القاهرة (رويترز) - يبدو من المستبعد أن يخرج حكام مصر الذين يواجهون تحديات اقتصادية على عدة جبهات باستجابة سياسية محكمة في الوقت الذي تتجه فيه البلاد نحو فترة انتخابات طويلة ومضطربة قد تزيد من صعوبة اتخاذ القرارات. وليس من الواضح حتى الان أي حكومة ستتولى ادارة الاقتصاد قبل الانتخابات. فقد قبل المجلس العسكري استقالة رئيس الوزراء المدني وحكومته في وقت متأخر من يوم الثلاثاء لكنه لم يورد تفاصيل عن "حكومة الانقاذ الوطني" التي يقول بعض الساسة انها ستشكل. وحتى اذا تم تعيين حكومة جديدة بسرعة فانها ستواجه صعوبات في التعامل مع ارتفاع اسعار المواد الغذائية وتراجع الاحتياطيات بالعملة الاجنبية والازمة الوشيكة في ميزانية الدولة التي تعقد جهود السلطات في التعامل مع أسوأ اضطرابات تشهدها البلاد منذ الاطاحة بالرئيس حسني مبارك في فبراير شباط الماضي. فمعالجة أي من المشكلات قد تفاقم الاخرى. فخفض الانفاق الحكومي على دعم المواد الغذائية لتعزيز مالية الدولة على سبيل المثال قد يزيد الاثر على تضخم أسعار الغذاء ويثير المزيد من الاضطرابات. وحتى الان تحجم السلطات عن اتخاذ قرارات حاسمة بشأن أي من المشكلات. وقبل استقالة الحكومة قال دبلوماسي غربي طلب عدم الكشف عن هويته "الحكومة أسقط في يدها... يبدو انه ليس هناك حوار فعلي بشأن هذه القضايا ولا مؤشر على سياسات للتكيف مع الظروف المتغيرة." ومن المقرر أن تبدأ انتخابات مجلس الشعب الاسبوع المقبل وأن تستمر حتى يناير كانون الثاني على أن تبدأ انتخابات مجلس الشورى في أواخر يناير وتستمر حتى مارس اذار. وخلال هذه الفترة ستفتقر الحكومة لتفويض شعبي لاحداث تغييرات في السياسة الاقتصادية. وانتخاب برلمان جديد لن يعني بالضرورة وضع سياسات أكثر حسما فالسلطات الرئاسية ستظل مع المجلس العسكري حتى انتخابات الرئاسة. ووعد المشير محمد حسين طنطاوي الذي يرأس المجلس العسكري يوم الثلاثاء الماضي بأن يجري انتخاب رئيس مدني في يونيو حزيران المقبل. أي أقرب ستة اشهر من الموعد المقرر من قبل لكنه يهدد بسبعة اشهر أخرى من الفراغ في سلطة صنع القرار. والتهديد الاقتصادي الاكثر الحاحا هو تراجع الاحتياطيات المصرية بالعملة الاجنبية اذ تضررت ايرادات السياحة والصادرات من الاضطرابات وفرار رؤوس الاموال من البلاد. وهبطت الاحتياطيات من نحو 36 مليار دولار في بداية عام 2011 الى 22.1 مليار دولار في أكتوبر تشرين الاول وقد تصل في الاشهر القليلة المقبلة الى مستويات لا يتمكن عندها البنك المركزي من منع انخفاض حاد في قيمة الجنيه. وكان بامكان مصر في بادئ الامر التعامل مع المشكلة بفرض بعض اشكال القيود الرأسمالية أو بالسماح بانخفاض بطيء ومحكوم للجنيه لتحفيز النمو الاقتصادي والحد من الضغوط باتجاه مزيد من انخفاض العملة. وقد يكون الوقت قد تأخر جدا لتطبيق أي من هذين الحلين دون أن يتسبب ذلك في اثارة حالة فزع في سوق العملة ومزيد من عدم الاستقرار. ويفضل العديد من قادة الصناعة خفض قيمة العملة لجعل الصادرات أكثر جاذبية لكنهم يقولون ان ذلك كان يجب أن يبدأ قبل فترة طويلة. وقال خليل قنديل رئيس غرفة الصناعات المعدنية "كان يجب ان يحدث ذلك تدريجيا على مدى الاشهر الستة الماضية بدلا من خفض عشرة بالمئة بشكل مفاجئ ما سيربك الجميع ويجعل من الصعب وضع الخطط." لذلك فمن اجل تجنب ازمة عملة قد يتعين على الحكومة الحصول على مليارات الدولارات من المساعدات الدولية في الاشهر القليلة المقبلة. لكن المساعدات من صندوق النقد الدولي او مانحين غربيين قد تأتي مصحوبة بشروط تتعلق بالسياسات الاقتصادية مثل اشتراط تحجيم الانفاق الحكومي. والمساعدات من الدول العربية الغنية في الخليج قد تأتي مصحوبة بشروط سياسية. وفي الصيف الماضي رفضت الحكومة عرضا ببرنامج تمويل من صندوق النقد الدولي بقيمة 3.2 مليار دولار لكن الحكومة اثارت امال المصرفيين هذا الاسبوع بقولها انها ستطلب من الصندوق بدء مفاوضات على برنامج سيشبه السابق على الارجح. واستقالة الحكومة قد تعطل هذه المفاوضات. وقال نيل شيرينج الاقتصادي في كابيتال ايكونوميكس "الاولوية الاولى يجب ان تكون الاتفاق على مساعدة مالية دولية والا سيتهاوى الجنيه." وأضاف "الناس مازالت