بيروت (رويترز) - ربما يكون أمام بعثة مراقبة تابعة لجامعة الدول العربية الى سوريا تمثل تدخلا عربيا غير مسبوق في دولة عربية شقيقة مجرد أيام كي تثبت للمتشككين أنها يمكن ان تكون شاهدا له مصداقية على ما اذا كان الرئيس بشار الاسد قد أوقف قمع المحتجين أم لا. ويقول دبلوماسيون عرب ومحللون في المنطقة ان هؤلاء المراقبين الذين بدأوا جولاتهم في سوريا يوم الثلاثاء يمثلون الركيزة الاساسية لخطة السلام العربية التي على دمشق الالتزام بها اذا كانت ترغب في تجنب وجود ذريعة لتدخل دولي أوسع نطاقا. وتريد الدول في الجامعة العربية التي تضم 22 دولة التي ساندت هذه الخطوة لمحاولة انهاء اراقة الدماء في سوريا المستمر منذ تسعة أشهر منع انزلاق البلاد الى حرب أهلية مما سيؤدي لزعزعة استقرار منطقة تعاني أصلا من اضطرابات. كما أن العرب يرغبون بشدة في تجنب تكرار ما حدث في ليبيا حيث ساعد حلف شمال الاطلسي بغاراته الجوية على الاطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي وأظهروا بدلا من ذلك أن بامكانهم ترتيب البيت من الداخل دون مساعدة أو تدخل دول غربية. لكن أعداد القتلى في سوريا ارتفع في الوقت الذي تلكأت فيه دمشق في السماح بدخول مراقبين مما أدى الى التشكك فيما اذا كانت المبادرة العربية قادرة على انهاء العنف أم أنها ستكشف بدلا من ذلك عن ضعف الدبلوماسية العربية. وقال سلمان شيخ مدير مركز بروكينجز الدوحة "على بعثة المراقبة أن تثبت مصداقيتها الان ومسألة تمكنها من دخول المناطق خلال اليومين أو الثلاثة القادمة ستبلغنا ما اذا كانت فعالة بأي شكل من الاشكال." وأضاف "هناك جرعة صحية من التشكك في هذا الصدد فيما يتعلق بما هم قادرون على تحقيقه." وصرح الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي لرويترز الاسبوع الماضي بأنه بمجرد وصول المراقبين فبامكانهم التأكد في فترة لا تزيد عن اسبوع مما اذا كانت سوريا تلتزم بخطة تدعو لسحب القوات من المناطق السكنية والافراج عن السجناء وبدء محادثات مع المعارضة. لكن البعض يقول ان المراقبين ربما يتعرضون للخديعة من السلطات السورية التي من الممكن ان تخلي المدن قبل وصولهم وأن تعيد القوات بمجرد رحيل المراقبين. وعبر وحيد عبد المجيد وهو خبير في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة عن خوفه من أن يتحول فريق المراقبة الى شاهد زور عن عمد مضيفا أنه يخشى أن يلقي الفريق باللوم على العنف من الطرفين. وفوجئ كثيرون باختيار الفريق اول الركن محمد احمد مصطفى الدابي رئيسا لفريق المراقبة وهو سوداني الجنسية ولديه خبرة في الوساطة بين الخرطوم وقوات حفظ السلام في السودان لكن البعض يتساءل عما اذا كان بامكانه أن يصبح شاهدا محايدا نظرا لخلفيته العسكرية في بلد يعاني من حركات تمرد وكثيرا ما يتهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان. وتقول الخرطوم ان جيشها كان يرد على حركات التمرد المسلحة وانها التزمت بالقوانين الدولية على الرغم من انتقادات من جماعات حقوق الانسان والغرب بسبب طريقة تعاملها مع الاضطرابات الداخلية. وقال عبد المجيد من مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية انه لم يعد عند الجامعة العربية أي شئ اخر يمكن ان تطرحه واتهمها بالتلكؤ ليس دفاعا عن النظام السوري لكن لتعطيل التدخل الدولي. وهو يرى ان هذا سيحدث في وقت ما. كما أن الموجودين داخل سوريا الذين رأوا الدم يراق في الوقت الذي