تدخل استقالة الحكومة المفاجئة لبنان في مرحلة من الشكوك واحتمال حصول ازمة سياسية طويلة وتوترات امنية في مرحلة اقليمية دقيقة مرتبطة بالازمة السورية التي ينقسم حولها اللبنانيون. وسلم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي صباح السبت استقالته الخطية الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي اصدر بيانا طلب فيه من الحكومة "الاستمرار في تصريف الاعمال ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة". وقال ميقاتي لصحافيين بعد لقائه سليمان "المهم ان يبدا الحوار الوطني، وان تنشا حكومة انقاذية في هذه المرحلة الصعبة". وكان ميقاتي اوضح في بيان استقالة تلاه الجمعة امام وسائل الاعلام ان رفض الاكثرية الحكومية تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات الذي من شأنه التمهيد لحصول الانتخابات في موعدها في حزيران/يونيو المقبل، ورفضها التمديد لمدير عام قوى الامن الداخلي اشرف ريفي الذي يحال الى التقاعد قريبا، هما وراء الاستقالة. واعرب الاتحاد الاوروبي السبت عن قلقه من تدهور الوضع في لبنان بعد الاستقالة. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ان "انعدام التوافق بين القوى السياسية في الحكومة ومجلس النواب ادى الى مأزق خصوصا حول الانتخابات، فيما المشاكل الامنية ما زالت ترخي بظلالها على استقرار البلاد". ومن نيويورك، دعا الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون جميع الاطراف في لبنان الى ان يكونوا "موحدين" والى العمل مع "مؤسسات الدولة للمحافظة على الاستقرار" والتزام الحياد في النزاعات الاقليمية. وكانت واشنطن اعربت الجمعة عن اعتقادها بان "الشعب اللبناني يستحق حكومة تعكس تطلعاته وتعزز استقرار لبنان وسيادته واستقلاله" في مواجهة الدور الذي يقوم به حزب الله. وتتالف حكومة ميقاتي من ثلاثين وزيرا، هم ثلاثة وزراء يمثلون رئيس الجمهورية، وخمسة وزراء من فريق رئيس الحكومة وهو بينهم، ووزيران يمثلان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. ويصنف هؤلاء انفسهم في موقع الوسطيين. بالاضافة الى عشرين وزيرا يمثلون حزب الله وحلفاءه المؤيدين للنظام السوري. وقد تشكلت هذه الحكومة في حزيران/يونيو 2011 بعد سقوط حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري المناهض للنظام السوري، وابرز زعماء المعارضة الحالية في لبنان، في كانون الثاني/يناير. واطلق على حكومة ميقاتي في حينه اسم "حكومة اللون الواحد" بعد رفض المعارضة المشاركة فيها. الا انها لم تكن منسجمة تماما، اذ ان التطورات السريعة في سوريا منذ ذلك الوقت سمحت للوسطيين بهامش من الاستقلالية عن "قوة الوصاية" السابقة في لبنان وبالتالي بالابتعاد في العديد من القرارات عن ائتلاف حزب الله. هكذا تمكن ميقاتي من تمرير مسالة دفع لبنان حصته في تمويل المحكمة الدولية التي تنظر في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 2005 والتي وجهت اتهاما بالجريمة الى اربعة عناصر من حزب الله. كما تمكن من فرض سياسة "النأي بالنفس" من الازمة السورية خشية تداعيات امنية على البلد الصغير المجاور. وتوقفت صحيفة "الاخبار" القريبة من حزب الله في عددها الصادر السبت عند تاثير الاستقالة على سياسة "الناي بالنفس" التي ارساها ميقاتي. وكتبت ان "خطوة استقالة الحكومة تعني اقحام لبنان مباشرة (في هذه الازمة) ما يعني توقع توترات امنية ليس فقط على الحدود مع سوريا بل ربما داخل الاراضي اللبنانية"، مشيرة الى ان "الفوضى السياسية سوف تطول والانتخابات في حكم المؤجلة". ويفترض ان يحال ريفي (60 عاما، سني) الى التقاعد بعد اسبوع. ويعتبر احد ابرز خصوم حزب الله. فتحت امرة ريفي وضباط مقربين منه، تمكن فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي من كشف مخطط تفجيرات تورطت فيه شخصيات سورية ولبنانية اخيرا. كما كان لهذا الفرع دور كبير في كشف خيوط في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري العام 2005 . وللنزاع السوري منذ بدئه تداعيات امنية على لبنان ذي التركيبة السياسية والامنية الهشة حيث سجلت قبل ايام غارة سورية على منطقة حدودية. وقالت وسائل اعلام لبنانية قريبة من دمشق انها استهدفت مواقع مسلحين يتسللون الى سوريا للمشاركة في القتال الى جانب المعارضة. وتعرضت مناطق لبنانية مرارا خلال الاشهر الاخيرة لاطلاق نار وقصف مصدره الجانب السوري. وشهدت مدينة طرابلس، اكبر مدن شمال لبنان ومسقط رأس ميقاتي، جولات عدة من العنف بين سنة مؤيدين للمعارضة السورية وعلويين مؤيدين للنظام، واسفرت الجولة الاخيرة خلال الايام الماضية عن مقتل ستة اشخاص. كما قتل شخص واصيب اثنان آخران بجروح اليوم في المدينة في تبادل رصاص قنص بين منطقتي جبل محسن العلوية وباب التبانة السنية، بحسب ما ذكر مصدر امني. وبالاضافة الى الاستحقاق الامني، يشكل استحقاق الانتخابات البرلمانية المقبلة موضوعا مهما انقسم حوله اعضاء الحكومة. فقد اعلن ميقاتي وسليمان تمسكهما باقرار هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية بهدف احترام "المهل الانتخابية" واجراء الانتخابات في موعدها. الا ان تحالف حزب الله، لا سيما الطرف المسيحي الممثل خصوصا بالزعيم المسيحي ميشال عون، يعترض بشدة على الهيئة، لان تشكيلها يعني حكما انها ستكون مضطرة للعمل بموجب قانون للانتخابات سار حاليا ومرفوض من عدد كبير من اللبنانيين لا سيما المسيحيين منهم. ويعتبر المسيحيون في الاكثرية والمعارضة، ان ما يعرف ب"قانون الستين" غير منصف بالنسبة لهم، لان تقسيماته توزع المسيحيين (34 في المئة من السكان) في دوائر عدة يشكلون فيها اقلية، ما يجعل اصوات المسلمين هي المرجحة حتى بالنسبة لاختيار النواب المسيحيين. ومنذ اشهر، يحاول اللبنانيون التوصل الى صيغة لقانون انتخاب جديد من دون نتيجة.