متمسكة بالامل في أن يسود الاسلوب العملي. لكن هناك مخاطر من ان ينتهي الامر بشكل فوضوي." وكتبت ندى فريد المحللة في بنك بلتون فايننشال بالقاهرة في مذكرة بحثية تقول "اذا لم تصل المساعدات الخارجية سيكون تراجع العملة المصرية أكثر حدة وقد يصل سعرها الى 6.8 جنيه للدولار في المتوسط في السنة المالية 2012- 2013 ." وجرى تداول الجنيه بسعر 6.0025 جنيه للدولار يوم الخميس وهو أدنى مستوى في أكثر من ست سنوات. والتغير في سعر الصرف سيؤثر بشكل مباشر على مسألتين اقتصاديتين أخريين مثيرتين للقلق هما التضخم ومالية الدولة. فأي انخفاض كبير في سعر الجنيه سيشكل ضغوطا تضخمية على اسعار المستهلكين. ومصر اكبر مستورد للقمح في العالم لذلك فان ارتفاع اسعار الواردات سيهدد بالمزيد من الصعوبات للمصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر والذين تشير التقديرات الى انهم يشكلون نحو خمس سكان البلاد. وبلغ معدل تضخم اسعار المستهلكين في المدن في مصر 7.1 بالمئة على أساس سنوي في أكتوبر وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. وهذا هو ادنى مستوى في اربع سنوات بفضل المحاصيل المحلية الجيدة لكنه يظل مرتفعا بحسب القيمة المطلقة ويرى بعض المحللين انه سيصعد في الاشهر المقبلة. وللحد من أثر ارتفاع أسعار الغذاء على السكان تدير الحكومة برنامجا ضخما للدعم يسهم في عجز الميزانية الذي يقدر رسميا في السنة المالية الحالية بنحو 8.6 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي مقتربا من مستواه في اليونان. وكانت الحكومة تناقش اصلاح برنامج الدعم لخفض تكاليفه والحد من هدر الموارد من خلاله لكن السلطات لم تتخذ اجراء وربما تكون غير مستعدة للتحرك باتجاه قضية حساسة مثل هذه حتى تنتهي الانتخابات. ومن ناحية أخرى تجد الحكومة صعوبة متزايدة في تمويل العجز بالاقتراض من البنوك المصرية. وخفض البنك المركزي حجم مزادات أذون الخزانة الاسبوع الماضي اذ بلغت العائدات أعلى مستوياتها منذ الازمة المالية العالمية في 2008. وارتفعت تكلفة التأمين على الدين السيادي المصري ضد التخلف عن السداد لمدة خمس سنوات 60 نقطة اساس يوم الاثنين الى اعلى مستوياتها في عامين ونصف العام. وارتفعت عائدات السندات المصرية المقومة بالدولار. وما يعقد جميع قرارات السياسة الاقتصادية هو احتمال أن تثير المزيد من الاضطرابات المدنية وتجعل اجراء الانتخابات أكثر صعوبة. وحتى قبل مقتل نحو 39 شخصا منذ يوم السبت الماضي في اشتباكات بين الشرطة ومحتجين في القاهرة كانت هناك اضطرابات متفرقة في مختلف ارجاء البلاد. وذكرت وسائل الاعلام الحكومية أن محتجين أغلقوا ميناء دمياط في شمال البلاد يوم 13 نوفمبر اثناء اشتباكات بين الجيش والسكان القلقين من التلوث من مصنع للاسمدة. وفي اليوم نفسه اطلقت الشرطة في أسوان الغاز المسيل للدموع لتفريق احتجاج على مقتل شخص. وفي يوم الاربعاء من الاسبوع الماضي قالت مصادر أمنية ان عمال مصنع للملابس في بورسعيد اشتبكوا مع بلطجية هاجموهم بالسكاكين. ويلقي بعض المصريين اللوم على الشرطة في عدم التدخل بقوة لمنع أعمال العنف هذه. وامتد شلل الحكومة الى الموافقات على الصفقات التجارية ومشروعات التطوير. ويقول اقتصاديون ان الدعاوى القضائية المرفوعة ضد اتفاقات استثمار بين القطاعين العام والخاص قد تثني المسؤولين الحكوميين عن المضي قدما في مشروعات جديدة خوفا من مقاضاتهم. ويقول رئيس غرفة الصناعات المعدنية ان انتاج الصلب والمعادن انخفض بنسبة 40 بالمئة عن مستوياته قبل الاطاحة بمبارك فيما يرجع اساسا الى تعليق مشروعات بنية اساسية تدعمها الحكومة. لذلك تتطلع العديد من الشركات المصرية وملايين الاشخاص الذين يعملون لديها الى قيادة جديدة تضع السياسات الاقتصادية في الاشهر المقبلة. وقال أحمد الاشرم الشريك المدير في شركة مسابك القاهرة الكبرى التي تنتج مواسير الصلب "كل فترة ترد انباء عن أن الامور ستعود لطبيعتها. "كان هذا بعد شهرين من الثورة ثم بعد يونيو عندما انتهت السنة المالية ثم بعد العيد ... والان لا نعرف." وألغت الشركة نوبات العمل الليلية واكتفت بالعمل ثلاثة ايام في الاسبوع هذا العام مع انخفاض انتاجها بما يصل الى 70 بالمئة.