زمان في السبعينيات.. عندما فكرنا في إنشاء فرع للنادي الأهلي في مدينة نصر.. وكنا في ذلك الوقت نصدر مجلة "الأهلي".. كتبت أن السبب الرئيسي لإنشاء هذا الفرع أن مبني الجزيرة ضاق بالكئوس والدروع وشهادات التفوق.. ولم يعد هناك مكان للمزيد!!!.. كان لابد أن نلجأ إلي الصحراء الواسعة جداً خلف مدينة نصر لعلها تتسع لبطولاتنا القادمة!!! وكأنني أقرأ الغيب.. ولكنني لم أتصور أو أتخيل.. بل ولا أحلم منذ أربعين عاماً بهذا الذي وصلنا إليه الآن.. لم أحلم بأن النادي الأهلي يتصدر أندية العالم كله.. لا يوجد ناد علي سطح الكرة الأرضية حقق من الانتصارات والبطولات ما حققه النادي الأهلي علي مدي تاريخه الطويل.. ورغم أن الاحصاءات والبيانات لم نعرفها إلا حديثاً وهي إحصاءات "مرعبة" إلا اننا بذلك نظلم الأهلي القديم الذي حقق الكثير أيضاً.. بل الأهلي القديم قبل الاحصاءات حقق ما هو فوق أي خيال.. أيضاً. *** سأروي لكم حكاية واحدة.. لأن الحكايات كثيرة. كان فريق الأهلي هو فريق مصر القومي تقريباً.. عدا بعض لاعبي الترسانة وفاروق "الزمالك" والسكة الحديد.. وهؤلاء لا يزيد عددهم علي ستة أو سبعة لاعبين.. وفي بداية أحد مواسم "الاستقالات والانتقالات" القديمة قرر محمد حيدر باشا رئيس نادي "فاروق" - الزمالك الآن - قرر ضم كل فريق الأهلي إلي ناديه.. بالأمر!!!!.. مع مكافآت ضخمة بالنسبة لهذه الأيام الذي كان مرتب حيدر باشا نفسه 200 جنيه في الشهر ومرتب رئيس الوزراء 250 جنيهاً. انتقل كل لاعبي الأهلي عدا مختار التيتش الذي رفض أن يوقع علي استمارة الاستقالة من الأهلي ثم يوقع علي استمارة الانضمام لفاروق!!! ولم يستطع والده عن طريق الترهيب والترغيب أن يثني مختار عن رأيه.. ياابني مستقبلك الكروي سيضيع عندما تنهال عليك الهزائم من كل الفرق!!!.. ياابني حيدر باشا وعدني بضعف ما سيأخذه أي لاعب آخر .. أبداً.. أبداً.. تمسك مختار بناديه.. لذا تجد له تمثالاً في حديقة النادي وهو يستحق أكثر من هذا. صعد مختار بفريق تحت 18 سنة إلي الفريق الأول.. وكانت المفاجأة.. كانت أيامها بطولة الأقاليم أو قل "دوري المحلي" لم يكن الدوري العام قد أدخله محمود بدر الدين عام 1948 بعد.. وفي دوري المحلي أو قل دوري المناطق كانت آخر مباراة عادة بين الأهلي وفاروق "الزمالك".. في أول بطولة بعد انتقال كل لاعبي الأهلي لفاروق ونزل اللاعبون وهم علي يقين بأن الفوز في جيبهم طبعاً ولكن السؤال كان هو: كم عدد الأهداف!!!!.. ولكن مختار كان قد وضع الخطة.. لاعب "18 سنة" لا يترك فرصة لحسين حجازي في أن يلمس الكرة.. يلازمه كظله.. زمان كان مدربو الأهلي يقولون لشطه "لازم فاروق جعفر كظله.. لا تتركه لحظة.. لو خرج من الملعب وذهب إلي دورة المياه اذهب وراءه في دورة المياه"!!!! هذه كانت الخطة ضد حسين حجازي.. وكانت كل الكرات تذهب إليه فكانت مقطوعة.. وصال مختار التيتش وجال في الملعب وأحرز ثلاثة أهداف وهزم أشبال الأهلي تحت 18 سنة نادي فاروق الذي هو منتخب مصر!!!! وقامت الدنيا ولم تقعد.. واستمر هذا الحال في الموسم الذي يليه.. وهكذا استمر فريق الأهلي هو بطل القاهرة سنوات!! قبل أن يحرز الدوري العام بعد عام 1948 تسع مرات متتالية. *** أعود فأقول إن إحصاءات الأهلي الآن "مرعبة" لم تحدث من قبل في تاريخ اللعبة.. ومع ذلك نظلم الأهلي صاحب تاريخ وطني أيضاً.. فقد كان منذ بداية إنشائه الغرض من محاربة الإنجليز تحت ستار الرياضة وكان أول رئيس لأول جمعية عمومية سعد زغلول.. لذا جاءت شعبية الأهلي من تكرار فوزه علي الفرق الإنجليزية. وكان اسمها "الوندررز" ومعناها "المتجولون" الذين يلعبون في عدة دول!!! وظلت هذه الفرقة تلعب في كل القارات حتي خلال الحرب العالمية الثانية.. ورفض تشرشل أن يوقف نشاطها باعتبار أنها "دعاية لبريطانيا العظمي التي تحارب وفي نفس الوقت تلعب