(رويترز) - في العدد الجديد من مجلة (دمشق) وتحت عنوان (الثورة السورية والانتفاضات العربية من منظور نقدي) يقدم 17 مثقفا عربيا وأجنبيا تقييما لمصائر دول الربيع العربي بالتركيز على سوريا حيث يخشى من تعرض الثقافة للتهميش أيضا بعد رحيل نظام الرئيس بشار الأسد الذي تطالب الاحتجاجات برحيله منذ نحو 26 شهرا. فيقول الشاعر السوري نوري الجراح رئيس تحرير المجلة إن الوطنيين السوريين الذين أقلقهم تحول "الثورة من وضعها السلمي إلى وضعها الدموي" يشغلهم أيضا غموض العلاقة بين المثقف والمعارض وبين رجل الفكر والسياسي مسجلا وجود مسافة بين الكيانات المعارضة و"مثقفي الثورة" وهم كتاب وشعراء وفنانون في المنفى بلا إمكانات أو موارد مادية تتيح لهم تنظيم أنشطة مستقلة تدعم الثورة. ويضيف أنه "باستثناء حالات نادرة" يبرز فيها دور بعض رجال الاقتصاد السوريين في دعم أنشطة فكرية مساندة للثورة فإن الأحوال المادية المتردية تجعل المثقفين غير قادرين على إقامة مسافة ضرورية بين كيانهم الاعتباري والرمزي وبين الكيانات المعارضة "ناهيك عن حماية هذه المسافة إن كانت موجودة" ويرى في ذلك خطرا لا يسمح للمثقف بالمحافظة على استقلاليته. ويقول تحت عنوان (سوريا الملهاة السوداء. سوريا الثقافة وسوريا المستقبل) إن السياسي المعارض غير مستعد "للتعامل مع المثقف إلا ملحقا به ومتمما له أو مزينا لعمله... نخشى اليوم أن لا يسمح غدا قياديو المعارضة لنظام الأسد لشركائهم المثقفين في أن يلعبوا أدوارهم الريادية بعيدا عنهم ولو كان المثقفون سيفعلون فلربما لن يواجهوا من جانب السياسي المعارض إلا بالإهمال" أو إعادة إنتاج العلاقة القديمة بين المثقف والنظام الحاكم. ويتساءل الجراح "ألا يبدو شيئا غريبا ومثيرا للريبة أن لا يبرز في اهتمامات المعارضة السورية أي اهتمام جدي يتجه نحو تلبية حاجات ثقافية وروحية للسوريين الموزعين على ملاجىء وخيام ومراكز إيواء في أربع جهات الجوار السوري؟" رافضا أن يتعطل الدور النقدي للمثقف في أزمنة الثورة والتحول الاجتماعي. ويقول إن عدم تمكن الجسم العريض من المثقفين السوريين من انتزاع استقلاليته وبناء كيانات حرة تساعده على تكريس الاستقلالية وتمكنه من رسم مسافة واضحة بينه وبين الكيانات السياسية المعارضة "الآن أثناء الثورة وليس غدا كقوة فكرية وأدبية واجتماعية أساسية وكمرجعية أخلاقية للشعب السوري... سوف يجعل من هيمنة القوى السياسية المعارضة على ثقافة المجتمع أمرا محتوما في المستقبل. وهو ما من شأنه أن يهدد الحلم الديمقراطي لسوريا جديدة وذلك في ظل تهميش متجدد لدور المثقف... من جانب قوى جديدة هذه المرة." والمجلة شهرية أدبية فكرية تصدرها مؤسسة دمشق للدراسات والنشر في لندن وتحمل شعار (أرض الحرية وسماء الخيال) ويعلو اسمها شطرة من بيت لأمير الشعراء أحمد شوقي يقول فيها "وعز الشرق أوله دمشق". وكان العدد الأول صدر في القاهرة أما العدد الجديد المزدوج (الثاني والثالث) والذي يقع في 450 صفحة كبيرة القطع فصدر اليوم الاثنين في عمان. ويقول فلاديمير أحمدوف -وهو كبير الباحثين في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية- إن "الثورة السورية أرعبت الجميع" وإن الربيع العربي شوق جماعي للحرية والتحرر من التبعية الخارجية ولم يكن مرغوبا فيه خارجيا فلم يتمنه الغرب ولا الصين ولا روسيا التي تدرك "أن نظام الأسد آيل للسقوط." ويضيف أحمدوف في حوار مع المجلة أن على بلاده "أن تعترف بأن الثورة السورية ليست نتاج مؤامرة خارجية وإنما حركة احتجاج شعبي واسعة." ويستعرض الفلسطيني ماجد كيالي تحت عنوان (الثورة السورية في خطر) وصول الثورة إلى مأزق يتلخص في عدم تنظيم ذاتها وتطوير قدراتها لكي تستقطب السوريين جميعا بعد ظهور قوى متشددة دينيا تخيف كثيرين من الصامتين والمترددين الذين يأملون في التوصل إلى عقد اجتماعي جديد. إلا أنه يتفاءل بقدرة السوريين على إسقاط النظام "المهم أن لا يسقط وأن لا يتكسر على رؤوس السوريين... فالثورة السورية وجدت لتنتصر." وفي الملف نفسه يكتب آخرون منهم السوريون برهان غليون وعمار ديوب وإبراهيم الجبين وعبد الحميد سليمان وغازي دحمان ورانيا مصطفى وثائر الزعزوع ووليد الزعبي وفائق المير وأحمد أنيس حسون والسلوفيني سلافوي جيجيك والفلسطيني سلامة كيلة والتونسي الطاهر لبيب. ويضم العدد ملفا عنوانه (يوميات السجن) بأقلام كل من السوريين مفيد نجم وراتب شعبو وفرج بيرقدار ويوسف عفيفي "أحد الشخصيات الثقافية والأكاديمية العربية في إيران" والعراقي عادل حبة إضافة إلى (يوميات الثورة) وهي شهادات لكل من محمد فؤاد وتيسير خلف وعدنان وحود ومروان علي وهاني فحص وهو أديب وشاعر وعالم دين شيعي لبناني.