يواجه لبنان ازمة سياسية يتوقع ان تزداد تعقيدا مع تهديد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالاستقالة اذا لم تدفع حكومته حصتها من تمويل المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. وبعد ساعات من اعلان ميقاتي انه سيستقيل اذا لم تقر حكومته دفع حصة لبنان من تمويل المحكمة انسجاما مع التزامات لبنان الدولية، قاطع وزراء تكتل التغيير والاصلاح بزعامة النائب المسيحي ميشال عون، ابرز حلفاء حزب الله، جلسة لمجلس الوزراء كانت مقررة الجمعة من اجل البحث في تحديث عدد من القوانين احتجاجا على "اداء الحكومة". وعلى الاثر، صرح عون عبر قناة "او تي في" التلفزيونية التابعة لتياره رفضه لاسلوب "التهديد في الموضوع الحكومي". وقال "نرفض اسلوب +اذا لم تعطوني استقيل+، نحن لنا حق الاعتراض اكثر من غيرنا لان مشاريعنا التي تتعلق بالخدمة العامة والمشاريع الانمائية كلها متوقفة". وسأل "الا يوجد لدى الحكومة الا مشروع تمويل المحكمة؟ أين مصالح الشعب والبلد؟". وردا على سؤال عما اذا كان وزراء التكتل البالغ عددهم 11 مستعدين للاستقالة في حال عدم الوصول الى حل، قال "نحن مستعدون لكل الاحتمالات". ويفترض ان تبحث الحكومة في اجتماع محدد الاربعاء 30 تشرين الثاني/نوفمبر في مسألة التمويل التي يرفضها حزب الله وحلفاؤه الذين يشكلون اكثرية الحكومة. وقال ميقاتي في مقابلة تلفزيونية مع المؤسسة اللبنانية للارسال (ال بي سي) مساء الخميس "اذا اتخذت مؤسسة مجلس الوزراء قرارا بعدم التمويل، وانا بقيت امارس الحكم، ستأتي العقوبات على كل لبنان، لانني ساكون موافقا على قرار مجلس الوزراء". واضاف "اذا استقلت، سأكون قد حيدت لبنان وكل قطاعاته الاقتصادية. (...) اعتقد انني بالاستقالة احمي لبنان". وتابع "لا اتصور نفسي رئيسا لحكومة يكون لبنان في عهدها أخل بالتزاماته الدولية او خرج من المجتمع الدولي او نكل بتعهداته". ويؤشر هذا الموقف لمواجهة محتملة بين ميقاتي وفريق حزب الله ظهرت اولى بوادرها بعد ظهر الجمعة مع مقاطعة وزراء تكتل التغيير والاصلاح جلسة مجلس الوزراء. وقال وزير الطاقة جبران باسيل المنتمي الى التيار لوكالة فرانس برس ان عدم حضور الجلسة "اشارة اولى لتسجيل اعتراضنا على اداء الحكومة". وقال باسيل "تأملنا في تحسن اداء الحكومة، لكن تبين انه يتراجع"، موضحا ان تكتل التغيير والاصلاح سيجتمع السبت برئاسة عون ويعلن موقفا من الوضع الحكومي. وكان عون اعلن مرارا رفضه التام لتمويل المحكمة، معتبرا ان المحكمة الخاصة بلبنان التي نشأت بقرار من مجلس الامن تحت الفصل السابع الملزم، لم تقر في المؤسسات الدستورية اللبنانية، وبالتالي هي "غير قانونية". واكد الامين العام لحزب الله حسن نصرالله في 25 تشرين الاول/اكتوبر ان حزبه "لا يوافق على المحكمة لا جملة ولا تفصيلا، وبطبيعة الحال هو ضد تمويل المحكمة". ويشكك حزب الله بمصداقية المحكمة، ويعتبر انها "اداة اسرائيلية اميركية لاستهدافه". وقد وجهت المحكمة في آب/اغسطس الاتهام في التورط في اغتيال الحريري العام 2005 الى اربعة عناصر من الحزب متوارين عن الانظار. ويملك حزب الله وحلفاؤه الاكثرية في الحكومة. وجاء موقف ميقاتي غداة لقائه مع رئيس المحكمة الخاصة بلبنان القاضي ديفيد باراغواناث الذي زار بيروت ونصح المسؤولين اللبنانيين بمعالجة موضوع تمويل المحكمة "قبل ان ينتقل الملف الى مجلس الامن الدولي"، بحسب ما افاد مصدر وزاري وكالة فرانس برس. وينص النظام الاساسي للمحكمة التي نشأت العام 2007 على ان يساهم لبنان بنسبة 49% في موازنتها، وتتكفل الدول المانحة بالمبلغ المتبقي. وقد سدد لبنان حصته خلال السنتين الاوليين من عمل المحكمة عندما كانت الاكثرية الحكومية بيد المعارضة الحالية وابرز اركانها سعد الحريري، نجل رفيق الحريري. واستحق المبلغ المتوجب على لبنان لهذه السنة وقدره 35 مليون دولار. وسقطت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الحريري في كانون الثاني/يناير بعد انسحاب وزراء حزب الله وحلفائه منها، على خلفية خلاف حول المحكمة الخاصة بلبنان. وكان ميقاتي اعلن مرارا منذ تشكيل حكومته في حزيران/يونيو التزامه بتنفيذ تعهدات لبنان الدولية، بما فيها تلك المتعلقة بالمحكمة. ويرى مراقبون انه من الصعب على ميقاتي الذي ينتمي الى الطائفة السنية ان يقبل بالظهور وكانه يرفض التعاون في تحقيق دولي يطال اغتيال زعيم سني كبير هو رفيق الحريري. ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت كريم مقدسي ان ميقاتي "حدد ثوابته، وقال بوضوح هذا خط احمر. عليه ان يثبت للطائفة السنية انه لم يتخل عما يبدو مطلبا اساسيا لها". ويرى ان خطوة ميقاتي بالتهديد بالاستقالة "هي الورقة الاخيرة" المتاحة له. ويضيف "لقد تم تأجيل قرار التمويل لوقت طويل، وزيارة رئيس المحكمة هي اشارة الى ان المجتمع الدولي غير مستعد لاي تسوية" في هذا الموضوع. ويرى مقدسي ان "الوضع هش، ولا اظن ان احدا يعرف ماذا سيحصل على المدى القريب".