عندما اجتمع زعماء عدد من الدول الأوروبية في أوسلو خلال احتفالية تسليم الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام، كان هناك الكثير من الكلام حول تجاوز الخلافات وتحول أعداء الأمس إلى شركاء. ربما كانت هذه إنجازات حقيقية، لكن علا تحذير خلال الاحتفالية. قال رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي: عندما يظهر تهديد لحجري الأساس في مجتمعاتنا – الرخاء والوظائف - من الطبيعي أن نرى قلوبا متصلبة ومصالح ضيقة. وفيما تواجه أوروبا أسوأ أزمة اقتصادية منذ الثلاثينات، هل يدرك السياسيون طبيعة التهديد الماثل؟ يبدو أنه كما الحال مع الكثير من التطورات في أزمة منطقة اليورو، أصبحت اليونان موقع اختبار صعود اليمين المتطرف. يوجد في مدخل جامعة أثينا رسم غرافيتي بحروف حمراء بارزة يقول الرأسمالية تقتلك، لكن الفاشية لن تنقذك . تشهد الساحة السياسية في اليونان حالة استقطاب خطيرة. وبينما ينكر حزب الفجر الذهبي اليوناني – الذي يحوز ثمانية عشر مقعدا في البرلمان وشعبيته في نمو – أنه حزب فاشي، يرتدي أنصاره قمصانا سوداء ويستخدمون شعارات النازيين الجدد. وخلال الأسابيع القليلة الماضية قاموا بتحطيم أكشاك لبعض المهاجرين، وأوقفوا انتاجا مسرحيا لم يحبوه، وأشادوا بعلم الديكتاتورية العسكرية السابقة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد. وتقول كريستينا بسارا، بمقر جمعية أطباء العالم الخيرية في أثنيا: أصبحنا نرى ضحايا هجمات عنصرية كل يوم تقريبا. ويؤكد بعض الضحايا أن المعتدين رجال يرتدون ملابس سوداء. وقارن رئيس الوزراء انطونيس ساماراس الوضع في اليونان بالأيام الأخيرة لجمهورية فايمر في ألمانيا– دولة عليها ديون لا يمكنها سدادها ثم انتقلت إلى حكم أدولف هتلر. لقد شهدت أوروبا هذا النمط من قبل - ديماغوجيون يطرحون حلولا بسيطة لمشاكل معقدة. ويُقال إن الفجر الذهبي هو أكبر حزب يميني متطرف يفوز بمقاعد برلمانية بالاتحاد الأوروبي منذ تأسيس الاتحاد. لكن تأييد اليمين المتطرف لا يقتصر على اليونان، حيث يعلو خطاب معادي للمهاجرين في العديد من الدول الأخرى. ويمثل جوبيك ، مثلا، ثالث أكبر حزب سياسي في المجر، بل اشتهر اسمه عبر هجمات على طائفة الروما الغجرية. وقبل أيام قليلة أثار برلماني عن حزب جوبيك حالة من الغضب داخل البرلمان، حيث طالب بإعداد قائمة بأسماء اليهود الذين يمثلون تهديدا للأمن القومي. ويرى هانس سوبودا، زعيم الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي أن هذه التطورات تثير مخاوفا كبيرة. ويقول: تأسس الاتحاد الأوروبي على تجاوز تبعات العنصرية، ولذا يجب أن يتحرك. لكنه في الوقت لا يفعل شيئا. وعليه ما الذي استمده مَن درسوا الماضي من المقارنة مع حقبة الثلاثينات؟ يقول المؤرخ مارك مازور: في حالة ساماراس الرسالة مفادها 'اعطنا المال وإلا سيظهر هتلر جديد‘. وأضاف: لا أعتقد أنه سيظهر هتلر جديد لسبب بسيط - أوروبا كانت لديها واحد بالفعل وتتذكر جيدا ما فعله. لكن ثمة مشكلة، فالديمقراطية تعتمد في النهاية على شرعية طبقة سياسية. وفي ظروف متطرفة، ربما تختفي الشرعية سريعا جدا. ويقول مازور: حدث ذلك مع جمهورية فايمر، ولأسباب مختلفة تماما تمضي أزمة اليورو تجاه عملية استنزاف للشرعية السياسية. ولا يعني ذلك مجرد ظهور اليمين المتطرف. فمثلا لم يحقق اليمين المتطرف في إسبانيا والبرتغال نتائج انتخابية خلال الأزمة. واتخذ الاحتجاج ضد الوضع الراهن في إسبانيا طابع التأكيد على مطلب الاستقلال الكتالوني. ويقول مازور: ترى بصور مختلفة تفكك عقد اجتماعي لم يكن من السهل الحصول عليه. وينوه إلى أن الوضع في إسبانيا يشهد إحياء فكرة الوطنية الإقليمية، وشعور بأن الوسط لا يعطي بل يأخذ وحسب. لكن في اليونان والمجر أسفر الأمر عن إحياء أحزاب كانت مصيرها خارج التيار السياسي الرئيس قبل 20 عاما أو حتى عشرة أعوام. وبالطبع، ربما تكون هذه مجرد أصوات احتجاجية عابرة، لكن ليس ثمة شيئا مؤكدا. الصعوبات الاقتصادية الشديدة لها تبعات من الصعب التنبؤ بها. لكن الحكومة اليونانية تؤكد إنه لن يحدث تهاون. وقال المتحدث باسم الحكومة سيموس كيديكوغلو: لن نواجه نفس مصير فايمر. وأضاف: لن نترك التاريخ يكرر نفسه، ونحن مصرون على القيام بكل ما هو ضروري لحماية وحدة مجتمعنا. لكن تساور منظمة العفو الدولية بعض المخاوف. وتحذر المنظمة من أن أعدادا متزايدة من الزعماء السياسيين يروجون لرسائل معادية للأقليات ويتمتعون بشعبية متنامية. وقال نيكولاس بيغر، مدير مكتب مؤسسات أوروبا التابع لمنظمة العفو الدولية في بروكسيل: يجب ألا ينخدع زعماء الاتحاد الأوروبي ببريق جائزة [نوبل للسلام]. وأشار إلى أن كره الأجانب وعدم التسامح يزداد بمختلف أنحاء أوروبا. وبالطبع لا تكون المقارنات التاريخية متطابقة تماما، لكن يمكننا تعلم شيئا من الماضي. ولا تقتصر أزمة منطقة اليورو على البعد المالي – لكنها باتت مشكلة سياسية واجتماعية بالكثير من الدول. وإذا كانت بعض النتائج المحتملة خطيرة، لا يمكننا الحديث عن أنه لم تصلنا تحذيرات. وقال رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو خلال مقابلة مع بي بي سي إن الأحزاب الرئيسة في القارة الأوروبية ملتزمة بالحرية والديمقراطية والقيم الأوروبية. لكن يجب أن نبقى حذرين، فالأشباح القديمة لا زالت موجودة.