اسطنبول (رويترز) - اعتذر بولنت أرينج نائب رئيس الوزراء التركي يوم الثلاثاء عن "العنف المفرط" الذي استخدمته الشرطة لمحاولة نزع فتيل الاضطرابات المستمرة منذ ايام. وتتناقض تصريحات أرينج مع تصريحات رئيس الوزراء طيب أردوغان الرافضة والتي تمثل تحديا للمحتجين الذين وصفهم "باللصوص". ومع وجود أردوغان خارج البلاد واستمرار الاضرابات والمظاهرات على مدى خمسة أيام سعى نائب رئيس الوزراء التركي إلى تهدئة بعض مشاعر الغضب من رد الفعل الاولي الشديد للحكومة على الاحتجاجات التي بدأت باعتصام ضد خطط للبناء على متنزه في اسطنبول. وقال أرينج في مؤتمر صحفي في العاصمة أنقرة "العنف المفرط الذي استخدم في البداية ضد اولئك الذين كانوا يتصرفون باحترام للبيئة كان خطأ وظالما. إنني أعتذر لاولئك المواطنين." وأضاف "لكنني لا أعتقد اننا مدينون باعتذار لاولئك الذين تسببوا في أضرار بالشوارع وحاولوا عرقلة حرية الناس." وقال أرينج انه سيجتمع مع بعض منظمي احتجاج اسطنبول الاصلي الذين يشنون حملة ضد بناء ثكنة تعود إلى العهد العثماني على متنزه جيزي بساحة تقسيم في اسطنبول. لكن مساعي أرينج جاءت متأخرة قليلا فيما يبدو لانهاء ما اصبح تدفقا للغضب ضد اسلوب أردوغان الاستبدادي وميوله الإسلامية. واسفرت الاحتجاجات عن مقتل شخصين واصابة الالاف مما اثار بواعث قلق لدى حلفاء تركيا الغربيين في حلف شمال الأطلسي بسبب تعاملها مع اسوأ اعمال شغب تشهدها تركيا منذ عشرات السنين. وقد أغلقت المتاجر أبوابها في طريق رئيسي يؤدي إلى ساحة تقسيم فيما ردد الاف المتظاهرين عبارات مناهضة للحكومة اثناء مرورهم. وسدت حواجز من الانقاض شوارع اخرى مؤدية إلى الساحة وكانت رائحة الغاز المسيل للدموع عالقة في الجو. وجذبت الاحتجاجات قطاعا عريضا من المعارضين لأردوغان واتهمه البعض بانتهاج اجندة إسلامية يسعى من خلالها لتقويض الأسس العلمانية للجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك قبل 90 عاما. وعارض اخرون على نطاق اوسع ما وصفوه باسلوبه السلطوي. وانضمت نقابات العمال إلى المظاهرات يوم الثلاثاء لمضاعفة الضغط على الحكومة لمعالجة شكاوى جزء من السكان في الوقت الذي تدافع فيه ايضا عن افعالها باعتبارها تحظى بتأيد غالبية الاشخاص الذين انتخبوها. وقال واحد من بين أكثر من عشرة محامين يرتدون زي المحاماة الرسمي ويقودون مسيرة لعمال القطاع العام "نحتج على هذه الطبيعة الدكتاتورية للحكومة والمناهضة للعلمانيين." وأضاف "نحن هنا لحماية ارث أتاتورك والدولة التركية التي نعمل من أجلها." وسار خلفهم مجموعة من الممثلين من مسرح للدولة وهم يحملون لافتات تحمل قناع اوبرا يبكي دموعا من الدم. وكان يسير بجانبهم ممثلون عن النقابات وأعضاء من الحزب الشيوعي التركي. وقتل عضو عمره 22 عاما من جناح الشباب بالمعارضة الرئيسية بعد ان ضرب على رأسه في اجتماع حاشد ببلدة أنطاكية الجنوبية قرب الحدود السورية في ساعة متأخرة من مساء الاثنين وهي حالة الوفاة الثانية بعد ان صدمت سيارة اجرة متظاهرا في اسطنبول يوم الاحد. وكان مسؤولون قد قالوا في البداية ان ضحية أنطاكية أصيب بالرصاص. ومن المقرر تنظيم مسيرة في أنقرة في وقت لاحق لضحية أنطاكية الذي قال مسعفون انه تعرض على ما يبدو للضرب باسطوانة غاز. وقالت رابطة اطباء تركيا إن أربعة أشخاص اخرين في حالة خطيرة في حين عانى نحو 3000 شخص من اصابات طفيفة مثل صعوبات في التنفس أو تهتكات. وتسببت شراسة الحملة التي شملت مداهمات في الفجر نفذتها شرطة مكافحة الشغب يومي الخميس والجمعة على متظاهرين سلميين يعتصمون في المتنزه في صدمة حتى للمؤيدين لاردوغان وأثارت تنديدات دولية. وقال وزير الخارجية الامريكي جون كيري أنه قلق بشأن تقارير عن الافراط في استخدام القوة من جانب الشرطة. لكن البيت الأبيض رحب باعتذار نائب رئيس الوزراء التركي عن استخدام الشرطة للقوة المفرطة ضد المحتجين. وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض "نأمل كما أوضحنا ان تتعامل الحكومة التركية مع الامر بطريقة تحترم حقوق حرية التعبير والتجمع التي تعد من العناصر الأساسية للديمقراطيات. ونرحب بتصريحات رئيس الوزراء التي يعتذر فيها عن استخدام القوة المفرطة وسنظل نرحب بالمطالبة باجراء تحقيق في هذه الحوادث." من جهته حذر وزير الخارجية النمساوي مايكل شبيندليجر تركيا من وضع علاقتها مع اوروبا عبر "اختبار تحمل". وقال شبيندليجر لصحيفة دي بريسه النمساوية "السخط الاجتماعي الموسع يجد التعبير في المظاهرات. لذا يجب على الحكومة ان تنظر إلى بواعث القلق بجدية وتسعى للحوار." وبدأت تركيا مفاوضات رسمية للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي قبل ثمانية اعوام ولكن لم يتم احراز تقدم يذكر في هذا الصدد لاسباب منها بواعث القلق من سجلها في مجال حقوق الانسان وحرية التعبير. وبدأ الاتحاد العام لنقابات العمال الذي يمثل 240 الف عضو "اضرابا تحذيريا" عن العمل يستمر يومين في حين قال الاتحاد الثوري التركي لنقابات العمال انه سينظم اضرابا يوم الاربعاء. وقال الاتحاد العام في بيان "هذه العمليات أغرقت البلاد في قنابل الغاز. رئيس الوزراء أصبح لا يفكر حتى انه وصف الملايين الذين يمارسون حقوقهم الديمقراطية ... بأنهم (حفنة من اللصوص)." وندد اردوغان بالاحتجاجات وقال إنها من صنع الاعداء العلمانيين الذين لم يقبلوا أبدا بالتفويض الذي حصل عليه حزبه العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية لكنه يضم عناصر من يمين الوسط وعناصر قومية. وفاز الحزب في ثلاثة انتخابات متتالية واشرف على إنجاز ازدهار اقتصادي وعزز نفوذ تركيا في المنطقة. من الكسندر هدسون وحميرة باموك