لعبت الحضارة الاسلامية فى عصورها الزاهرة فى بغداد وقرطبة والقاهرة دورا رئيسيا فى تطور الحضارة الانسانية فى الفكر والعلم والفن وكانت حلقة الوصل بين حضارات العالم القديم الفرعونية والبابلية والاغريقية ؛ والحضارة الاوربية المعاصرة وقام المسلمون بترجمة علوم السابقين واضافوا اليها الكثير من الافكار والمبتكرات والفنون مما اسس لحضارة زاهرة اخذت عنها اوربا اصول حضارتها المعاصرة . وقد بدأ النشاط الفكرى لحضارة الاسلام بالتوسع فى علوم اللغة والدين والفلسفة والفقه وربطوا بين هذه العلوم النظرية وبين تطبيقات العلوم العملية كالرياضيات والطب والكيمياء والصيدلة والبيطرة والفزياء بصورة لم تعرفها حضارة سابقة . فاذا عرفنا ان عالم الرياضيات العظيم " الخوارزمى " وصل الى اكتشاف ووضع قواعد علم " الجبر " من خلال بعض الحلول التى وضعها علماء اللغة لمشكلات فى اشتقاق الكلمات فى علم الصرف مثل الحذف والتعويض والاعلال والابدال . وكان مجلس المأمون فى بغداد مجمعا علميا للفلاسفة والادباء والشعراء والعلماء الافذاذ فى الطب والهندسة والرياضيات والفلك والموسيقى والغناء يتنافس كل منهم فى عرض خلاصة فكره وابداع موهبته ويستمع الخليفة ويناقش ويعلم ويتعلم ويتم تطبيق هذه المبتكرات والافكار والعلوم والفنون وتسجيلها فى كتب حفظت للبشرية هذا العطاء الحضارى وتلقفتها اوربا مع نهاية العصور الوسطى لتصنع نهضتها الحضارية المعاصرة . وفى اقصى الغرب فى الاندلس الاسلامية كان الفكر المستنير الرائد للفيلسوف المسلم العظيم " ابو الوليد بن رشد " المصدر الرئيسى لتطور الفكر الاوربى حين نقله الى اللاتينية القس " توماس الاكوينى " فكان بداية التفكير الحر وسيادة العقل والبداية الحقيقية لتحرير الفكر الانسانى من الخرافة . وظلت انجازات الحضارة الاسلامية فى صقلية وبغداد والقاهرة والاندلس المصدر الاول للفكر والعلم والادب والفن فمراجع الطب مثل الحاوى فى علم التداوى لابى بكر الرازى والشفاء لابن سينا ومراجع الرياضيات فى الجبر والمقابلة واللوغاريتمات للخوارزمى ومراجع الكيمياء لجابر بن حيان والفزياء للحسن بن الهيثم والصيدلة للزهراوى والجغرافيا للادريسى وعلم الاجتماع فى مقدمة ابن خلدون والغناء والمويسيقى لاسحاق الموصلى وزرياب والكندى والاصفهانى وفنون العمارة والبناء فى قصور الحمراء ومساجدها والمدارس والقلاع فى جميع انحاء العالم الاسلامى ظلت هذه النجازات مرجعا ونورا اهتدت به الحضارة الاوربية المعاصرة لتخرج من ظلمات وجهل وخرافة عصورها الوسطى الى ابداعات حضارتها الحديثة ؛ وهذا الدور العظيم الذى اسهمت به الحضارة العربية الاسلامية فى تقدم الانسانية لا يمكن ان يلم به مقال او حتى كتاب وسأحاول فى مقالات قادمة تناول بعض تفاصيل هذا الدور , كلما سنحت لى فرصة من التفرغ للتعريف بهذا الدور العظيم , لعل ذلك يعيد لشعوب امتنا الثقة بإمكانية استعادة دورنا الرائد فى تقدم الانسان .