يمسك مبارك بالريموت كنترول..يأمر ولديه علاء وجمال بالجلوس إلى جواره لمشاهدة مبارة الزمالك والأفريقى التونسى..تتجمع عائلة الرئيس السابق فى بهو المنتجع الذى اختاره مبارك بنفسه ليكون منفى له بعد إجباره على التخلى عن منصبه ..تدور فى مخيلته ذكريات زمن فات عن الانجازات التى تحققت فى عهده ..يتأمل مشهد الاستاد وهو ممتلىء بالجماهير ،ثم يطلق زفرة آسى على الماضى وهو يرمق ولده جمال بنظرة آسى تعبر عن جرح لم يندمل،فى حين كان الابن الأكبر فى حالة حزن عميق ..ليس بسبب خلع والده من سدة الحكم هذه المرة ولكن بسبب خسارة ناديه المفضل الاسماعيلى أمام ناد كينى مغمور برباعية دون مقابل فى مفاجأة مدوية لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعها بعد الفوز بالاسماعيلية بهدفين للا شىءفى دور ال32 لكأس الاتحاد الافريقى أو ما أصطلح على تسميته بالكونفيدرالية الافريقية،ليودع الاسماعيلى البطولة الافريقية مبكرا جدامن أدوارها الاولى يغمس الرئيس السابق مشاعره فى المباراة ..يتحول شيئا فشيئا إلى مشجع يعبر عن مشاعره الجياشة كزملكاوى أخفى هذا الشعور طيلة 30 عاما من حكم مصر إلى حد أنه لم يشاهد مباراة واحدة للزمالك بستاد القاهرة رغم حضوره عشرات المباريات للمنتخب الوطنى والاهلىوكذا منتحبات الشباب والناشئين لكنه أبدا لم يؤازر ناديه المفضل يوما ما من المقصورة الرئيسية المخصصة له من داخل ستاد القاهرة،رغم أن مناسبات عديدة كانت تنتظره عربيا وإفريقيا حقق خلالها الزمالك البطولات إلا إنه لم يفعل!! يهتز الرئيس السابق مع كل هجمة ويتفاعل متعاطفا مع التوءم حسام وإبراهيم..وحين ينجح حسين ياسر فى اختراق منطقة الجزاء ويسقط على إثر دفعة من العيفاوى مدافع الترجى التونسى ..يصرخ قائلا :"ضربة جزاء ..ضربة جزاء ..مش قلتلكم الواد حسام حسن ده معجون كورة"..ترتسم ابتسامة عريضة على وجه مبارك ..ابتسامة غابت عنه طويلا منذ أن اندلعت ثورة 25 يناير لتسقط أقنعة الفساد عن رموز عصره ..وتجول بخاطر الرئيس الايام الخوالى التى كان ينغمس فيها بكل جوارحه مع الكرة المصرية وما كانت تقدمه له من خدمات جليلة لرفع شعبيته وتخدير المطحونين ولو قليلا عن الظلم والفساد والجبروت والطغيان..يتذكر قبل بضع سنوات قليلة كيف طلب من حسن شحاتة إعادة النظر فى حسام حسن ومطالبته بضمه فى أمم 2006 ..وكيف حمل حسام الكأس بعد أن رفعه مبارك بيده زهوا وافتخارا،قبل أن يسلمه لحسام حسن ويقبل الاخير رأسه عرفانا بجميل الرئيس الذى أعاده للمنتخب ..رغم ما قاله حسام بعدها أنه تعرض لاضطهاد وظلم فى عهده !! يستيقظ مبارك من أحلام اليقظة على تنفيذ فحمود فتح الله لركلة الجزاء بنجاح محرزا هدفا غاليا للزماك ويصبح الزمالك على بعد هدف آخر ليصعد إلى دور ال16ويصفق مبارك وولده جمال الصديق الدائم للتوءم شأنهم فى ذلك شأن نجوم كبيرة كانت تزهو بعلاقتها بنجل الرئيس السابق مثل أحمد حسن قبل أن ينفضوا عنه بعد تحطيم مشعل التوريث وانهاء نظام حكم بوليسى ولم يلبث الرئيس أن أصيب باكتئاب بعد تعادل الترجى ..