الكرة"!!!! *** حدث في أغسطس عام 1943 حكاية تدل علي مدي وطنية هذا النادي العريق. من عادة النادي الأهلي كل صيف أن يقوم "برحلة الصيف" يركب قطاراً اسمه "قطار الشرق" يقوم من محطة مصر إلي العريش ثم القدس حتي تركيا وكان الفريق قبل سفره يتعاقد مع بعض الفرق في سوريا ولبنان وتركيا. وفي أغسطس 1943 جاء شخص "ليفون كاشيشيان" مراسل الأهرام في القدس - بعد احتلال إسرائيل أصبح مراسل الأهرام في أمريكا - جاء إلي القاهرة ومعه أربعة عقود لأربعة أندية عربية في فلسطين للعب مع الأهلي خلال رحلة الذهاب.. ما أن علمت بذلك السلطات الإنجليزية التي كانت تحتل فلسطين في ذلك الوقت حتي جن جنونها وطلبت من الملك فاروق منع هذه المباريات ومنع سفر الأهلي أساساً للقدس..وحاول الملك وحيدر باشا إقناع فؤاد سراج الدين وكيل النادي الأهلي ووزير الداخلية في نفس الوقت بعدم السفر دون جدوي!!! بل كان سراج الدين هو المكلف رسمياً بالمنع بصفة وزيراً للداخلية.. لذا لجأ الملك والسفير البريطاني إلي حيدر باشا رئيس اتحاد الكرة.. هدد حيدر باشا النادي الأهلي.. إذا سافر سيتم شطب كل لاعبيه من سجلات الاتحاد.. ومع ذلك قرر مجلس إدارة الأهلي سفر الفريق وليكن ما يكون.. لعب الأهلي أربع مباريات كانت عبارة عن مظاهرة سياسية ضد الإنجليز في فلسطين.. بل أصر ناديان آخران رغم تواضع مستواهما أن يلعبا أمام الأهلي بأي شكل وبأي ثمن.. واتصل عم عبده البقال بفؤاد سراج الدين يسأله.. لأن هذا أصبح موعد سفر الفريق إلي سوريا ولبنان وهناك تعاقدات مع أنديتها.. والمقابل ضخم من سوريا ولبنان والناديان العربيان في بلدة حيفا حيث المقابل غاية في التواضع.. فأمر سراج الدين بأن يلعب الأهلي مباراتي حيفا ويعتذر لسوريا ولبنان.. ويلعبا بالمجان!!!! ولكن كان هناك زعيم عربي معروف هو رئيس لأحد الناديين اسمه "شفيق الديك" أصر أن يدفع مبلغاً متواضعاً فيأمر سراج الدين من القاهرة بالتبرع بالمبلغ لاسعاف فلسطين الذي يعيش علي التبرعات.. هذا هو الأهلي. *** طموحات الأهلي بلا سقف.. وهكذا امتلأت أيضاً صحراء مدينة نصر بكئوس ودروع الأهلي!!!! بعد أن ضاق بها مقر الجزيرة.. بل بفوزه بكأس الكونفيدرالية وصل إلي لقب "عميد أندية العالم".. حقق 19 لقباً افريقياً كرقم قياسي لم يحققه أي ناد أفريقي آخر.. بل رقم 19 بعيد عن أقرب ناد ثان له.. ورصيده من الألقاب الدولية 20 لقباً لا يوجد ناد في العالم كله وصل إلي هذا الرقم.. وهكذا بدأ الأهلي يغزو صحراء 6 أكتوبر بعد مدينة نصر لينشئ فرعاً ثانياً له لكي يمتليء هو الآخر بالكئوس والدروع. *** وبعد... * أعضاء مجلس إدارة الأهلي السابق بقيادة حسن حمدي ومحمود الخطيب وغيرهما.. اعتذروا عن عدم حضور المباراة.. عدا خالد مرتجي ورانيا علواني ابني النادي بحق..الله يرحم عم عبده البقال الذي كان يلتقط صورة لأي لاعب يأتي به من الحارات والأندية الصغيرة.. صورة اللاعب وهو بالبيجامة والزنوبة!!!! وعندما يتمرد هذا اللاعب بعد أن يشبع وتكثر النقود في جيبه.. كان عم عبده البقال يستدعيه في مكتبه تحت مدرج الكرة ويطلب له فنجان "ينسون" ويقول له: اشرب!!!ربما نسيت!!!.. ثم يظهرله صورته بالبيجامة والزنوبة. * ياعم مرتضي منصور.. بدلاً من إعلان في الأهرام 20 سم علي ثلاثة عمود لتهنئة الأهلي دفعت فيه الشيء الكثير وربما لم يرأه كثيرون.. ماذا لو أخذت زملاءك أعضاء المجلس وذهبت إلي النادي يوم فرحه.. تأكد أن الجماهير كانت ستحملك من باب النادي إلي المدرج الكبير. * ربما كانت هذه المباراة النهائية الوحيدة التي لم يحضرها عيسي حياتو!!!!.. لعل المانع خير!!!! * تحية إجلال وتقدير.. وكل شيء للشرطة التي استوعبت حماس بلطيش الألتراس الذين حطموا باب 4 واحتلوا المدرج من الثامنة صباحاً.. دون أي احتكاك أو أي عمل عنيف أو غير عنيف ومرت مباراة الخمسين ألف متفرج كأروع ما يكون.