بدأ اثنان من قدامى جنرالات الجيش التركي اللذان لا يزالان على قيد الحياة ويقفان وراء الانقلاب العسكري الدامي في تركيا في 1980، بتبرير نفسيهما الاربعاء امام القضاء، مؤكدين من المستشفى الذي يرقدان فيه انهما تحركا بدافع "الواجب" وحب الوطن. واعلن الجنرال السابق كنعان افرين رئيس المجلس العسكري بصوت ضعيف "لست نادما (...) لقد قمنا بما كان صائبا انذاك. لو كان علي القيام بالعمل نفسه اليوم، لقمت به" لوضع حد لعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي ساد طيلة فترة السبعينات في تركيا. وكنعان افرين (94 عاما) الممدد فوق سري في المستشفى العسكري في انقرة حيث يتلقى العلاج، تلى مذكرة مقتضبة امام محكمة جنايات انقرة عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة. واحاط به طاقم طبي وكاتب عدل. وفي معرض تاكيده بحسب نص مقتضب نشرته وكالة انباء الاناضول، ان عملية 12 ايلول/سبتمبر 1980 "لا تشكل جريمة"، انكر صلاحية المحكمة التي تحاكم ايضا قائد سلاح الجو في عهده تحسين شاهينكايا. وقال "لست متهما. واجبي يقتضي فقط ان اساعد هذه المحكمة" في مهامها، وشدد قائلا "وحده التاريخ يمكن ان يحاكمني". ورفض الاجابة عن اسئلة القضاة والجهة المدنية. وكان سبقه صباحا شاهينكايا بالادلاء بشهادته. ومن على سريره في المستشفى العسكري في اسطنبول حيث يتلقى العلاج، كان القائد السابق لسلاح الجو تحسين شاهينكايا (86 عاما) الاول في التحدث امام محكمة الجنايات في انقرة عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة. وبدا الثمانيني الذي وقف الى جانبه احد محاميه وكاتب عدل وطاقم طبي، ضعيفا ومتعبا، وتلا مذكرة اعلن فيها مسؤوليته في المشاركة في انقلاب 1980 من دون التعبير عن اي ندم. وقال الرجل المسن للقضاة بحسب ما نشرته وكالة انباء الاناضول التركية، ان "القوات المسلحة التركية قامت في الثاني عشر من ايلول/سبتمبر 1980 بواجبها حيال الشعب. لقد فعلنا افضل شيء ممكن في ذلك العهد". وفي تصريح مقتضب، اكد الجنرال السابق ايضا انه تصرف انطلاقا من "الواجب الدستوري" لوضع حد لعدم الاستقرار السياسي الذي كان سائدا في ذلك الوقت في تركيا. ولاحقا رفض شاهينكايا قطعيا الاجابة على اسئلة محامي الطرف المدني معللا ذلك بان "المحكمة ليست مؤهلة لمحاكمتنا". واضاف ان "تدخل 12 ايلول/سبتمبر حدث مهم احتل مكانته في تاريح تركيا والعالم. ان الاحداث التاريخية لا يمكن ان يحكم عليها الا التاريخ (..) هذه المحكمة لا يمكنها محاكمتنا". وارجئت المحاكمة الى الخميس. وقد تم تعيين الجنرال السابق كنعان افرين (94 عاما) قائد المجموعة العسكرية الملاحق ايضا بتهمة تنظيم انقلاب 1980، رئيسا للجمهورية ولم يغادر مهامه الا في 1989. وبدات المحاكمة التاريخية للجنرالين السابقين، الاولى في تاريخ تركيا التي تستهدف منفذي انقلاب عسكري، في الرابع من نيسان/ابريل الماضي. وتم حتى اليوم اعفاء الجنرالين السابقين بسبب وضعهما الصحي من المشاركة في جلسات المحاكمة. وظهر الجنرالان السابقان للمرة الاولى الثلاثاء عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة امام قضاتهما للرد باقتضاب على استجواب يتعلق بهويتيهما واجراه رئيس محكمة الجنايات قبل الاستماع الى تلاوة قرار الاتهام المؤلف من 80 صفحة. ومثول هذين المسنين المريضين والذي يذكر بمثول الرئيس المصري السابق حسني مبارك وهو على سريره وانما داخل قاعة المحكمة، يشكل سابقة كبيرة في تاريخ تركيا. ومارس الجيش التركي منذ امد بعيد سيطرة فعلية على الحياة السياسية في تركيا بدءا من ستينات القرن الماضي. وعلاوة على ثلاثة انقلابات عسكرية تسبب الجيش باستقالة الحكومة الاسلامية سنة 1997. وحظي منفذو انقلاب 1980 بحماية لفترة طويلة وفرتها الحصانة التي كانوا يتمتعون بها والتي لم ترفع الا في العام 2010 اثناء تعديل دستوري اجرته الحكومة الاسلامية المحافظة برئاسة حزب العدالة والتنمية. ومنذ وصوله الى السلطة في 2002، بدا حزب العدالة والتنمية سياسة شد حبال مع الجيش الذي اعلن نفسه حامي الارث العلماني لمؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال اتاتورك. وتمكنت حكومة رجب طيب اردوغان على اثر ملاحقات قضائية وعقوبات بسبب مؤامرات مفترضة، في الحد من النفوذ السياسي للعسكر بشكل كبير. وانقلاب العام 1980 الذي نفذه الجيش التركي كان الاكثر دموية. وفي الاسابيع والاشهر التي تلت، تمت تصفية نحو خمسين شخصا واعتقل 600 الف اخرون وقضى العشرات تحت التعذيب واعتبر عدد كبير اخر في عداد المفقودين. وعلى الرغم من هذه الحصيلة، فان العمل الذي قام به منفذو الاضراب لقي موافقة السكان الذين وبعد ان انهكهم عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي لسنوات عدة، وافقوا بكثافة في 1982 على الدستور الجديد ذات الطابع التسلطي والذي لا يزال معمولا به اليوم رغم بعض التعديلات.