحة في كلام البابا. الا يذهب بعيدا؟ الا يجازف؟ الا يبدو وكأنه يحد من الرسالة الكاثوليكية امام محاوريه الملحدين؟ اين هي صرامة البابا بنديكتوس السادس عشر؟. ولا تزال سياسة البابا فرنسيس التقليدي في نظرته الى طاعة الكنيسة والعادات، والراديكالي في الشق الاجتماعي تثير الكثير من الجدل.