ظهر التيار الإسلامي لاعباً أساسياً في اللعبة السياسية في مرحلة ما بعد الثورة المصرية، وبدا قادته واثقين من تحقيق مكاسب مهمة في الانتخابات العامة المقبلة. ويقول القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، عصام العريان «بعد 100 عام، نحن واثقون بأن الثورة في مسارها الصحيح»، مضيفا بلهجة واثقة، «في غضون أشهر قليلة سيكون لدينا برلمان جديد ودستور جديد لمصر الجديدة». وتعمل الجماعة حاليا، في وضح النهار، بمقرها الرئيس المؤلف من ستة طوابق، في ضاحية المقطم. ويختلف المقر الجديد كلياً عن المكاتب التي كانت بحوزة الجماعة على جانب نهر النيل، عندما كان نشاطها محظوراً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وبعد أن كان أعضاؤها يتعرضون للمضايقات والتنكيل، أصبح بوسعهم اليوم ممارسة النشاط السياسي بحرية كاملة. استعادت الجماعة التي قبلت القواعد الديمقراطية وتخلت عن استخدام العنف، منذ فترة طويلة، حيوتها بعد الإطاحة بنظام مبارك، وهي الآن واثقة بالازدهار في العهد الجديد، وهي إضافة إلى مشروعاتها السياسية والاجتماعية تطمح لإنشاء فريق كرة قدم لينافس في الدوري المصري المحترف. وقد استقال العريان وقياديون آخرون من زعامة الجماعة، من أجل إنشاء حزب «الحرية والعدالة»، للمنافسة في انتخابات سبتمبر المقبل، التي تعتبر الانتخابات الحرة الأولى منذ ثورة .1952 ولدى جماعة الإخوان، التي أنشئت قبل 83 عاماً، والحزب الجديد «المهمة نفسها، ولكن بأدوار مختلفة»، بحسب العريان. وتتراوح التوقعات بين اكتساح الحزب المقاعد البرلمانية، في الانتخابات المقبلة، أو فوزه بنحو 20٪ منها فقط، في ظل المعطيات الجديدة، حيث لن تكون هناك حملة ضد النظام، لأن مصر تعيش مرحلة ديمقراطية. يذكر أن الجماعة لم تنظم التظاهرات في ميدان التحرير، لكنها دعمتها عندما كان النظام يتأرجح. ومن ثم فإنها تحرص على الظهور الآن بأنها ليست طموحة كثيراً وأنها لا تمثل تهديدا كبيرا، كما يحاول البعض التحذير من خطورة هذا التيار. وتعتزم الجماعة التنافس على 50٪ من المقاعد البرلمانية، في حين لن تقدم مرشحا عنها للانتخابات الرئاسية، إذ يرى العريان أن «الوقت ليس مناسباً لاتخاذ القرارات»، موضحاً أن «هذا وقت الاتحاد لنقل مصر من الدكتاتورية إلى الديمقراطية». في المقابل، يرى المحامي منتصر الزيات، أن من المحتمل أن تفوز الجماعة بنسبة كبيرة من المقاعد، قد تصل إلى 60٪، لأن منافسيها من العلمانيين والليبراليين منقسمون، وليس لديهم الخبرة، مقارنة بأعضاء الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، الذين سيترشحون في دوائرهم السابقة بصفتهم مستقلين. ويقول خصوم جماعة الإخوان إن أداءها سيكون ضعيفاً، نظرا للانقسامات الموجودة داخل الجماعة، والهوة الكبيرة بين الأجيال، كما يقولون إن النظام البائد والحكومات الأجنبية بالغت في وصف تماسك صفوفها وأهميتها، وكذا الخطر الذي تمثله من خلال القول إنها قد تقود «دولة إسلامية» على النمط الإيراني في بلاد النيل. ويعتبر نشاط الجماعة الاجتماعي والإنساني، في السابق، من خلال تقديم بعض الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية، أهم بكثير من أي نشاط سياسي. وفي ذلك تقول النائبة السابقة عن حزب الوفد، منى مكرم عبيد، «لا أرغب في أن يصل الإخوان إلى السلطة، ولكن انضمامهم إلى العمل السياسي أمر جيد»، مضيفة، «كان الأمر سخيفا عندما كان يقال عن التيار أنه محظور في الوقت الذي فاز فيه ب88 مقعداً في انتخابات 2005». من جهته، يقول أحد الصحافيين في الأهرام «لن تكون جماعة الإخوان مثل السابق أبداً، فالبيئة المثالية بالنسبة لهم كانت النظام الاستبدادي، أما في ظل التعددية السياسية فسيكون هناك تنافس بين البرامج والأجندات، وليس الأيديولوجية أو الدين». ويرى محللون أن خطراً آخر يواجه الحركات الليبرالية، يتمثل في الحركة السلفية التي بدأت تثير تساؤلات في مصر، بعد أحداث قنا، إذ رفض متظاهرون تعيين محافظ مسيحي، وفي ضاحية إمبابة التي شهدت صدامات بين أقباط ومتشددين، إلا أن مراقبين للشأن المصري يرون أنه تم تضخيم خطر السلفيين، وفي هذا السياق يقول الزيات «لقد أصبح التيار السلفي فزاعة». ويضيف «كانت (الفزاعة) في السابق جماعة الإخوان، والآن يستخدم العلمانيون السلفيين للهجوم على الإخوان». في المقابل، يتهم الإخوان خصومهم بمحاولة تشويه صورتهم من خلال وضعهم مع السلفيين في إطار واحد. ويقول القيادي في الجماعة، علي عبدالفتاح، إن «أولئك الذين يخافون منا لا يعرفوننا حقاً، وبعض الصحافيين يحاولون الخلط بيننا وبين جماعات دينية متشددة». وعلى الرغم من الانتقادات القاسية الموجهة إليها، تبدو الجماعة السلفية عازمة على تغيير نهجها، فبعد أن كان نشاطها يقتصر على الدعوة، باتت السياسة من أوليات الجماعة في الوقت الراهن، فقد رحبت بتعديل الدستور المصري، في مارس الماضي، ووصفت الحدث بالنصر، كما أن هناك بوادر لإطلاق حزبين سياسيين جديدين هما «الفضيلة» و«النور» للمنافسة في الانتخابات البرلمانية في سبتمبر. ويقول الشيخ عبدالمنعم الشحات، وهو أحد أهم المتحدثين باسم التيار السلفي في الاسكندرية، «لقد مارس النظام السابق ضغوطاً كبيرة علينا لوقف نشر أفكارنا، واليوم يمكن أن يرى الناس أن هناك عدداً كبيراً من السلفيين (في مصر)». ويحذر الشحات من أن «دستورا ليبراليا» يحكم مصر في مرحلة ما بعد مبارك سيكون «كارثة»، ويضيف «نريد دستوراً ديمقراطياً يتماشى مع الشريعة». لا يوجد مؤشر، في هذا المشهد السياسي سريع التغير، إلى أن الإسلاميين سيتولون زمام الأمر في مصر، الأمر الذي يخشاه العلمانيون، وفي المقابل يبدو أن الإسلام سيأخذ حيزاً أكبر في الحياة العامة، مستقبلاً، في مرحلة انتقالية، وصفها العريان بأنها، «انتقال من الحكم الفرعوني إلى حكم الشعب».