تلكأت فيه الدبلوماسية العربية وشاهدوا الدبابات وهي تفتح النار في المناطق السكنية يشكون في أن بعثة المراقبة ستحدث تغييرا في التعامل مع النظام السوري. قال تامر وهو عامل بناء سوري "لا يمكننا الاعتماد على الجامعة العربية. ليس لنا سوى الله. نحن نتحمل هذا منذ عشرة أشهر وهم مستمرون في اعطاء الحكومة مهلة والان بعثوا مراقبين اخيرا.. ماذا بعد ذلك.. مزيد من المهل.. حتى نموت جميعا.." وكان تامر الذي ذكر اسمه الاول فقط حتى لا يتعرض لانتقام من النظام يتحدث عبر الهاتف من مدينة حمص بوسط سوريا أول محطة زارها المراقبون والتي قصفها الجيش. وقالت الجامعة انها أولا تحتاج الى موافقة السلطات السورية تماما مثل أي بعثة دولية لحفظ السلام أو المراقبة. وقال مسؤولون ان التعطيل لا يرجع الى أنها تتفاوض على الشروط وانما لانها في حاجة الى موافقة دمشق دون شروط. وقال العربي خلال المقابلة التي أجرتها معه رويترز الاسبوع الماضي انها اذا كانت وسيلة للتعطيل فسوف يعرفون ذلك على نحو يقيني في غضون اسبوع من بدء بعثة المراقبة لمهمتها مضيفا أن التقارير التي ستصدرها البعثة ستحدد الاساس الذي سيتخذ من خلاله أي قرار في الفترة القادمة. وعلى الرغم من أن منتقدي هذه البعثة ربما كانوا يرغبون في اجراء أسرع وأكثر حسما لوقف العنف فان المبادرة العربية هي من بين أول التحولات وأكثرها جذرية لجامعة الدول العربية والتي بدأت في ليبيا والتحديات التي تواجه المنطقة خلال انتفاضات "الربيع العربي". وعلقت الجامعة بالفعل عضوية سوريا وأعلنت عقوبات اقتصادية كاسحة أقرت سوريا بأنها تؤثر على تجارتها ومعاملاتها المالية. وظلت الجامعة العربية التي تأسست عام 1945 تتجنب منذ عشرات السنين العمل ضد أي دولة عربية شقيقة. ولم تمنحها المبادئ المؤسسة القوة الكافية مثل الاممالمتحدة أو مجلس الامن التابع لها على سبيل المثال. ونظرا لهذه الخطوة غير المسبوقة فان البعض في المعارضة السورية مستعدون لمنح بعثة الجامعة الوقت اللازم لاثبات قدرتها على أن تكون شاهدا محايدا رغم أنهم يوضحون أنهم ينتظرون أن يظهر التقييم ان القمع الذي تمارسه الحكومة لم ينحسر. وقال ملهم الدروبي من جماعة الاخوان المسلمين وهي جزء من قوة سورية معارضة أوسع نطاقا انهم ينتظرون لمعرفة ما الذي ستفعله البعثة وانهم يتوقعون أن تتمكن من كتابة تقرير به العديد من الحقائق لان الحقائق جلية تماما. واستنادا الى تقارير من داخل سوريا يتوقع الكثير من المحللين ان تكون بعثة المراقبة مقدمة لتصعيد الملف السوري لجهات خارج نطاق الجامعة. وحذرت قطر التي قادت جهودا لدفع سوريا نحو الموافقة على المبادرة العربية دمشق هذا الشهر من أنه ربما يطلب من مجلس الامن التابع للامم المتحدة تبني الخطة العربية. وقال العربي ان الجامعة تطلع الامين العام للامم المتحدة بان جي مون على الخطة بشكل منتظم. وفي مجلس الامن قد يواجه اتخاذ اجراء صارم ضد سوريا مقاومة من الصين وروسيا وان حثت موسكودمشق على السماح بدخول المراقبين. كما أن الغرب لم يبد رغبة تذكر في أن يستدرج الى صراع جديد في الشرق الاوسط. لكن في حالة عدم سحب سوريا قواتها فان الضغط للتدخل الدولي سيزيد. وقال سفير للجامعة العربية التي تتخذ من القاهرة مقرا لرويترز "ارسال الجامعة مراقبين عربا الى دولة عربية أمر غير مسبوق... لذلك علينا أن نساعد المراقبين على أداء عملهم بشكل تام حتى لا نتيح فرصة للتدخل الاجنبي (من دول غير عربية)."