دبى - يشهد قطاع الطاقة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العقد المقبل موجة من المشاريع الرأسمالية الكبرى، إذ ستبلغ قيمة الإنفاق المتوقع 1.1 تريليون دولار، أي ما يقارب ربع الاستثمار العالمي في القطاع حتى سنة 2020. غير أن سجل المنطقة متفاوت في ما يتعلق بتنفيذ المشاريع الرأسمالية الكبرى. وحدد خبراء في الاستشارات الإدارية بشركة بوز آند كومباني الأسباب الجوهرية لعدم فاعلية تطوير المشاريع الرأسمالية وإدارتها وتنفيذها، مما قد يعوق الاستفادة الكاملة من الإنفاق الرأسمالي المتوقع. كما درسوا الطرق التي يمكن بواسطتها تجاوز هذه الأسباب. وأكدوا أن الإمارات كانت رائدة في تطوير الغاز الطبيعي المسال، وهي في طور بناء حقول متطورة جداً للغاز الحامضي، بالإضافة إلى التخطيط لزيادة قدرة إنتاج النفط. وقالوا: خلال العقد المقبل، من المتوقع أن يستمر قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تنفيذ برنامج الاستثمارات الكبرى، هذا من خلال تنفيذ مشاريع تبلغ قيمتها حوالي 1.1 تريليون دولار في مختلف مراحل سلسلة قيمة الطاقة. ووفق وكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن تستحوذ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على حوالي 25? من الاستثمارات العالمية في مجال الطاقة. كما أنه من المتوقع أن تتصدر قائمة الإنفاق بلدان تمتلك موارد كبرى مثل السعودية والإمارات والعراق وإيران. تحدٍ بقيمة تريليون دولار خطت البلدان المصدرة للنفط خطوات ملفتة في تعزيز موقعها في الأسواق النفطية، (مثلاً بنت شركة النفط الوطنية العربية السعودية، أي أرامكو السعودية، منشآت بنية تحتية في عام 2009 لزيادة قدرة إنتاج النفط إلى 12.5 مليون برميل في اليوم، بما في ذلك تطوير حقل خريس النفطي، الذي تبلغ قدرته الإنتاجية 1.2 مليون برميل في اليوم، بتكلفة تبلغ 10 مليارات دولار)، والتوصل إلى موقع ريادي في قطاعات متصلة جديدة، على غرار البتروكيماويات والغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال والصلب والألمينيوم. وقد حقق القطاع هذا التنويع من خلال تنفيذ عدد من المشاريع الكبرى الرائدة في منطقة الشرق الأوسط. وباتت السعودية أحد أكبر الفاعلين في سوق البتروكيماويات مع شركتها الوطنية سابك، وهي واحدة من أكبر خمسة منتجين في العالم. وقد تحقق هذا الأمر عبر إنشاء مواقع صناعية ضخمة تضم مجمعات للصناعات البتروكيماوية عالمية المستوى في الجبيل وينبع. أما قطر فقد باتت أكبر مصدِّر للغاز الطبيعي المسال في العالم خلال العقد الماضي، من خلال بناء 14 منشأة كبرى للغاز الطبيعي المسال، عبر شركتيها الوطنيتين قطر للغاز وراس غاز. علاوة على ذلك، بنت قطر أيضاً أكبر مشروع لتحويل الغاز إلى سوائل في العالم (بالتعاون مع شيل). الموجة التالية «غير أن الموجة التالية من المشاريع الرأسمالية ستكون أكبر وأكثر تشعباً، وستشكل إنفاقاً رأسمالياً كبيراً يجب إدارته بعناية»، وفق رائد كمبرجي، الشريك في بوز آند كومباني، الذي تابع أن «مؤشرات الماضي تظهر أن لشركات المنطقة سجلا متفاوتا في تنفيذ المشاريع الرأسمالية الكبرى، إذ باتت تتكرر مشاكل تجاوز التكاليف والخروج عن الجداول الزمنية والجودة غير الملائمة. وينتج بعض من هذه المشاكل من مشاكل مرتبطة بالسوق، على غرار الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي». وأضاف أن «العديد من هذه المشاكل يتأتى من داخل القطاع ذاته. وتبين تجربتنا أن أحد الأسباب الجوهرية لهذه المشاكل هي الاستراتيجيات غير الملائمة لإدارة المشاريع ونقص الحوكمة الواضحة والتوحيد غير الكافي للمعايير والنقص في القدرات المحلية». العادات السبع تملك شركات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اليوم فرصة نادرة لإجراء مراجعة جذرية لطريقة تطوير المشاريع الرأسمالية وإدارتها وتنفيذها. وعلى وجه الخصوص، سوف يتعين على القطاع إتقان سبع عادات رئيسية لبناء قدرات تنفيذ مشاريع ذات مستوى عالمي. وهذه العادات هي: وضع استراتيجية واضحة للهندسة وإدارة المشاريع، ووضع نموذج لإدارة المشاريع مع تحديد واضح للمسؤوليات، ووضع الإجراءات الملائمة للتأكد من تلبية معايير الأداء، و تطوير مراكز امتياز في مجالات الهندسة وإدارة المشاريع الرئيسية، وتطوير تحالفات استراتيجية لمعالجة فجوات القدرة المحلية، وإنشاء أكاديميات متخصصة للمشاريع والشؤون التجارية لتحسين التعليم والتطوير، ورفع مستويات التوحيد في جميع المجالات. ورأى آلان ماسوي، وهو مدير أول في بوز آند كومباني، أن «على الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وضع استراتيجية واضحة للهندسة وإدارة المشاريع لضمان حسن إدارة مشاريعها الرأسمالية وتنفيذها. وتحدد هذه الاستراتيجية المشاريع والنشاطات التي ستتولاها الشركة بنفسها وتلك التي سيُعهد بها إلى جهات خارجية. ولوضع هذه الاستراتيجية، يجب أن تضع الشركات إطاراً دقيقاً وشفافاً لتصنيف المشاريع بحسب المخاطر والحجم ومدى التعقيد والنوع». ورغم أن بعض الشركات الهندسية قد تتلكأ في تبادل المعرفة، فإن قصص النجاح الأخيرة تظهر أنه مع وجود الحوافز المناسبة، وافقت الشركات الهندسية الدولية الكبرى على إيجاد تحالفات استراتيجية ذات فائدة متبادلة مع شركات نفط وطنية ودولية وشركات إقليمية. وقال آشيش ساستري إن «تحالفاً من هذا القبيل، إذا صُمم بشكل صحيح، من شأنه أن يعود بمنافع متبادلة على الشريكين وأن يسرّع تطوير القدرات الذاتية لشركة الطاقة. فرصة للشركات قال رائد كمبرجي، الشريك في بوز آند كومباني، إنه "مع انطلاق موجة جديدة من الاستثمارات الكبرى، فإن الوقت الآن مناسب للشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمراجعة الطريقة التي تطور بها مشاريعها الرأسمالية وتديرها وتنفذها. ويتعين عليها إتقان العادات الرئيسية السبع التي حددتها بوز آند كومباني لبناء قدرات عالمية لتسليم المشاريع. بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال برامج المشاريع الرأسمالية الرئيسية هذه، سوف يكون للشركات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فرصة فريدة لبناء القطاع الخاص المحلي واحتضانه وتأدية دور وطني أساسي في المساهمة في إجمالي الناتج المحلي والاقتصاد برمته. والأهم ربما هو أنه في إمكان الشركات بناء القدرات الداخلية والحد من الاعتماد على الجهات الخارجية".