قال الدكتور أسامة الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، في أول تعليق له على مناظرة الأمس مع الإعلامي إسلام بحيري، إن هذه القضية ليست متعلقة بشخصية إسلام بحيري أمام أطروحة فكرية أثارت حيرة عند الناس، فكان لابد من إبداء الرأي فيها، مع كامل التقدير للشخص، وكامل الاختلاف مع أطروحته المضطربة المندفعة، المفتقدة للمنهجية والأخلاقية. وأكد «الأزهري»، أن هذه الأطروحة سواء كان عليها اسم بحيري، أو اسم الشيخ الشعراوي، أو اسم الشيخ عبد الحليم محمود، أو غيره، فالأطروحة المرتبكة مردودة مهما كان قائلها، بل نزداد حلما ورفقا بالمخالف أضعاف أضعاف ما نبذله من الحلم وحسن الخلق مع الموافق، وفي النهاية فالمعيار الوحيد هو التاريخ الذي لا يحتفظ إلا بما كان متقنا مهذبا منهجيا، ويذوب فيه ما كان مشوشا، ولابد من عودة الاحترام للعلم وقواعده، ولابد من فتح باب النقد العلمي النزيه، لأنه هو الذي يحرك العقول، ويصنع العلم، أما التطاول واللعن وفحش القول فهو غير مقبول بالمرة. وأضاف الأزهري في بيان له قال فى «ان تجديد الخطاب الديني معناه إزالة كل ما يتم إلصاقه بالشرع الشريف من مفاهيم مغلوطة، أو تأويلات منحرفة، هذا من ناحية، وإزالة كل ما تم إلصاقها به من اتهامات قبيحة تصف تراثه ومناهجه وعلومه بالعفن والقمامة، حتى يتحرر دين الله من كل تلك الأغلال التي تحير الإنسان، مع الحرص في الوقت نفسه على تشغيل مصانع الفكر التي تسلل الصدأ إلى تروسها ومفاصلها، فتجمدت وعقمت، لتعيد صناعة العلماء المتمكنين، وإنتاج الفقه والفكر المنير، الذي يحافظ على مناهج الفهم، ويحقق مقاصد الشريعة، ويبني منظومة الأخلاق، ويحفظ الوطن، ويحقق العمران، ويكرم الإنسان». ودعا الأزهري إلى حرية الفكر، وإعمال العقل، والإبداع العلمي، الذي يمكن به بناء العلم والمعرفة وصناعة الحضارة ، ورفض المنع والقمع والمقاضاة لأي أطروحة فكرية مهما كانت، والفكر لا يواجه إلا بالفكر، وصراع العقول مفيد على كل حال، لأنه هو الذي يولد الحضارة. وأشار إلى "أنه لا تقديس للأشخاص ولا للمناهج، ولا لكتب العلماء، ولا تدنيس لها في نفس الوقت، وفارق بين من يقدم نقدا علميا نزيها، وبين من يعتدي على من سبق كما يفعل إسلام بحيري، حيث يصف أطروحاتهم الفكرية بأنها صندوق قمامة، أو عفن، أو ينادي بحرقها، أو يقول إنها سبب التخلف، أو يقول بقطع أيدي أئمة العلم وأرجلهم، وأنهم جعلوا الكذب منهجا، وجعلوا الكذب شرعا، فهل يمكن أن نقول عن هذه الأطروحة إنها تنادي بإعمال العقل وتدعو للنقد العلمي، والإجابة هي لا بالطبع، وهناك فارق بين النقد العلمي الذي يجب علينا جميعا قبوله، وبين التدمير المنهج الذي يهدم كل شيء ويوصلها للفوضى الخلاقة". وأوضح أنه "بعد النظر الإجمالي في أطروحة إسلام بحيري يتبين أنها مشروع مستنسخ من شبهات المستشرقين، وما من فكرة ولا قضية قالها إلا وقد أثارها المستشرقون من قبل، ويعتمد على استراتيجية محددة، وهي الاجتزاء، والقفز من مسألة لمسألة، فأطروحته ظاهرة يمكن تسميتها بالضجيج والتشغيب الفكري". ونوه إلى أن "هناك تشابهًا واضحًا بين أطروحة البحيري وبين أطروحة سيد قطب، حيث ينادي بحيري بتحرير الإسلام من جهود العلماء منذ القرن الثاني الهجري، بمعنى أن نتخلص من جهود العلماء على مدى ألف ومائتي سنة، وندخل للقرآن الكريم بدون أدوات فهمه، وهو عين ما قال به سيد قطب، حيث يتكلم في كتاب التصوير الفني للقرآن وفي كتاب الظلال عن أنه ألقى تراث العلماء بأكمله، وسماه تراثا جاهليا، ودخل إلى القرآن بدون أدوات، فكانت النتيجة أن أخرج لنا فكر سيد قطب منظومة التيارات الدموية من التكفير والهجرة، إلى جماعة الجهاد، وانتهاء بداعش". وأكد أن "كل فروع الفقه المدون في الكتب على مدى ألف سنة وأكثر، منضبط ومقيد بمنظومة عليا من الأخلاق والضوابط على رأسها قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، حرصاً منهم على أن تبقى فروع الفقه محققة لمقاصد الشريعة والتي هي حفظ النفس وحفظ العقل وحفظ الأعراض وحفظ الدين، فكل مسألة فقهية سببت ضررا فهي ممنوعة، ولو حصل أنها كانت في زمنهم لا تسبب ضررا، ثم تحولت في زمننا بسبب اختلاف الأعراف ونمط المعيشة فصارت تسبب ضررا، فإن الحكم الفقهي ينبغي أن يتحول من الإباحة التي كانت في زمنهم إلى الحرمة التي تناسب واقع زماننا، حفاظا على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وحفاظا على تحقيق مقاصد هذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين، وقد كانت هذه المقاصد هي نتائج علمهم في زمانهم، وما يقع في كتبهم مما يخرج عن تحقيق تلك المقاصد فقد تعرض لنقد متتابع من الأجيال التالية لهم إلى اليوم، وإن بقي شيء من مسائلهم يخرج عن هذه المقاصد العليا فنحن ندعو إلى نقده بدون تردد، وأيضا دون لعن قائله". وقال إن "الخطأ الجوهري في منهجية إسلام بحيري هو تصوره الغريب بأن الدين ليس علما، وكل ما عدا هذا من مسائل جزئية متعلقة بالصحابة، وحد الردة، وسن السيدة عائشة، وصحيح البخاري، وعكرمة، وغير ذلك، فهي أمور متفرعة من هذا التصور الغريب والذي هو أن (الدين ليس علما)، والصواب الذي يعرفه الجميع ويحاول بحيري الالتفاف عليه هو أن الدين علم، وهناك فارق بين الدين وبين التدين، فالدين منظومة علوم تتعلق بعلم النحو، وعلم الفقه، وعلم الحديث، وعلم أصول الفقه، وعلوم البلاغة، والتي هي أدوات فهم القرآن الكريم لأنه نزل بلسان عربي مبين، أما التدين فهو ما يستوعبه كل فرد ويتذوقه ويحاول الالتزام به، وقد يكون تدينه صحيحا إذا طابق العلم، وقد يكون تدينه مغلوطا إذا خالف العلم، وما تمارسه داعش مثلا فهو تدين مغلوط مخالف لعلوم الدين، فإذا نسفت العلم فلا سبيل لتخطئة داعش أبدا، لأن داعش تفهم على هواها وأنت في المقابل تفهم على هواك".