تعقد القمة الاقتصادية العربية هذا العام وسط تداعيات اقتصادية وسياسية وتنموية سلبية إلى حد كبير انعكست على مجمل الوضع العربى المتأزم والمثقل بأعباء ضخمة تتطلب جهودا شاقة لمكافحة الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل فى معظم الدول العربية والحاجة القصوى إلى توفير فرص عمل لملايين الشباب العاطل وزيادة معدلات التنمية وقد تضمن جدول أعمال المؤتمر بندا يتعلق بالاستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة خلال السنوات العشرين القادمة ، وهو بند – رغم أهميته – إلا أنه فى نظرى يعد شاغلا ترفيا فى هذه الظروف أكثر منه بندا عمليا تتوفر له إمكانات البحث العلمى المطلوب له والميزانيات الضرورية فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة تعيشها دول الربيع العربى ورفاهية كاذبة مؤقتة ومبالغ فيها تعيشها الدول البترولية فى إسراف ترفى لا يبنى استثمارات حقيقية لمستقبل غامض حين ينضب معين الطاقة التقليدية عند هذه الدول. فدولة مثل مصر تملك الكوادر العلمية والبحثية ولا تملك التمويل اللازم للبحث العلمى ولا تسمح ظروفها الاقتصادية الحالية بتوفير مثل هذا التمويل ، ودول الخليج التى تملك الفوائض المالية الضخمة لا تريد المغامرة بهذه الفوائض فى بحوث علمية ترى – من وجهة نظرها – أنها غير مضمونة النتائج وتفضل استيراد التكنولوجيا على إنتاجها ، وتشكل الاضطرابات السياسية ، والتطرف الدينى وسيطرة الفكر اليمينى المرتبط بالدين وبنظم حكم تقليدية وغير ديمقراطية عوائق أخرى أمام أى خطط للتنمية والتطوير ، كما أن تفاقم وتزايد مشكلات ضعف التنمية فى العالم العربى وأوضح مثال لها عجزه عن إنتاج ما يكفيه من غذاء رغم الإمكانات الكبيرة المتوفرة لأنتاجه ويستورد العرب أكثر من 65%من غذائهم من خارج الوطن العربى ، وكذلك العجز عن استغلال الطاقة البشرية الهائلة من المهنيين والجامعيين والمثقفين والعمال المهرة فى مشروعات تنموية حقيقية ، وتمثل الخلافات الأيديولوجية والسياسية عاملا مؤثرا فى إعاقة التنمية الحقيقية ، كما أن تعليق الآمال على القطاع الخاص لقيادة عجلة التنمية يتسم بالسذاجة حيث يهتم القطاع الخاص بطبيعته بمشروعات ذات ربحية سريعة ودوران متلاحق لرأس المال ولا يهتم بمشروعات التنمية المستدامة والمشروعات الكبرى إلا فى حدود ضيقة وبدعم ضرورى من الحكومات ، وإذا تعامل الملوك والرؤساء العرب مع مؤتمر الرياض كما يتعاملون مع مؤتمرات القمة التى يعقدونها فى السنوات الأخيرة فإن الأمل يكاد يكون منعدما فى تحقيق إنجاز حقيقى للخروج من الأزمة التى يعيشها الوطن العربى فى هذه الأيام فانهيار الاقتصاد فى مصر والسودان وتونس والجزائر واليمن وسوريا ولبنان والعراق والاستهلاك الترفى فى دول البترول ذات الفوائض المالية الكبيرة يتناقض تماما مع النية الصادقة والعزيمة والإرادة التى تتطلبها نهضة تنموية حقيقية تقوم على العلم النافع والعمل الجاد والنوايا الصادقة فمشكلات التعليم والصحة والبطالة والعجز عن إنتاج ضرورات الحياة للمواطن والاعتماد على الخارج لتوفيرها تحتاج للتغلب عليها إلى وحدة اقتصادية تطرح وراءها الأنانية المحبطة والخلافات السياسية والفكرية والعقائدية والمذهبية لتعطى جهدها كله لبرامج تنمية حقيقية تقوم على العلم والعمل الجاد دون حشر لهذه الخلافات المقيته فى مسيرة التنمية ، والعرب اليوم يعيشون مرحلة حاسمة فى تاريخهم تصل إلى نقطة نكون أو لا نكون ، فهل ينتهى مؤتمر الرياض إلى مثل ما انتهت إليه مؤتمرات قبله أم تكون له نتائج حقيقية تنعكس إيجابيا على التنمية الحقيقية لهذه الأمة لتستعيد دورها الرائد فى حضارة الإنسان .