لم يجد عشرات الالاف من اللاجئين السوريين سوى مخيمات متناثرة على امتداد الحدود تؤويهم بعد ان اصبحت تركيا ملاذا لهم من قتال متناحر تعج به بلادهم. واصبحت البلاد ايضا قاعدة ينشط فيها المعارضون الذين يسعون الى اسقاط نظام حكم الرئيس السوري بشار الاسد، فضلا عن كونها بؤرة استجماع المقاتلين نشاطهم والتخطيط لتنفيذ عملياتهم. ويحمل العديد من هؤلاء اللاجئين الكثير من القصص التي تفصح عن تطلعات المعارضين واساليبهم الى جانب الحياة داخل النظام. واستطاع التلفزيون السوري الرسمي ان يبث مقابلة خاصة في الثامن عشر من يونيو/حزيران اجراها مع فتاة تدعى آلاء مورلي كانت ترتدي حجابا ابيض قالت في نبرة متكلفة انها لفقت تقارير اخبارية لقناة الجزيرة. وتروي آلاء بداية قصتها بالتعرف على سيدة عن طريق موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، حيث فاتحتها آلاء برغبتها الطموحة في العمل كمراسلة اخبار لاحدى القنوات العربية. ولم يمض وقت طويل حتى بدأ يتحقق ما حلمت به الفتاة، بعد ان طلبت منها السيدة الاستعداد لاقتحام عالمها الجديد. اخبرتها السيدة ان الامر لا يقتضي خبرة سابقة على الاطلاق وان قسم الاخبار سيرسل لها الاخبار المطلوبة. كل ما كان يلزم من آلاء ان تفعله هو تركيب صوتها على كلمات الخبر، هاتفيا او من خلال برنامج سكايب، من داخل سوريا، حيث كانت المهمة تهدف الى تشويه صورة الحكومة السورية، بحد تعبير الفتاة للتلفزيون السوري. وعلى الرغم من ان الاء بدت هادئة ومستجمعة للافكار اثناء الادلاء باعترافها، كانت تتحدث تحت وطأة الاكراه. بعد تلك الواقعة بشهرين التقينا بآلاء بعد ظهر احد الايام في شقة بمدينة انطاكية في شرق تركيا، بعد ان تسللت عبر الحدود السورية في ليلة سابقة، ليلة الاحتفال بعيد الفطر. تحكي آلاء، الطالبة بالسنة الثالثة بكلية دراسات التاريخ بجامعة اللاذقية شمال غرب سوريا، كنت قد انتهيت لتوي من امتحانات الجامعة، استوقفتني دورية امنية وطلبت مني ابراز بطاقة الهوية الشخصية. بعدها ادخولني الى سيارة واقتادوني الى مقر الشرطة. وبعد انتظار دام خمس ساعات، تساءلت ما عساه سيحدث. قالت آلاء انها كانت ناشطة على هامش حركة معارضة، وانها لم تأخذ الامر على محمل الجد، مضيفة ان احد ضباط المخابرات جاء لاستجوابها وحينئذ بدا الامر برمته انه مجرد لبس في تحديد هويتها. كان الضابط يخاطبني ويناديني باسم بنان ، واخبرته الفتاة بان اسمها آلاء وليس بنان. قلت له اني لم افعل شيئا، وصرخت لماذا تحتجزوني هنا؟ وكنت في حالة عصبية وحيرة من امري. وتروي الفتاة ان ضابطا آخر انضم للتحقيقات واخبراها بانهما يحتجزان اخاها في الجانب الاخر من المبنى. وتؤكد آلاء انها شعرت بانه لا مفر لها سوى ابداء التعاون، وبناء عليه اخبرتهما قائلة ماذا تريدان مني ان افعل. اتريدان مني ان اكون بنان حسن تلك؟. حسنا انا بنان حسن. وبنان حسن اسم ناشطة يتردد بصفة دائمة عبر اتصالات هاتفية تجريها قناة الجزيرة. قالت آلاء ان اعترافها الزائف بدا مرضيا لضابطي الامن، ومن ثم احتجزت مع عدد من السجينات داخل زنزانة لمدة شهرين. وقالت كنا نسمع طوال الوقت في الزنزانة اصواتا. كنا في زنزانتنا نسمع صراخا يأتي من الغرفة المجاورة. كنا نسمع احيانا صوت ارتطام رأس شخص ما بالجدار. وبدت الفتاة خلال مقابلتنا صامدة كحالتها النفسية التي ظهرت بها اثناء الادلاء باعترافها للتلفزيون السوري، لكنها اعترفت انها كانت تجربة مخيفة. كان الجيش السوري الحر يعكف طوال الوقت، على نحو لا تعرف آلاء تفاصيله، على خطة تقضى بالافراج الآمن عنها. وكان يجلس الى جوار آلاء في شقة انطاكية الفسيحة رجل يدعى سيد طربوش. عمل طربوش قبل اندلاع الثورة السورية وسيطا للعقارات، لكنه الان اصبح قائدا لأحد ألوية المعارضة التي استطاعت القبض على عدد من المسلحين الموالين للنظام السوري المعروفين باسم (الشبيحة) والترتيب لصفقات تقضي بتبادل الاسرى. قال طربوش، وهو يتذكر اسابيع المفاوضات، كنا نقف على الطريق السريع الواصل بين حلب واللاذقية. كانت تجرى المفاوضات من خلال طبيب. وكانت آلاء هناك في نقطة تفتيش امنية يحرسها 400 فرد من قوات الامن والشبيحة. ومدينة اللاذقية منطقة حيوية لبشار الاسد فضلا عن كونها تؤوي العديد من الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الرئيس السوري وتدعمه بشدة. وتذكر طربوش انه ورجاله وقعوا في براثن فخ عندما جاء المفاوض للقاء المعارضين وترك آلاء وامها في نقطة التفتيش دون احضارهما. واضاف سلمانهم اسرانا، لكنه اخذ آلاء وامها وعاد الى مدينة اللاذقية. فقدنا الاتصال لمدة ساعتين، ثم استطعنا اجراء اتصال هاتفي بالمفاوضين ولجأنا الى تهديدهم باشعال النيران في القرى الموالية للنظام القريبة من المكان. وأكد طربوش ان التهديد كان ايجابيا حيث سلموا آلاء وامها الى الجيش السوري الحر في تلك الليلة، واستطاعوا تأمين عبورها بسلام الى الاراضي التركية. وتأمل آلاء في العودة قريبا الى اللاذقية، كما تؤكد في الوقت عينه ان تجربتها دفعتها من هامش حركة المعارضة الى بؤرة نشاطها، حيث قالت اريد الاستمرار في الطريق الذي اجبروني على السير فيه. اريد الاستمرار حتى النهاية حتى يكتب لثورتنا النصر.