لكن الهدف الثانى أعاد إليه الامل..تماما مثلما يتمنى أن يعود إليه الامل فى ختام مشرف لمشوار عمر طويل أفسده نجله الاصغر وحاشيته التى عزلته عن الحقيقة يستمر اللقاء وتقترب النهاية غير السعيدة وتتفاعل الجماهير ويصرخ حسام وإبراهيم بعد هدف غير صحيح يلغيه الحكم الجزائرى..ويصرخ علاء هذه المرة :"هو الجزائريين ورانا ورانا"..ثم يسقط فى يد الجميع حين تؤكد الاعادة التليفزيونية أن أحمد جعفر كان متسللا ..,ان الجزائرى مشارى محمد كان على صواب هو ومساعده..ثم ..ثم تنطلق موقعة الجلابية وتبدأ غزوة الاستاد وتنطلق الجماهير من كل حدب وصوب وخلال ثوان قليلة تختفى أرض الاستاد الخضراء بأحذية الغاضبين من أى شىء ومن كل شىء ..المشحونين بمفاهيم استقوها من رموزأفهموهم أن الفوزيجب أن يتحقق ولو كان ذلك بالبلطجة..ولو كان ذلك بالشماريخ ..ولو كان ذلك بالليزر المحرم دوليا يسأل مبارك:"فين الزفت المسئول عن الامن"يهدىء علاء من روعه وهو يقول :"يابابا متزعلش نفسك الانفعال وحش على صحتك ..ثم خلاص يابابا العادلى محبوس واللى ماسك دلوقتى لا حول له ولا قوة" يغلق مبارك البلازما الضخمة التى تابع من خلالها المباريات ..وسارع ولديه لمتابعة مباراة الاهلى وسوبر سبورت الجنوب افريقى..ثم تتابع أحداث العنف والفوضى بعد مباراة الزمالك والافريقى ..ويبلغان والدهما باتهامه وفلول الوطنى بتدبير مؤامرة خلال المباراة ..يصمت مبارك وهو يطرق برأسه ..يعلم أن لا صلة مباشرة بينه وبين ما حدث بمعركة الجلابية أو غزوة الاستاد..لكن ما زرعه رموز عهده من بلطجة وما ترسخ فى أذهان الناس من أن العنف طريق تحقيق المآرب ..كان سببا فى تغيير تركيبة المصريين صمت مبارك وهو يعلم أن ما تعرض ويتعرض له من اتهامات ..ليس تجنيا عليه بقدر ما هو حالة عامة ..صمت وهو يتابع اعلاما زائفا يصور للناس أن الثورة المضادة هى التى كانت وراء غزوة الاستاد ..رغم أن نفس هذا الاعلام الفاسدهو الذى كان يبارك تحركات الداخلية فى عصر الطاغية حبيب العادلى،وهو الذىكان ولا يزال يصور ما حدث ويحدث من شغب على أنه من قلة مندسة ..صمت مبارك لكنه كالعادة لن يعترف .. ويبقى أن يعترف المصريون بأن شيئا ما يجب أن يتغير فى سلوكياتهم ..وأن معاقبة المتورطين فى الاحداث يجب أن يبدأ من حيث هؤلاء الذين حرضوا الجماهير رغم محاولتهم التنصل من الموقف..وأن الميل إلى نظرية المؤامرة وتحويل دفة الامور وتحميلها إلى ما كان يسمى الحزب الوطنى هو مجرد دفن للروءس فى الرمال كالنعام.. اقتلعوا رؤؤس الفساد الرياضى الذين لا هم لهم إلا استمرار البلطجة ..ويمولونها ويرعون المأجورين فى المدرجات..هم ليسوا من الزمالك ولا الاهلى فقط ولكنهم أيضا من كل أندية مصر ينتشرون كالسرطان..اقتلعوا هؤلاء الذين يمولون ارهاب المدرجات ..ولا تأخذكم بهم شفقة ولا رحمة..أو انتظروا مذابح دموية فى القريب العاجل حتى ولو تم إلغاء الدورى ..فالخلايا الفاسدة ستظل كامنة حتى تظهر من جديد مع أول صدام